قال أحمد مجدلاني، وزير العمل في السلطة الوطنية الفلسطينية، إن نسبة البطالة في الأراضي الفلسطينية انخفضت خلال العام الحالي بما يصل إلى نسبة 15%، بيد أنه أشار في حوار مع «الشرق الأوسط» إلى أن هذه النسبة لا تزال مرتفعة، مشيرا إلى أن ما يقارب 40 ألف متخرج جامعي يدخلون سوق العمل سنويا، في حين أن الاقتصاد الفلسطيني لا يمكن أن يوفر أكثر من 18 ألف فرصة عمل سنويا. ولفت الانتباه إلى أن عدد العمال الفلسطينيين في إسرائيل يقارب 27 ألف عامل، وقال إنه رقم متواضع مقارنة مع ما كان عليه الحال عام 1999، وقال مجدلاني الذي شارك في مؤتمر الحوار الاجتماعي الذي عقد في العاصمة المغربية وشارك فيه إلى جانب وزراء العمل العرب، إن الوزارة تحضر إلى «حوار اجتماعي وطني» خلال العام المقبل على أجندته تطوير مسألة آليات المساهمة والمشاركة المجتمعية لصنع السياسات الاجتماعية والاقتصادية في الأراضي الفلسطينية. فيما يلي الحوار مع أحمد مجدلاني.
* ما هي وضعية سوق العمل في الأراضي الفلسطينية حاليا؟
– سوق العمل لدينا مرتبط إلى حد كبير بتحديين أساسيين، التحدي الأول والرئيسي هو الاحتلال الإسرائيلي والإجراءات الإسرائيلية المعوقة للنمو الاقتصادي الفلسطيني التي تحد بدورها من إمكانيات أن يكون هناك سوق اقتصادية واحدة وسوق عمل واحدة.
الإسرائيليون لا يسيطرون فقط على الحدود التي تربط فلسطين بالعالم الخارجي والتي تمنع سيطرتنا على التجارة الخارجية بكل أبعادها، وإنما يفصل الاحتلال الإسرائيلي الضفة الغربية عن قطاع غزة وعزل القدس عن محيطها الديموغرافي الفلسطيني وتقسيم الضفة الغربية إلى 3 كانتونات رئيسية وكانتونات أخرى تسمى الحواجز الأمنية الإسرائيلية التي تفصل ما بين المدن والقرى الفلسطينية داخل الضفة الغربية، وهذا العامل يعرقل النمو الاقتصادي الفلسطيني، لكن ورغم كل ذلك سعت الحكومة الفلسطينية إلى تحفيز الاقتصاد الوطني والاستثمار والقطاع الخاص من أجل إحداث نمو اقتصادي يؤدي إلى الحد من نسبة البطالة وخلق فرص عمل جديدة، ولاحظنا أن البطالة انخفضت خلال العام الحالي إلى ما يقارب 15%، في حين كانت عام 2008 في حدود 24% بالضفة الغربية، لكن بكيفية عامة نسبة البطالة مرتفعة في الأراضي الفلسطينية. التحدي الآخر الذي يواجهنا هو النمو السكاني، حيث إن نمو السكان في الأراضي الفلسطينية يعد من أعلى معدلات النمو في العالم، حيث تصل نسبة النمو السكاني في الضفة الغربية فقط إلى 3.5% وفي قطاع غزة إلى مسبة 3.6% تقريبا، وهي معدلات عالية جدا، ويصل عدد السكان حاليا بقطاع غزة والضفة الغربية والقدس إلى حدود 4 ملايين و50 ألف مواطن، يشكلون تقريبا 40% من عدد الفلسطينيين في العالم بأسره، والشعب الفلسطيني تضاعف عدده خلال الـ60 سنة الماضية 12 مرة، ولذلك نحن أمام فورة سكانية كبيرة تخلق تركيبة مجتمعية إلى حد ما معقدة، إذ أن الفئة الأقل من 15 سنة تشكل 46% من المجتمع الفلسطيني وأقل من 20 سنة يشكلون 54%، وهو ما يفسر أن الفلسطينيين شعب فتي يتطلع لسياسات اقتصادية واجتماعية بـ3 مناح، سياسية اجتماعية في مجال التعليم والصحة وسياسة اجتماعية في مجال الحماية الاجتماعية وأيضا سياسية اجتماعية لاستيعاب الأعداد المتزايدة من الفلسطينيين، وهو ما يتطلب سياسة اقتصادية في النمو والتنمية ويتطلب سياسة اقتصادية في توفير فرص العمل لهؤلاء، ويدخل سوق العمل الفلسطينية ما يناهز 40 ألف طالب سنويا والاقتصاد الفلسطيني لا يستطيع أن يوفر أكثر من 15 إلى 18 ألف فرصة عمل، وبالتالي يذهب إلى سوق البطالة ما يقارب 22 ألف عاطل عن العمل، ونصف العاطلين عن العمل في فلسطين هم من الخريجين الجامعيين، حيث تخرج الجامعات الفلسطينية ما يقارب 26 ألف طالب وطالبة سنويا، ولا يتم توظيف سوى 5 أو 6 آلاف متخرج من بين جميع هؤلاء الخريجين، لذلك المشكلة مرتبطة بالنمو السكاني المتأثر بالاحتلال الإسرائيلي.
* ما هي وضعية العمال الفلسطينيين في إسرائيل حاليا؟
– عدد العمال الفلسطينيين الذين يعملون داخل إسرائيل الآن في حدود 27 ألف عامل تقريبا، وهم موزعون على 4 قطاعات رئيسية: قطاع البناء والإنشاءات قطاع الصناعة قطاع الزراعة وقطاع الخدمات، وهو عدد بدأ ينمو مقارنة مع ما كان عليه منذ عام 2000 حتى 2003 حيث وصل إلى الصفر، منذ ذلك الحين بدأ العدد يتزايد، إلا أنه في عام 1999 بلغ عدد العمال الفلسطينيين بإسرائيل نحو 160 ألف عامل فلسطيني يعملون بصفة رسمية ونحو 70 ألف يعملون بصفة غير رسمية، وعندما نتحدث عن نسبة العمال الفلسطينيين بإسرائيل الآن تعد نسبة ضعيفة بالمقارنة مع ما كنت عليه سنة 1999.
* هل تعملون على خلق وظائف جديدة في الأراضي الفلسطينية؟
– مسألة خلق وظائف لها علاقة إلى حد كبير بالنمو الاقتصادي، ونحن كلما كانت هناك إمكانية لتحفيز الاقتصاد الوطني كانت هناك إمكانية لخلق فرص جديدة، والمشكلة الرئيسية لدينا هي الاحتلال، إذا نحن تخلصنا من الاحتلال فمن دون شك ظروفنا وإمكانيتنا ستكون أكبر بكثير مما هي عليه الآن، والاقتصاد الفلسطيني بما في ذلك القطاع العام يخلق ما بين 15 إلى 18 ألف فرصة عمل سنويا، والقطاع العام الفلسطيني هو المشغل الثاني بعد القطاع الخاص. وقدرتنا في التدخل لحماية حقوق ومكتسبات العمال الفلسطينيين بالخارج محدودة للغاية، لأن العمال الفلسطينيين يعملون في ظل ظروف اجتماعية واقتصادية تختلف من بلد لآخر، في الأردن مثلا الفلسطينيون يتمتعون بكامل الحقوق التي يتمتع بها المواطن الأردني، في سورية نفس الشيء، والشيء الذي يهمنا في لبنان مثلا ضمان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للفلسطينيين المقيمين في لبنان.
* هل يمكن تحديد تأثيرات مباشرة للاحتلال على أوضاعكم الاقتصادية وسوق العمل في الأراضي الفلسطينية؟
– الاحتلال يزاحمنا ويسيطر على مواردنا الطبيعية، على سبيل المثال الاحتلال يسيطر على 89% من الموارد المائية ويترك لنا نحو 11%، والحديث عن الماء مرتبط بالمشكلات الزراعية المرتبطة بهذا المورد، وفيما يخص الأراضي، إسرائيل لحد الآن تسيطر على ما يناهز 60% من الأراضي الفلسطينية بالضفة الغربية، ثم إن الاحتلال يمنع من قيام صناعات كبرى، فبالتالي يخنق كل إمكانيات التطور الاقتصادي للبلد، ومن هنا من الصعب في ظل الاحتلال أن تحدث تنمية، والتنمية التي نقوم بها الآن هي «تنمية صمود» الفلسطيني لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي.
* أنتم في وزارة العمل، ما هي الإجراءات التي تقومون بها للتخفيف من قيود الاحتلال على الاقتصاد الفلسطيني؟
– في أشكال مختلفة، الأمر الأول يدخل في إطار معالجة سياسات سوق العمل، والتدخل المباشر وغير المباشر لإعادة تنظيم سوق العمل وتكييفها بما يلائم احتياجات العرض والطلب بسوق العمل وتحفيز الطلب على سوق العمل، هذا من جانب، من جانب آخر التدخل في السياسات التعليمية، خاصة التعليم التقني والمهني، أيضا من خلال تشجيع ما يسمى التشغيل الذاتي وبعض المشاريع الصغيرة والمتوسطة، خاصة للشباب خريجي الجامعات.
* هل هناك محاولات لحل مشكلة العمالة الفلسطينية عربيا؟
– القضية الفلسطينية ينبغي أن تبقى القضية المركزية للأمة العربية، ودعم الشعب الفلسطيني في ظل الظروف الراهنة يجب ألا يقتصر على الدعم السياسي والدبلوماسي، بل ينبغي على الدعم أن يتخذ أشكالا ملموسة أخرى، وأهم هذه الأشكال الدعم الاقتصادي وتوفير سبل الصمود للشعب الفلسطيني في مواجهة السياسة الإسرائيلية، ومن باب التكرار القول إن الأسواق العربية هي السوق الطبيعية لاستقبال الكفاءات الفلسطينية.
* شاركتم في مؤتمر الحوار الاجتماعي الذي انعقد في الرباط، لكن يجهل الكثير عن موضوع الحوار الاجتماعي في الأراضي الفلسطينية، أي الحوار الثلاثي الأطراف ما بين الحكومة وأرباب العمل والنقابات! – الحوار الاجتماعي ضرورة ملحة لأي بلد من البلدان لضمان السلم الأهلي والمجتمعي وبنفس الوقت لضمان أداء اقتصادي أفضل ومردودية اقتصادية أعلى. ويكتسب الحوار الاجتماعي لدينا أهمية استثنائية لأنه ينطوي على تحقيق هذه الأهداف لكن في الوقت نفسه له بعد سياسي وطني، إذ يهدف إلى تعزيز النسيج والبناء الوطني بين أبناء الوطن الواحد بين الفئات الاجتماعية المختلفة وبين أصحاب العمل والحكومة الفلسطينية باعتبار كل هذه الأطراف متضررة ومهددة من قبل الاحتلال الإسرائيلي، وبالتالي الحوار الاجتماعي لدينا ليس فقط يستهدف ضمان السلم الأهلي والمجتمعي وإنما ضمان الوحدة الوطنية الداخلية بمختلف أطياف والطبقات الاجتماعية لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي وسياساته الهادفة إلى ضرب البنية التحتية الاقتصادية والاجتماعية للشعب الفلسطيني، إذن هو حوار اجتماعي بالمفهوم الواسع، ونحن في هذا الإطار نحضر خلال العام المقبل لمؤتمر الحوار الوطني الاجتماعي يكون على أجندته ليس فقط الجوانب المختلف للحوار الاجتماعي المتصلة بقضايا الحقوق والضمانات الاجتماعية وغيرها بل أيضا على أجندته تطوير آليات المساهمة والمشاركة المجتمعية لصنع السياسات الاجتماعية والاقتصادية بفلسطين، ونحن نسعى من خلال هذا الاجتماع إلى توسيع قاعدة المشاركة الشعبية، لم يقتصر المؤتمر على مشاركة أطراف الإنتاج الثلاثة وإنما أيضا على مشاركة قوى اجتماعية أخرى وقوى مجتمع مدني وأهلي.
* إلى أي حد يمكن للحوار الاجتماعي أن يساهم في تحسين أوضاع العمال الفلسطينيين في إسرائيل؟
– الحديث عن الحوار الاجتماعي في الأراضي الفلسطينية حديث داخلي، وهنا لا نتحدث عن المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي على الإطلاق، والصراع مع الإسرائيليين هو صراع بالأساس لانتزاع الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، نحن الآن نتكلم عن حوار داخلي يتصل بعلاقات العمل، لكن مع الإسرائيليين الموضوع مختلف كليا لأن الأمر متعلق بحالة صراعية متصلة بالحقوق السياسية والوطنية للشعب الفلسطيني، وموضوع العمال الذين يعملون بإسرائيل ليس موضوع حوار اجتماعي مع إسرائيل بقدر ما يعني مطالبة إسرائيل الالتزام بمعايير العمل الدولية وتطبيق الاتفاقيات الدولية لضمان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للعمال الفلسطينيين بإسرائيل.