غزة/ قال محمود الزق عضو المكتب السياسي لجبهة النضال الشعبي الفلسطيني و سكرتيرها بمحافظات غزة ، بان تقديم موعد الانتخابات باستقالة أولمرت المبكرة هو الأمر القابل للتحقيق في هذه المرحلة ، وهذا يعني الشلل الواقعي لأي مفاوضات جدية ، وفي نفس الوقت لتكريس مزيدا من الوقائع على الأرض “.كما وتوقع الزق من أن يرتفع مستوى التفاوض ما بين إسرائيل وسوريا إلى مستوى التفاوض المباشر و على مستويات عليا “.
*** كيف تنظرون إلى تقرير الأمم المتحدة الذي يتحدث عن نية إسرائيل تفعيل مئات أوامر هدم المنازل في القدس والضفة الغربية ؟
– أولا : إن أهمية هذا التقرير تكمن في كونه صادر عن هيئة الأمم المتحدة والتي تمثل رأس الهرم في الشرعية الدولية حيث ما يصدر عنها يعبر عن الرؤية الدولية العامة بعيدا عن بعض التعرجات . ناهيك عن القيمة المعنوية لهكذا موقف واضح يدين الإجراءات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة .
– ثانيا : علينا أن ندرك بوضوح بأن إسرائيل ليست بالمطلق مع خيار الدولة الفلسطينية حيث أن كافة إجراءاتها على الأرض تؤكد بالدليل القاطع سعيها لإفشال هذه الفكرة وتجريدها من إمكانية تحولها إلى واقع . فإقامة هذا الكم الهائل من المستوطنات الإستراتيجية في الضفة الغربية وإصرارها على تهويد القدس والعمل الجاد لشطر الضفة إلى قسمين بتوسيع مستوطنة معاليه أدوميم واعتمادها بإجماع قومي إسرائيلي فكرة السيطرة الدائمة على غور الأردن وسعيها لربطه بالقدس الكبرى إضافة لغول الجدار الذي يلتهم الأراضي الفلسطينية المتبقية هذه الوقائع تشكل دلائل واضحة على المخطط الإسرائيلي الاستراتيجي الذي يسعى جاهدا لضرب فكرة الدولة الفلسطينية والتي تخشاها إسرائيل خشيتها من المستقبل .
ثالثاً – تأتي قرارات الهدم التي تنوي إسرائيل تنفيذها في سياق السياسة التصعيدية الخطيرة التي تقوم بها قوات الاحتلال، حيث أنها أصدرت العام الجاري أوامر هدم لـ 124 مبنى، كما أنها تهدد أكثر من 10 تجمعات سكنية في الضفة الغربية بالاقتلاع من أراضيها وقراها وتهجيرها، ومثال حيٌ على ذلك ما يجري في قرية العقبة قضاء طوباس.
علماً بأنه منذ عام 1967 قامت قوات الاحتلال الإسرائيلي حتى الآن بهدم أكثر من 18000 ألف منزل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وخلال العام المنصرم 2007 هدمت 234 منزلاً، بينها 140 منزلاً في الضفة الغربية و 94 منزلاً في قطاع غزة، عدا عن عشرات المنشآت المدنية الأخرى التي تستخدم لأغراض زراعية أو تجارية أو صناعية، واقتلاع عشرات الآلاف من أشجار الزيتون وتدمير بيارات البرتقال.
وفي معظم الحالات يكون التبرير الذي تسوقه حكومة الاحتلال لتدمير المنازل والأراضي الزراعية وغيرها من الممتلكات التعليمية والصحية هو “الضرورات العسكرية الأمنية”، بينما في حالات أخرى يتمثل التبرير في عدم وجود ترخيص للبناء. والنتيجة واحدة : تشريد العائلات ومعاناتها من الفقر.
وترتبط هذه السياسة ارتباطاً لا ينقصم بالسياسة التي تنتهجها إسرائيل منذ أمد طويل، وتتمثل في مصادرة اكبر مساحة ممكنة من الأراضي التي تحتلها، لإقامة المستوطنات الإسرائيلية.
إن هذه السياسة الإسرائيلية، التي تمثل شكلاً من أشكال العقوبات الجماعية والمترافقة مع استمرار وتكثيف الاستيطان بخاصة في مدينة القدس والاستمرار في مصادرة الأراضي وبناء جدار الفصل العنصري، تمثل السياسة الإسرائيلية العملية الملموسة التي تتناقض مع أسس وقواعد عملية السلام وقرارات الشرعية الدولية وتنسف عملية السلام وتفرغها من أي مضمون، فضلاً عن انتهاك القانون الإنساني الدولي بحد ذاته.
إن كافة الأعمال الاستيطانية الاستعمارية، وسياسة هدم المنازل والتهجير القسري لسكانها الأصيلين في الأراضي المحتلة، والاغتيالات والاعتقالات ووضع أكثر من 600 حاجز وسار ترابي، ومنع حرية التنقل وفرض الحصار الظالم على قطاع غزة، محرمة وفق القانون الإنساني الدولي، وبخاصة اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب لعام 1949.
لذا فإن المطلوب تحرك تحرك رسمي و شعبي واسع لمواجهة كافة المخططات و السياسات العدوانية للاحتلال و التصدي لها وفق برنامج وطني شامل يعيد للنضال الفلسطيني زخمه الجماهيري و يعيد للقضية الفلسطينية اعتبارها على كافة المستويات .
*** مؤخرا دار الحديث عن هدنة ومن ثم فشلها فهل يؤثر ذلك على الوضع الداخلي الفلسطيني ؟
– بداية الحديث يدور عن تهدئة وليس هدنة كما ورد في السؤال والفارق بينهما بالتأكيد واضح من حيث المعنى والدلالة .
إن جوهر الأمر يكمن هنا في فهم غاية تحقيق التهدئة للأطراف المعنية , فالفهم الواضح لهذا الأمر يساعدنا في تحديد موقف من تأثير التهدئة أو فشلها على الوضع الداخلي الفلسطيني .
– إن حركة حماس تسعى جاهدة من أجل تحقيق تهدئة وللأسف الشديد منقوصة و مجزؤة وغير شاملة لشطري الوطن في ظل استمرار الانقسام و الفرقة , وإنجاز تهدئة بالتوجه أعلاه سيكرس واقع الانقسام ويصعد وتيرة السيطرة والإقصاء واستكمال خطوات بناء نظام قمعي يتمتع بحرية الحركة في ظل تهدئة مع الاحتلال وفي نفس الوقت يفرض منطقا وخطابا وسلوكا يطالب الآخرين بالسماع والانصياع فقط .
– إسرائيل ترفض منطق الدولة الفلسطينية وترى في تكريس الانقسام وفصل قطاع غزة عن الضفة الغربية ركنا مهما في سياستها الرامية لضرب فكرة الكيانية الفلسطينية وفتح المجال أمام الحل الإقليمي للمشكلة الفلسطينية , ولهذا فإن إسرائيل ترى في التهدئة فرصة لتكريس واقع الانقسام فهي جادة في السعي إلى تهدئة ولكن ضمن شروطها التي نشعر بأن أرضية الانقسام والوضع الكارثي في قطاع غزة يوفر لها فرصة للابتزاز وفرض الشروط التي تراها مناسبة لتعزيز أمنها وتوفير مناخات تضمن لها الهدوء الأمني المطلق من قطاع غزة وتوفر أيضا فرصة لتكريس الانقسام والفرقة بين شطري الوطن .
– إن أي تهدئة سواء تم إنجازها أو لم يتم إنجازها لا تأتي ضمن سياق التوافق الوطني واستعادة وحدة الوطن , موقفا وجغرافيا ستؤثر سلبا على الوضع الداخلي الفلسطيني .
*** هل تعتقدون أن الحديث عن رؤية وحوار مجددا بين حماس وفتح أصبح مجرد استهلاك إعلامي وكلا الطرفين يريدان البقاء كما هم أناس في رام الله وآخرون في غزة ؟
– إنني أرى بأن كلا الطرفين لا يمكن لهما حذف كلمة (الوحدة الوطنية) واستعادتها من قاموس خطابهم السياسي , ولكن ألا تعتقدون معي بأن اتفاق مكة وإنجاز اتفاق وثيقة الوفاق الوطني كانا من أهم الخطوات الوحدوية التي توجت عمليا بإنجاز حكومة الوحدة الوطنية .. لماذا فشلت ؟؟
– إن السلوك الإقصائي الهادف لتعزيز السيطرة الفردية كانا الموجه الفعلي للانقلاب الذي قامت به حماس في قطاع غزة . أرادت حركة حماس تحسين شروط المحاصصة الثنائية التي لم يكتمل فصلها الأمني فقررت السيطرة عسكريا على قطاع غزة لترفع مستوى المحاصصة وتوصلنا إلى واقع محاصصة الوطن المتاح لنا نظريا فتفصل قطاع غزة عن الضفة الغربية لتجد نفسها الآن في مأزق السلطة بكل تجلياتها الكارثية . مأزق سيدفعها قسرا للهاث خلف تهدئة تعتقد بأنها ستشرعن انقلابها وتعزز سيطرتها بغض النظر عن الاستحقاقات المطلوبة إسرائيليا .
– إننا نأمل بأن يدرك كلا الطرفين بأن الاستحقاق الوطني المطلوب الآن وبشكل عاجل هو السعي الدءوب لإنجاز تهدئة داخلية كمقدمة لتوافق وطني يحفظ لنا كياننا وهويتنا الوطنية ويبعد عنا شبح الحلول الإقليمية التي تحقق غاية أعدائنا بطمس هويتنا الفلسطينية في غياهب الواقع الإقليمي .
*** هناك أصوات تطالب بأن يستقيل إيهود أولمرت فهل يمكن أن يؤثر على عملية السلام الضعيفة أصلا؟
– إنني أرى بأن الرؤية الأمريكية وتحديدا رؤية بوش بإمكانية قيام دولة فلسطينية حتى نهاية عام 2008 م جاءت في سياق الضغط الأمريكي الإسرائيلي على الجانب الفلسطيني لإرغامه على تقديم تنازلات جوهرية تتساوق والرؤية الأمريكية لفكرة الدولة التي يجب أن تقام على ما تبقى من أرض فلسطينية ممزقة , منهوبة ولا تمتلك أي سيادة حقيقية , دولة مهرها التنازل عن حق عودة اللاجئين والاكتفاء بضواحي القدس ومخيماتها العربية بوضع إدارة وليس سيطرة فعلية عليها . هذا هو جوهر الوعد الرئاسي الأمريكي , ما حدث هو أن الجانب الفلسطيني تمسك بالثوابت الوطنية الفلسطينية والتي تشكل الحد الأدنى من المطالب الفلسطينية كما ورد في البرنامج المرحلي ل م.ت.ف. إقامة الدولة المستقلة على كامل الأراضي الفلسطينية المحتلة في عام 67 والقدس عاصمة للدولة وإنجاز حق العودة للاجئين الفلسطينيين كما أقرتها الشرعية الدولية , ضمن هذا السياق يمكننا أن نفهم هذا التضخيم الإعلامي الإسرائيلي لفضيحة الفساد والرشوة التي توجه ضد أولمرت .
– إن الهدف الأساسي لهذا الأمر يكمن في إمكانية الهروب إسرائيليا من استحقاق الوعد الأمريكي بإنجاز فكرة الدولة حتى عام 2008 م وذلك بإسقاط أولمرت أو إرغامه على تقديم موعد الانتخابات .
– إنني أعتقد بأن تقديم موعد الانتخابات باستقالة أولمرت المبكرة هي الأمر القابل للتحقيق في هذه المرحلة وهذا يعني الشلل الواقعي لأي مفاوضات جدية وفي نفس الوقت لتكريس مزيدا من الوقائع على الأرض , مزيدا من الاستيطان , إصرارا على الجدار , إمعانا في سياسة تهويد القدس , مما يجهض عمليا فكرة الدولة الفلسطينية .
*** كيف ترون الحديث الدائر بخصوص السلام مع سوريا وهل له أثر على الوضع الفلسطيني ؟
– سوريا تاريخيا كانت ولا تزال جاهزة لخيار السلام مع إسرائيل باستحقاقاته المعروفة – انسحاب كامل وتطبيع كامل- كان العائق دائما يأتي من الطرف الإسرائيلي الذي يرفض الانسحاب الشامل من الجولان المحتل .
– جميعنا يدرك بأن الرئيس الراحل حافظ الأسد قد وافق على فكرة السلام مع إسرائيل على قاعدة السلام المصري والأردني . بما يعنيه ذلك من مناطق معزولة خالية من السلاح مع رقابة دولية في المناطق المجاورة .
– ولكن علينا التساؤل حول الجديد في الموقف الإسرائيلي الذي أتاح للوساطة التركية النجاح في تحريك عجلة التفاوض مجددا بين الطرفين ؟؟
إنني أرى بأن إسرائيل بائتلافها الحاكم الآن غير قادرة على إنجاز تسوية تاريخية مع سوريا وما تسعى إليه الآن هو فقط إضعاف الموقف السوري وكشفه أمام تحالفاته الظرفية والمصلحية مع حلفائه الإيرانيين وغيرهم والسعي من أجل تشديد الخناق والعزلة على النظام الإيراني وحلفائه . وذلك برفع وتيرة التفاوض الإسرائيلي السوري الذي سينتج بالضرورة تداعيات سلبية ما بين أطراف التحالف الإيراني السوري وامتداداته في لبنان وفلسطين .
– إنني أتوقع بأن يرتفع مستوى التفاوض ليصل إلى مستوى التفاوض المباشر و على مستويات عليا ما بين إسرائيل وسوريا ولكنني لا أحمل أي وهما بالتوصل إلى تسوية تاريخية في هذا الوقت تحديدا .
– أما بخصوص تأثير هذا الأمر على الوضع الفلسطيني فإنني أدرك بأن هذا الأمر سيترك تأثيرا بالضرورة على الوضع الفلسطيني , فالموقف السوري الساعي للتفاوض لإنجاز تسوية شاملة مع إسرائيل لا ينسجم تماما مع الخطاب الأيدلوجي لحلفائه الإيرانيين وبالتأكيد مع حزب الله ومفهومه للصراع وأيضا وهذا المهم مع حلفائه الفلسطينيين , وتحديدا حركتي حماس والجهاد . وعلينا أن نستذكر الموقف السوري المؤيد للذهاب إلى مؤتمر أنابوليس , حينها لم يتردد لحظة بمنع مهرجان حماس في دمشق المعارض لهذا المؤتمر .