غزة / ينتظر الفلسطينيون المحاصرون في قطاع غزة فصل الصيف على أحر من لهيب شمس تموز المنتصبة في منتصف السماء, ففيه يخرج المواطنون سريعاً إلى متنفسهم الوحيد, ألا وهو شاطئ البحر, كي يفرغوا ما حصدوه من ضيق وحصار حركي واقتصادي ونفسي بالإضافة إلى عدوان إسرائيلي يرافقهم دوماً
حيث يتجه الكثير من المواطنين عادة إلى شواطئ المناطق الشمالية, لما تتميز من نظافة بحرها والتي قليل ما تصب فيها مياه الصرف الصحي, بالإضافة إلى قربها من المناطق الزراعية المفتوحة صاحبة الهواء العليل, ففيه يجدون الراحة والمتعة.
السؤال هنا, ماذا لو اختفى شاطئ الشمال عن عيون المواطنين المتلهفين له, هل سنكون أمام شاطئ مشوه المعالم لقطاع غزة ؟
لكن ليست هذه القضية الوحيدة التي تواجه مواطني غزة, بل إن هناك خطر يهدد ويتربص بحياة و مصالح ومنافع المواطنين, منها خطر انهيار شارع الشمالي في مخيم الشاطئ وبالتالي انهيار المنازل المجاورة له بالإضافة إلى الخطر الذي يهدد مسجد ” الخالدي”.
الدكتور مازن أبو الطيف, الاستشاري و خبير الشواطئ, الحاصل على الدكتوراه في هندسة الشواطئ من اليابان وماجستير في هندسة الشواطئ والموانئ من هولندا, كشف لمراسل ” دنيا الوطن” عن هذه المخاطر التي تواجه شاطئ قطاع غزة من خلال دراسة أعدها في هذا التقرير.
الأسباب
تتعدد التيارات البحرية في البحر المتوسط, لكن السائدة منها هي التي تكون حركتها جنوبية شمالية حيث تأتي من مصر إلى السواحل الفلسطينية وفي بعض الأحيان تكون شمالية جنوبية من يافا إلى غزة ثم إلى مصر, لكن التيارات المؤثرة على شاطئ غزة هي التيارات الجنوبية الشمالية القادمة من مصر, وبالطبع هذه التيارات مثلها مثل أي شاحنة تحمل كميات كبيرة من الرسوبيات الطينية تساهم في تشكل الشاطئ إما تزيد من رماله أو تأكل منه, ذلك بحسب الخبير مازن أو الطيف .
وتابع الخبير لدنيا الوطن,” بحسب القياسات التي أخذناها من أمواج مصر والقياسات التي أخذناها من أمواج ميناء سدود, أظهرت النتائج أن تلك الرواسب تتراوح ما بين 160 ألف إلى 220 ألف لتر مكعب في السنة وهذه حسب قياساتنا, أما هناك قياسات سابقة تقريبية من بعض المستشارين الهولنديين والداخل قَدرت بـ 350 ألف لتر مكعب في السنة , لكن بناءً على الأمواج قياسات يابانية مثبتة أكدت أن الرقم لا يتعدى ال200 ألف لتر مكعب في السنة من حجم الرسوبيات الصافية المنقولة من الجنوب إلى الشمال, فأي منشأة تقام على الشاطئ ستحتجز هذه الرسوبيات المحمولة بوساطة التيارات البحرية وبالتالي لن تكمل سيرها جائعة دون رسوبيات, حيث ستقوم هذه التيارات بحمل رمال من المناطق الشمالية ما بعد تلك الحواجز كالميناء وبعض الألسنة “.
شاطئ الشمال سيختفي ما بين 10 إلى 15 سنة
من يذهب إلى ميناء الصيادين في هذه الأيام, يلاحظ أمراً بات واضحاً جلياً للعيان, فالشاطئ من جنوب الميناء متقدم إلى جهة البحر أكثر من شمال الميناء الذي يبدو فيه الشاطئ منحسراً متآكلاً.
وبحسب “ويكيييديا” الموسوعة الحرة, يعد ميناء غزة أحد أهم موانئ فلسطين, الذي يقع شمال قطاع غزة، على الساحل الشرقي للبحر المتوسط. وقد ذُكر في عدة نصوص تاريخية قديمة. ويبلغ عمقه قرابة 970 مترا، ومساحته 48,000 مترا مربعا. وقد عملت إسرائيل بعد احتلالها لغزة في النكسة عام 1967، على منع الصيادين فيه من تجاوز 6 أميال عن الشاطئ.
يصف الخبير أبو الطيف, أنه تفاجأ من حجم المشكلة في تزايد تآكل شاطئ غزة, وذلك بعد عودته إلى الوطن عام 2010, حيث رغب في معرفة سبب المشكلة, هل هو وجود الميناء الذي أنشئ من عام 94 إلى 98 ؟ أو لأسباب أخرى,
يوضح الخبير قائلاً لدنيا الوطن : ” بالنسبة لنا, أفضل شيء أن نأخذ قياسات في الحقل وللأسف لا توجد لدينا هذه القياسات ’ إلا الاستعانة بالصور الجوية , فقمت بالاستعانة بصور الأقمار الصناعية الأمريكية, فوجدت صور تاريخية من عام 72 إلى هذه اللحظة , وتم تحليل هذه الصور باستخدام برنامج معين لمعرفة تغير حالة الشاطئ هل اتجه إلى الماء أم إلى اليابسة , وجدنا بعض التآكل الطبيعي لشاطئ البحر نتيجة السد العالي الذي يمنع وصول الرواسب الطينية للساحل الفلسطيني ’ ترتب بعد ذلك إنشاء بعض المنشآت الخراسانية على الشاطئ للحماية و صنعت أثر سلبي للشاطئ ولكن الأثر البالغ الأكبر كان بعد إنشاء ميناء صيادين غزة , فوجدنا وتيرة التآكل كبيرة جداً حسب قياسات الصور , حيث أظهرت تآكل كبير جداً للمناطق الشمالية للميناء, فأنا أقدر أنه ما بين 10 إلى 15 سنة لن نجد شاطئ في المناطق الشمالية”.
بعض المطاعم المتضررة من وجود الميناء مثل مطعم “—” قامت بعمل حاميات ” ألسنة” وهي عبارة عن كتل خراسانية ورملية ممتدة بشكل اللسان أمام تلك المطاعم أو الكافيتريات أوقفت عملية “النحر” أي التآكل كي لا تتعرض للسقوط, حيث أن هذه “الألسنة” لوثت الشاطئ, بسبب الصخور والحديد ومخلفات المباني التي شكلت هذه” الألسنة” وأعطت منظر غير لائق في منطقة سياحية راقية هو متنفس وحيد لأهل قطاع غزة.
ساكنو شارع “الشمالي” في خطر قريب وهناك من يسرق مكعبات جداره
في جولة ميدانية لمراسل “دنيا الوطن” على شاطئ بحر غزة والذي عاين جدار شارع الشمالي في مخيم الشاطئ, ظهر له متآكلاً ضعيف البنية مقتربةً منه مياه البحر بشكل كبير.
استذكر الخبير أبو الطيف, “في التسعينات بعد إنشاء ميناء الصيادين مباشرة, كاد أن ينهار شارع الشمالي في مخيم الشاطئ وقامت الوكالة “الأنروا” بتدعيمه بأكياس وصخور ومكعبات حجرية محاطة بالسياج, لكن المياه الآن قد اقتربت من هذا الجدار, فهذه المنطقة بحاجة إلى حل سريع لأنه قي حال انهيار الطريق ستنهار المنازل مباشرة, ومن يلاحظ السفينة الغارقة الآن التي كانت قريبة من الشاطئ سابقاً سيرى أن المياه غمرتها وأصبحت منطقة عميقة, وهذا يدل على تآكل الشاطئ”.
من جهته, أوضح المواطن محمد زيارة (19عام), الذي يسكن هذه المنطقة لمراسل دنيا الوطن , أنه لا يعرف بمدى خطورة اقتراب مياه البحر من جدار الشارع وأن السكان لا يعلمون بأنه قد ينهار بسبب تلك المياه, لكنه كشف أمراً خطيراً قد يعجل في عملية انهيار الجدار, قائلاً ” إن بعض المواطنين يأتون ليلاً إلى هذه المنطقة, و يقومون بقطع السياج المحيطة بمكعبات الحجر و التي تسند الجدار المقام عليه الشارع, وذلك من أجل سرقة تلك المكعبات, حيث يذهبون لبيع النقلة الواحدة منها بـ 80 شيكل يومياً , حيث تحاول الشرطة ملاحقتهم لمنعهم عن فعلهم هذا”.
وفي نفس السياق, أكد حاتم الشيخ خليل, مدير عام التنظيم في بلدية غزة لدنيا الوطن , أن البلدية تسعى لحل مشكلة شارع الشمالي ضمن المشروع القطري لكن بسبب منع الاحتلال إدخال المواد اللازمة للمشروع لم تستطع البلدية إكماله حيث أن المشروع سيمتد على شارع شاطئ بحر قطاع غزة من جنوبه حتى شماله,مشيراً أن البلدية تعلم مدى خطورة وجود ميناء الصيادين وعلى إثر هذا الميناء فإن البلدية ترفض بشدة إقامة الميناء الذي سيقام في “نتساريم” سابقاً وسط القطاع .
مسجد “الخالدي” مهدد بالانهيار
المسجد يقدر تكلفته مليون ونصف دولار متبرعاً به رجل الأعمال الفلسطيني “عبد العزيز الخالدي” وإخوانه, والذي يعتبر أحد الرموز السياحية الجديدة في قطاع غزة, حيث أصبح قبلةً للمواطنين والمصورين الهواة والمحترفين, لما يمتاز بتصميم معماري جميل مستوحى من العهد العثماني يبهج الأبصار.
حيث حذر الخبير أبو الطيف, أنه لو استمرت هذه المشكلة فإنها ستطال مسجد “الخالدي”, مشيراً أنه كان ذهب إليه في الإنشاء وقبل الإنشاء, ملتقطاً صورة لتلك المنطقة, ثم عاد لها بعد 3 سنوات ليجد أن الشاطئ قد تآكل منه ما يقارب 10 أمتار , منوهاً إلى أن هناك بعض الحلول البسيطة المحلية في المنطقة لكنها بحاجة إلى حل جذري بشكل علمي متكامل .
وتابع الخبير, ” الألسنة تتصدى لهذه للأمواج لكن تكرار الأمواج وخاصة العاتية منها فهي تتسبب في أكل كميات من الرمال فمن الممكن أن تأكل التلة الموجود أمام المسجد الخالدي في ساعات, حيث أن في 2010 أصبحت تصل ارتفاع الأمواج في بحر غزة إلى 5 أو 6 متر, فلدي دراسات سابقة في فلوريدا تشيرا إلى أن في 8 ساعات قد تأكل مئات آلاف الأمتار المكعبة من الرمال و التي تمر في سنة يمكنها أن تزول في 8 أو 7 ساعات بسبب الأمواج العاتية”.
الحلول
الاتصالات والمشاورات المتبادلة مستمرة مع البلديات وسلطة جودة البيئة و وزارة المواصلات لوضع بعض الحلول مؤقتة لمشكلة الميناء كتغذية الشاطئ بالرمال وغيرها, التي قد تفيد من 5 إلى 10 سنوات وذلك بسبب الظروف السياسية والاقتصادية الصعبة التي تمر بقطاع غزة, ذلك بحسب الخبير أبو الطيف.
يقول الخبير: ” شارع الشمالي يجب التحرك له فوراً دون الانتظار لأنه أكثر مكان معرض للخطر الآن , أما مسجد الخالدي له حلول لكنها ستكون مكلفة, و إن لم يباشر في تلك الحلول فإنه حتماً سينهار, حيث علمت أن مالكه قام بالتواصل مع الجهات المعنية لإيجاد الحلول فأقاموا للمسجد بعض الألسنة لحمايتها, أتأمل نجاحها لكنني أشك في ذلك “.
وفي دراسة أخرى أعدها أبو الطيف لإزالة تلك المشكلة جذرياً
أشار الخبير ” رأينا أن الصيادين يعانوا من الميناء لأنه حوض غير فني فهو مرسى منشأ بشكل عشوائي, فجسم الميناء يتضرر مع أي موجة عاتية لأنه غير مبني على أسس فنية سليمة وذلك لأسباب سياسية حيث أن إسرائيل منعت وجود الصخور والخرسانة المناسبة لإنشاء الميناء حيث أننا بحاجة من 25 إلى 30 مليون دولار من أجل ترتيب وبناء الميناء بشكل جيد , لكن هذا المبلغ يساوي تكلفة بناء ميناء جديد فقلنا لماذا لا نقوم بإزالة المشكلة من جذورها ؟! , حيث نتجه داخل الماء مبتعدين عن الشاطئ 200 أو 300 متر وهذا ما سيقلل تكلفة الصيانة ثم ربطه بجسر يتعدى 150 أو 200 متر لتحدث حركة تيارات وبهذا نكون أزلنا المشكلة”.
دنيا الوطن-محمد الخالدي