بقلم النقابي / محمد العرقاوي
عضو الأمانة العامة للاتحاد العام لعمال فلسطين
يـمـشي الفقيـر وكـل شئ ضده…والناس تغلـق دونه أبـوابها…وتراه مبغـوضـا وليس بمذنـب…ويري العدو لا يرا أسبابها…حتي الكلاب إذا رأت ذا ثروه…خضعت لديه وحركت أذنابها…وإذا رأت يوما فقيرا عابرا…نبحت عليه وكشرت أنيابها.. في هذه العبارات التي أثارها الشاعر الأحنف لبعّبر بهـا عن الفقـر ومـدى تبعاته السلبية والويلات المتلاحقة والناتجة عن هذا الفقر المؤلم. هذه عبارات صغيرة ومعبرة لا ترى منها سوى الوجه الحقيقي للفقر هذا الوجه المظلم الذي يلوح باذنابه بين أزقتنا وحاراتنا وأبناء أحيائنا البسيطة الكثيرة والفقيرة المستشرية في هذا العصر الغادر الذي لا يرى فيه أي بصيص للقضاء على الفقر ولا بأي شكل من الأشكال. وهذا طبعاً ليس إحباطا بل واضح من خلال النظرة البسيطة لمجريات الأمور الواضحة. وفي يوم الفقر ومكافحته ماذا نقول للفقراء.. وفي يوم مكافحة الفقر ماذا أحضرنا معنا للمساكين الذين ينبطحون تحت أشعة الفقر المحـرقة والقابعين في ظـل برد البطـالة البائـتة والبائـسة. في اليوم العالمي لمحاربة الفقر نتحدث بصوت عال ونقول عن أي مكافحة نتكلم ؟. وعن أي رفع للمعاناة عن العمال نتحدث ؟. وهل الإبقاء على بطالة العمالة الفلسطينية هي مكافحة للفقر ؟ وهل عدم توفير المشاريع الإنتاجية لسوق العمل الفلسطيني تعتبر مكافحة للفقر ؟ وهل الإبقاء على عمالنا دون قوانين تشريعية أو لوائح تنفيذية تكفل حقهم هو محاربة لفقر ؟ أم سحب التأمين الصحي من أبناء عمالنا العاطلين عن العمل يعتبر في قمة محاربة هذا الفقر ؟ كلاّ!!! انه الفقر بعينه !!! أم ماذا وماذا. إنّ الفقر وللأسف تزداد وتيرته وتتطور أدواته وبشكل لا يطاق. ونحن وللأسف الشديد لا زلنا أو بدأنا نتحدث عن خصخصة بعض التشريعات ورميها في ملعب القطاع الخاص المتمكن والمسلح بالإمكانيات المادية الواسعة. . وتنتقل عدواه بين العمال دون حدود… والفقر بات سلاح بيد الرأسمـال الإقطاعي بشكل حدث ولا حرج… لأنه أصبح السيف الذي يسلط على رقاب الفقراء ومعبراً لابتزازهم. ومنفذاً لمساومتهم على لقمة عيشهم الكريمة وما هي بكريمة.. والفقر الذي نتشدق بمحاربته أصبح مرتعاً خصباً لمقايضة العامل على كثير من القضـايا المادية والمعنـوية التي هي بالأصل تمثل العمود الفقري لكرامة هذا العامل أو ذاك. إذاً عـن أي كرامة نتحدث.. وعن أي مكافحة نتحدث.. وما هي الخطط التي تبنتها حكوماتنا المتتابعة في التخفيف من حدة هذا الفقر الذي بات يشكل نسبة لا تقل عن 60% من نسبة السكان. ففي هذا اليوم العالمي لمكافحة الفقر ما علينا إلا أن ندرك تماماً ما هو الفقر وما هي سبل القضاء على هذا الفقر وما علينا إلا أن نعـي تماماً تبعات هذه الظاهره السلبية التي لا اول لها ولا آخـر. وعلينا أن نقتدي بالوضع الاقتصادي القائم الذي بات يترنح نتيجة للسقوط المدقع الذي أصبح يغزو البورصات العالمية والذي أصبح يشكل خطراً حقيقياً على دول المنطقة برمتها. ولو أنني غير مقتنع بهذه المهاترات لأنها مبنية على تجارة الكماليات وليس على تجارة الأساسيات… وفي يوم مكافحة الفقر ما علينا إلا أن نبرز كل طاقاتنا وإمكانياتنا من أجل خدمة كافة الأسلحة المضادة للفقر وما علينا إلاّ أن نوحد جهودنا في رسم الخطط الجماعية الشاملة التي تتصف بالاتزان والعقلانية. لا أن يذهب كل منا يشهر سيفه بطريقته وبدل من أن يحارب الفقر ويصده يتم التغلب عليه من قبل أدوات العولمة التي هي بالأصل وجدت من أجل تكريس هذا الفقر. وجعله كالنهر يجري من بين أرجلنا ويخترق منافذنا وقواعدنا. وهذه الأدوات الرأسمالية البحته هي التي تعمل على إغلاق كافة أبواب الانتعاش الاقتصادي تحت شعار الإصلاح الاقتصادي وتنمية نظام الاقتصاد الحر وما شابهها من عناوين مزيفة ونتنة. وإننا في الجانب العمالي المهمش نناشد كل أصحاب الضمائر الحية وكافة المؤسسات التي تعتبر نفسها ذات صلاحية جزئية في هذا الجانب بأن تأخذ على عاتقها كسر قوالب الكلام والندوات وتمزيق ستائر اللقاءات والاستنكارات والورش التي لا تغني من جوع. والتوجه فوراً بقلوب صافية وبعقول بالغة إلى تنفيذ برامج عملية ذات جدوى أكثر صلابة ومتانة من الجانب التشغيلي. وتوفر فرص عمل ثابته وواضحة المعالم. وعدم ربط أي خطة تنموية وإبقائها مرهونة بطائلة المساعدات غير المدروسة. ومن المهم جداً أن نعيد النظر في كافة توجهاتنا الكلامية إلى الاجتهادات العملية التي من شأنها أن تعزز وجودنا كعمال. ومن أجل خدمة الواقع الاقتصادي الذي من شأنه أن يخلق جواً يمتاز بالتوازن بين فرقاء الإنتاج أولاً ويوازي بين احتياجات عمالنا واحتياجات سوق العمل الفلسطيني. وأخيراً علينا جميعاً أن نهتف بصوت واحد لا للفقر ولا لاستغلال الطبقة العاملة الفلسطينية وزلا وألف لا لكل العابثين والمتاجرين بعمالنا ومكتسباتهم. والعمل على تشريع كافة الأنظمة والقوانين الاستثمارية أولاً وحمايتها وضمان نجاحها بين الفرقاء وأطراف الإنتاج. ورؤية ما يترتب عليها من فاعلية واضحة. ولتأخذ مفعولها القوي في ضخ الأمل في عروق الفقراء وما علينا إلا أن نتق شر إقحام عمالنا في المداعبات السياسية والمماحكات الهلامية وإبعادهم عن شبح المصلحة الخاصة والذاتية.
عضو الأمانة العامة للاتحاد العام لعمال فلسطين