محمد علوش
لا بد أن نقر أولا أن هناك ظروفا ومتغيرات سياسية قد حصلت وشهدتها الأوضاع الدولية والعربية والفلسطينية أثرت بشكل كبير على كافة المجريات.
إن مجمل التطورات السياسية وحالة الأزمة العميقة التي تمر بها العملية السلمية لا يمكن وصفها بالمأزق فحسب، بل هو استعصاء استراتيجي يضع الشعب الفلسطيني كله في وضع حرج، حيث يستمر الاحتلال بإجراءاته من مصادرة للأراضي وتوسيع للاستيطان وتهويد للقدس وفرض الوقائع الجديدة على الأرض وغيرها من الإجراءات التي تنعكس على حياة المواطن الفلسطيني اليومية وفي نفس الوقت تستمر جولات المفاوضات في حلقة مفرغة لا نتائج عملية ملموسة منها وهذا يتطلب إعادة النظر بمجمل السياسات التفاوضية والعمل على تصليب الموقف التفاوضي الفلسطيني بجملة من القرارات والإجراءات التي من شأنها تحشيد المواقف الدولية والعربية والفلسطينية لمواجهة التعنت والصلف الإسرائيلي والإعلان بشكل واضح وصريح عن رفض مجمل الأطروحات الاسرائيلية التي تهدف الى تجزئة وتفتيت القضايا ذات الصلة بطبيعة الصراع القائم ورفض الحلول الداعية لدولة فلسطينية ذات حدود مؤقتة.
الوضع الفلسطيني الداخلي يشهد حالة غير مسبوقة من الشرذمة والانقسام وقد تعزز ذلك بالانقلاب الذي قامت به حركة حماس في قطاع غزة والجميع يدرك أن هناك اختلال في الوحدة الوطنية فهي مفقودة الآن بحكم الواقع المعاش والتجاذبات الحاصلة، وإذا ما أمعنا النظر في المقاومة وخصوصا المسلحة منها فسنجد أنها شكلية أحيانا وبلا رؤية سياسية داعمة بحكم الارتجال في العمل المقاوم وعدم وجود مرجعية للمقاومة أو مجلس مشترك لكافة القوى العاملة في هذا الميدان ولا يظنن احد أن المقاومة إطلاق صواريخ محلية الصنع فقط ولكن للمقاومة أشكال متعددة فهل تدرك الفصائل ذلك وتفعل كفاحها ومقاومتها الشعبية لمواجهة الاحتلال وتستفيد من بعض التجارب المحلية التي أصبحت مثالا للنضال.
هناك ضرورة لتعزيز الوحدة الوطنية انطلاقا من أن التناقض الرئيسي لا يزال مع الاحتلال الإسرائيلي وما يتطلبه ذلك من حشد وتعبئة كافة طاقات شعبنا بكافة قواه السياسية والاجتماعية والنقابية وتفعيل المقاومة الشعبية في مواجهة الاحتلال وإجراءاته العنصرية وممارسة جميع أشكال النضال السياسي وفقا للظرف الملموس، وان تغليب شكل رئيسي للنضال في مرحلة تاريخية معينة لا يعني بديلا عن أشكال النضال الأخرى، ومن هنا ومن اجل تحقيق انجازات لشعبنا وقضيتنا فلا بد من الحرص على إطلاق الحوار الوطني وعلى بذل الجهود من اجل إنجاحه وإخراجه من دائرة الموسمية والاستخدام التكتيكي وبخاصة وان هناك قواسم مشتركة عديدة تتيح المجال لكافة الفصائل والقوى للنضال على أساسها بخاصة قضايا الاستيطان والجدار ومصادرة الأراضي وتهويد وعزل القدس الى جانب قضية اللاجئين وقضية الأسرى في سجون الاحتلال.
لا بد من البحث عن مقاربات جديدة بين المفاوضات والمقاومة وان يتم التعاطي مع هذا الموضوع برؤية وطنية موحدة وخطاب وطني موحد يضمن المصالح العليا لشعبنا ويضمن ثوابتنا الوطنية ولا حرج من الدعوة الآن الى ترشيد المقاومة واتخاذ مواقف واضحة وصريحة من كافة القوى والأجنحة المسلحة وتوحيد جهودها لان الارتجالية والعصبوية غير مجدية لشعبنا وقضيته والمفاوضات أيضا شكل من أشكال النضال ولكن نحن بحاجة الى مراجعة للأداء التفاوضي الفلسطيني برمته ومراجعة وتقييم السياسة التفاوضية التي كانت تعاني من الإرباك ومن غياب الإستراتيجية والتكتيك التفاوضي الواضح، إذن هناك ضرورة لوجود مرجعية عليا للمفاوضات والتي من المفترض أن تتمثل في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير باعتبارها صاحبة الصلاحية في اتخاذ القرار السياسي وتشكيل مرجعية عليا تتولى الإشراف والمتابعة لكافة الجوانب التفاوضية والعمل على تكثيف التحرك السياسي والاتصالات لجذب المواقف الداعمة .
أما التهدئة والحديث الصاخب عنها الآن فالإخوة المصريون في لقاءاتهم الثنائية مع الفصائل طرحوا رؤيتهم حول التهدئة التي تبدأ في غزة ومن ثم تدريجيا تنتقل الى الضفة الغربية وإنهم سيعملون على فتح المعابر وإنهاء الحصار والتهيئة لحوار وطني لإنهاء حالة الانقسام الفلسطيني، وهنا لا بد من التأكيد على أن الاتفاق على التهدئة هي من مسؤولية منظمة التحرير صاحبة الصلاحية والمرجعية وكذلك التأكيد على ضرورة أن تكون التهدئة شاملة ومتبادلة في الضفة والقطاع وان تكون مترابطة مع فتح المعابر وإنهاء الحصار وان لا تكون هذه التهدئة منقوصة أومجتزءة، على أن يؤدي ذلك إلى رفع الحصار المفروض على شعبنا في قطاع غزة ،وإنهاء أزمة المعابر.
ليتسنى التفرغ للقضايا الداخلية، وفي مقدمتها الوحدة الوطنية التي تعتبر صمام الأمان، وما يعنيه ذلك من إعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية على مختلف المستويات، ودعامة أساسية للمفاوض الفلسطيني في مواجهة الصلف والتعنت الإسرائيلي.