بقلم : أنور جمعة
عضو اللجنة المركزية
لجبهة النضال الشعبي الفلسطيني
أثبتت تجارب الشعوب أن الانتصار دوما حليف المقاومة الشعبية التي تسعى لتحرير أوطانها من دنس الاستعمار و نير الاحتلال و تخليص شعوبها من كل أشكال الظلم و الاستغلال لتحيا شعوبها بحرية و كرامة في وطن ينعم بالأمن و الأمان طال الزمن أم قصر.
و يتوقف انتصار المقاومة إلي حد بعيد علي مدى علاقتها بالجماهير و مدى قدرتها على توحيدها حول قضية ما أو هدف معين فتكتسب المقاومة صفة النضال الشعبي فتكون هذه القضية هي قضية الجماهير و يكون تحقيق الهدف هو انتصار للجماهير وبهذا ستكون الجماهير حاضنة و حامية للمقاومة وعكس ذلك ستجد المقاومة نفسها معزولة عن الجماهير و بالتالي ستفقد خط الدفاع الأول اللازم لاستمراريتها و مواصلتها لتحقيق أهدافها .
و العلاقة بين قوى المقاومة و النضال وبين الجماهير علاقة جدلية فكلما كانت المقاومة قريبة من الجماهير و معبرة عن مصالحها و أهدافها نظريا و عمليا احتضنتها الجماهير و دافعت عنها وقدمت لها الحماية و ضحت من اجلها لأنها تعبر عنها و عن مصالحها.
أما إذا تعارضت أهداف المقاومة مع أهداف الجماهير أو أصبحت في مرتبة ثانوية بالنسبة لها فقدت احتضان الجماهير لها وأصبحت عبئا على الجماهير مما يجعلها ضعيفة أمام خصومها و واعدائها أيا كانت تسمياتهم .
لذلك على قوى المقاومة أن تدرك أن سر قوتها وديمومتها و قدرتها علي تحقيق الأهداف و الانتصار يرتبط بمدى قربها من الجماهير و احتضان الجماهير لها .
لذا فان انتصار المقاومة يتطلب وضوح الأهداف دون تضخيم أو تقزيم وسبل تحقيقها واختيار الوسائل المناسبة فأهداف الجماهير متنوعة و وسائل المقاومة متنوعة و هنا تظهر عبقرية المقاومة فكلما كانت الأدوات والوسائل مناسبة لتحقيق الأهداف كلما زادت قناعة الجماهير بها أكثر وكان عطاؤها بلا حدود.
و لكي توطد المقاومة علاقتها مع الجماهير ينبغي أن تحسن اختيار عناصرها من أوساط الجماهير ممن يتمتعون بالأخلاق الحميدة و الحس الوطني و تهتم بإعدادهم ليكونوا الوجه المشرق للمقاومة و القدوة الحسنة التي تستقطب الجماهير للمقاومة.
فالصراع بين قوى المقاومة الوطنية و خصومها هو صراع بين الجماهير و أعدائها وهو صراع بين الحق و الباطل و بين الخير والشر.
و حسم الصراع يتوقف إلى حد بعيد على موقف الجماهير وليس على الإمكانيات المادية التي يملكها كل طرف فكلما كانت الجماهير ملتصقة بالمقاومة كان النصر حليفها لان الجماهير مصدر الإمكانيات المعنوية التي تعتبر الأهم لان صراع المقاومة الوطنية مع أعداءها من احتلال و استعمار هو صراع إرادة و تصميم فالهزيمة العسكرية سجال أما الهزيمة المعنوية فهي كارثية تحتاج لفترات زمنية طويلة للتخلص من تبعاتها.
فقوى المقاومة تدرك إنها لا تستطيع حسم الصراع في معركة واحدة فامكانات الاحتلال المادية تفوق إمكانات المقاومة وإلا لم يكن الاحتلال قد حصل أصلا؛ فحركات المقاومة تهدف إلى رفع كلفة الاحتلال و مراكمة الانتصارات الميدانية البسيطة ممهدة بذلك للانتصار النوعي الذي يخلص الوطن من الاحتلال محافظة في كل المراحل علي علاقتها الايجابية مع الجماهير الحاضنة للمقاومة.
ولهذا تحاول قوى الشر و الاحتلال اللعب على وتر العلاقة بين الجماهير وإبعادها عن المقاومة فالاحتلال باعتباره رمزا لأعداء الشعوب يحاول تحييد الجماهير و إبعادها عن المقاومة بل خلق واقع تشعر فيه الجماهير إن مصالحها تتعارض مع المقاومة وأنها أصبحت عبئا عليها؛ وهذه اخطر الأساليب التي يمارسها أعداء المقاومة للاستفراد بها والنيل منها والقضاء عليها.
و خير مثال على ذلك السياسة العدوانية الهمجية التي ينتهجها الاحتلال الإسرائيلي عندما يضيق ذرعا بالمقاومة الشعبية ويعجز عن مواجهتها كما يحدث في فلسطين و لبنان فانه يصب جام غضبه على الجماهير حاضنة المقاومة وقيامه بأعمال انتقامية بربرية ضدهم ليس إلا لدعمهم لخيار المقاومة واحتضانهم لها.
لذا نرى الاحتلال الإسرائيلي الهمجي يقوم بالقتل والحصار و الدمار لجماهير الشعب الفلسطيني في كافة مدنه و قراه و مخيماته وما يتعرض له شعبنا من عدوان غاشم للاحتلال حصار ظالم و من تصفية و اغتيال و قتل و اعتقال و تجريف و دمار و نهب للأرض و الاستيطان و تهجير للسكان و هدم للبيوت و محاولات تهويد القدس و الاستمرار في بناء جدار الفصل العنصري وكل ذلك لتضييق الخناق على الجماهير وضرب مصالحهم ولسان حال الاحتلال يقول هذا ثمن رضاكم و دعمكم للمقاومة و ذلك بهدف شرخ العلاقة بين المقاومة و الجماهير وإيهام الجماهير بان المقاومة عبء عليها ولولا المقاومة لكانت الأمور تسير على ما يرام و لم تتعرض مصالحها للخطر!!!.
و ما سياسة العقاب الجماعي التي ينتهجها الاحتلال الإسرائيلي إلا لتحقيق هذه الغاية.
و هنا يجب أن تظهر عبقرية المقاومة الشعبية في مواجهة التحديات باعتبارها رأس الحربة في مواجهة الاحتلال و مشاريعه من خلال اهتمامها بالجبهة الداخلية إدراكا بان علاقتها بالجماهير علاقة مصيرية كعلاقة الأسماكبالماء إذا ابتعدت عنه كانت نهايتها.
وهنا يأتي الدور التعبوي للمقاومة في أوساط الجماهير لتعزيز صمودها ماديا و معنويا وتعزيز إيمانها بقضيتها و الثقة بعدالتها وتغليب العام على الخاص و التأكيد دوما على أن التناقض الرئيسي مع الاحتلال الذي يغتصب أرضها و يستغل ثرواتها و يحرمها من حقوقها و زرع الثقة لدى الجماهير بأن المقاومة بمثابة بندقية في الجماهير لحمايتها والدفاع عنها و انتزاع حقوقها وتحقيق أهدافها في العيش بحرية وكرامة.
وبذلك يتحقق التلاحم بين قوي المقاومة والجماهير وتسود ثقافة المقاومة لتتحول بفعل لمقاومة شعبية تسخر فيها كل الطاقات والإمكانيات ملتفة حول هدف ومصير واحد مقدمة عطاء لا محدود لتحقيق الانتصار.