بقلم: فتحي أبو زيد
سكرتير لجنة الرقابة المركزية – الضفة الغربية
على الرغم من أن كافة فصائل اليسار الفلسطيني قد تبنت أو اطلعت على النظريات العلمية والقواعد الأساسية لبناء خطط استراتيجية أو تكتيكية تعتمد عليها بتحقيق أهدافها القصيرة والطويلة الأمد، إلا أن تاريخ هذه الفصائل النضالي والحالة التي وصلت إليها في الوقت الحاضر تشير إلى فشل هذه الفصائل وعدم قدرتها على تحقيق الأهداف والشعارات التي رفعتها عبر مسيرتها الطويلة، واستكمالا لهذا الفشل ما زالت هذه الفصائل تقع بنفس الأخطاء القاتلة وذلك من خلال تغييب واقع الحال الفلسطيني أو قراءته بشكل مغلوط، الأمر الذي سيزيد من كبوتها أن بقيت على هذا الحال.
إن اليسار هو تجربة حقيقة تحمل في طياتها مضمونا خلاقا تتفاعل مكوناته من الماضي الذي كان حاضرا ومن الحاضر الذي أصبح ماضيا ومن المستقبل الذي أصبح واقع الحال هو التفاعل الديالكتيكي بين مكونات هذه الأزمنة وما ينتج من حقائق عن هذا التفاعل تتلاءم مع واقع الحال التي نعيش هو الحقيقة التي تمنح هذا الحزب أو ذاك صفة اليسارية وليست أية شعارات أو رغبات أو ارادات ذاتية أو تفرعها عنه.
ولأنه لا يوجد هناك من يستطيع أن يجمل النتائج لان الهروب من الواقع نحو المثاليات هو إصرار على رفع الشعارات التي لا تحمل مضامين حقيقية أو قابلة للتطبيق، وواقع اليسار الفلسطيني بغض النظر عن عدم الاتفاق على مكوناته أو من يمثله من فصائل، فان القاعدة التي تعتنقه هي قاعدة موضوعية غير مرتبطة برغبة أو آمال لان هذه القاعدة ترتبط بواقع ينطوي على مضامين متشعبة تشق طريقها نحو المستقبل رغما عنا أحيانا وبتدخل منا أحيانا أخرى وما يميز الفكر اليساري عن غيره بصرف النظر عن الوضع الفلسطيني هو أن هذا الفكر يجب أن يستند إلى تخطيط استراتيجي وتكتيكي صحيح مبنيا على تحليل علمي جدلي للحالة الموضوعية بكل مكوناتها الوطنية والسياسية والاجتماعية والثقافية، على أن يشكل ذلك نقطة الانطلاق للعمل والفعل ومرجعية لكل عمل ومناسبة ومنعطف سواء كان في الحسبان أم فاجئننا خلال المسيرة..
إن إتقان فهم الحالة الموضوعية بتشعباتها وتناقضاتها وتحولاتها المقروءة وغير المقروءة هو الأساس الصحيح لوضع الخطط الاستراتيجية والتكتيكية، الأمر الذي يشكل بوصلة آمنه للفكر اليساري ويحميه من الإمكانيات والرؤية الثاقبة التي يعددها ترفد هذا الفكر بالحقائق الداعمة من خلال الكشف عن المعطيات التي تفرضها الضرورات الموضوعية، وهكذا يبقى هذا الفكر يتجه صوب أهدافه وتطلعاته بخطى واثقة وثابتة ومتجذرة يستحق على ضوئها لقب اليسار بامتياز وهذا ما يميز الفكر اليساري التقدمي عن الأفكار الرجعية والمثالية الأخرى.
وارتباطا بما تقدم فليس كافيا أن تغلق مجموعة ما من الأحزاب أو حزبا بعينه على نفسها باليسار، فهذه الصفة ليست محط جدل داخلي في الحزب الواحد أو بين حزب وآخر وهي تطلق على الحزب من خارجه بناء على سلوكه ونهجه وما ترتب على ذلك في الحالة الواقعية التي يعمل بها ذلك الحزب وان اليمين والوسط واليسار.. الخ هي في الواقع تسميات لم تطلق جزافا بل جاءت لتعبر عن أفكار وأفعال ومواقف في الماضي والحاضر والمستقبل.
ولنقف معا على حقيقة الموقف اليسارية على الساحة الفلسطينية وعلينا أن نستعرض واقع هذا ( اليسار ) من خلال مواقفه وأفعاله من قضايا الوضع الراهن الفلسطيني وكيف قرأ هذا الواقع والخطوات التي اتخذها لمواجهة المستجدات، واستعراضا لمواقف الفصائل الفلسطينية التي تصنف نفسها باليسار نجد أن هذه الفصائل بما فيها تلك الفصائل التي شكلت حديثا ( جبهة اليسار ) كانت دوما وما زالت تختلف فيما بينها في العديد من القضايا المفصلية، الأمر الذي يشير بوضوح عدم امتلاكها لرؤية مشتركة للواقع الفلسطيني، الأمر الذي يعني عدم اشتراكها بمنهج عمل استراتيجي وتكتيكي يعالج القضايا الحالية والمستقبلية، فهذه الفصائل مشتركة بالمواقف المتناقضة من اتفاق اوسلو عندما تم توقيعه بين معارض ومؤيد ومتحفظ ولقد ترجمت هذه المواقف بموقف موحد يؤيد إجراء انتخابات في ظل الاحتلال الأمر الذي يعتبر اخطر وأسوء بكثير من الموقف من اوسلو في حينه.
إن بناء الفصائل التي تطمح لقيادة الشعب الفلسطيني وفق الفكر اليساري التقدمي على هامش الصراع الداخلي لدلالة واضحة على الحالة المزرية التي وصلت إليها هذه الفصائل وتعبيرا صارخا لعدم قدرتها على تشكيل حالة ردع لكل المتغيرات السيئة التي شهدتها الساحة الفلسطينية وخاصة قضية الانقلاب وفصل غزة عن الضفة الغربية وما تبعها من مواقف لهذه الفصائل وضعتها مرة أخرى على هامش الصراع الحمساوي الفتحاوي إلى درجة أن الجمهور الفلسطيني اخذ يتعرف عليها بطريقة مختلفة خلال موقعها على الخط الفاصل بين حركتي حماس وفتح حيث نعتت هذا الفصيل بالمقرب من فتح والآخر بالمقرب من حماس أو معادي لحماس أو فتح ، أي أن هذه الفصائل وبغض النظر عن مواقفها من الخلاف الانقسامي القائم على الساحة الفلسطينية لم تتمكن من إخراج نفسها من هذه الدائرة من خلال برنامج واقعي وفعلي يلتف حوله الجمهور الفلسطيني وينهي حالة الانقسام واقتصرت محاولاتها في هذا المضمار على البحث عن تسميات ديمقراطية أو يسارية لم تجد لها أية أصداء في أوساط الجمهور الفلسطيني وأصبحت نسيا منسيا .
أن فصل غزة عن الضفة الغربية من قبل الاحتلال الإسرائيلي شيء وفصلها من قبل قوة سياسية من داخل النظام السياسي الفلسطيني شيء آخر وهو مختلف تماما بصيرورته وامتداده في المستقبل القريب والبعيد، وكان على هذه الفصائل التي تمتلك المنهج العلمي أن تدرك سلفا أن مطالبة حماس في مؤتمر القاهرة إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية متزامنة والموافقة من قبلها على الالتزام بالتهدأة من طرف واحد ومن ثم خطورة الانطواء التي قام بها شارون والأهداف المعلنة لهذه الخطة وإصرار الولايات المتحدة الأمريكية على الانتخابات التشريعية الأخيرة هو مسلسل مترابط ما زالت حلقاته متينة وان هناك حلقات قادمة تهدف بشكل أساسي إلى القضاء على المشروع الوطني الفلسطيني والقائمين عليه ومن اخطر هذه الحلقات القضاء على منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد والحامل الوحيد للهوية الفلسطينية الوطنية على كافة المستويات، وعلى الرغم من هذه المعطيات التي باتت تفصح عن نفسها بشكل مفضوح، نجد الفصائل الفلسطينية التي من المفترض أن تقف في وجه هذا المخطط وتعمل على إفشاله ما زالت تدور بمواقفها بنفس الاتجاه المتناقض مع الفكر العلمي وخاصة دعواتها ليلا ونهارا لإصلاح م . ت . ف على قاعدة الانتخابات حيثما أمكن، علما أن هذه الفصائل كانت الرائدة في تتويج منظمة التحرير ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني بعيدا عن صناديق الاقتراع الديمقراطية، وهي التي يجب أن تدرك أن زج م . ت. ف باللعبة الديمقراطية المفروضة على الشعب الفلسطيني هي الحلقة القادمة التي ستتلو زج السلطة الوطنية لانتخابات أخرى بعد انتخابات اوسلو وما ترتب على ذلك من شرعنة للاحتلال وللانقسام والخسائر الفادحة التي تكبدها الشعب الفلسطيني وعلى راس الخاسرين كانت حماس وفتح، وكان عليها أن تدرك أيضا أن اللعبة الديمقراطية المفروضة قد تمكنت من القضاء على مبدأ التوافق الوطني وأنها أي تلك الفصائل ما زات تناقض نفسها عندما تدعو إلى توافق وطني بين الجميع من اجل الذهاب مرة أخرى إلى صندوق الاقتراع لتطلب من أبناء شعبنا مرة أخرى ليضع حدا لهذا التوافق لتذويب كل ما تم إنجازه وقدم من اجله الشعب الفلسطيني عشرات الآلاف من الشهداء والأسرى والجرحى.وكل ذلك وما زلنا نقول أن الحل هو بالانتخابات المبكرة وصناعة أجهزة أمنية مهنية وقوية ، ودعوة الشعب الفلسطيني للذهاب مرة أخرى إلى صناديق الاقتراع في حقل ديمقراطي جديد نتباهى فيه أمام العالم ليقول لنا شعبنا من منا الشرعي ومن هو الغير جدير بذلك وليحدد لنا من سيناضل من اجل زوال الاحتلال ومن سيكون إلى جانبه ، ومرة أخرى نبحث عن معول جديد أو مجدد للقضاء على الوفاق الوطني المطلوب الحقيقي من اجل دحر ورفع الظلم عن أبناء شعبنا بدلا من التغني بالتهدأة مع الاحتلال بغزة ومفاوضات بالضفة وكلاهما إنتاجا أمريكيا وإسرائيليا بامتياز ، وعلى القوى والفصائل التي تريد أن تحمل شرف اليسارية العلمية التقدمية أن تصنع إنتاجا بديلا