معتصم محسن:هجرة الشباب خسارة للوطن أم تحقيق للذات
تحقيق : معتصم محسن
الهجرة ذلك المصطلح الذي أصبح دارجا وبكثرة في مجتمعنا الفلسطيني ففرض نفسه فوجد فيه الكثيرين الحل لبعض مشاكلهم التي وجدوا أنفسهم خلالها يشكلوا عبء على محيطهم، تلك الكلمة التي طالما سمعناها سواء على لسان فئات كانت النسبة العظمى منها الشباب تلك الفئة التي لم تجد سبيلا للهروب من واقع فرض عليهم نتيجة الضغوطات النفسية أو المادية، فتلك الفئة وخصوصا المتعلمة منها لم تلبث أن خرجت من بوابة الاعتماد على الأخر للدخول إلى عالم الاعتماد على الذات والطموح بعيد الحدود، وفجأة وجدوا أنفسهم أمام عائق أو حاجزا حدد لهم طموحاتهم أو منعهم من تحقيق تلك الطموح، فيصطدمون بعوائق المجتمع المختلفة من بطالة أو محسوبيات أو غيرها من المعيقات التي تحدد لهم نشاطاتهم، فلا يجدون مفرا إلا للجوء إلى ما يسمى بالهجرة التي قد تحقق لهم ولو البعض من أهدافهم المرسومة في أذهانهم أو بعضا من طموحاتهم.
البطالة.. السبب الرئيس وراء هجرة الشباب
بعد إنهاء الشاب وتخرجه من مقاعد الدراسة ينطلق مندفعا لتحقيق أحلامه في وظيفة مريحة يمارس فيها ما تعلمه وليحقق من خلالها ذاته، وراتب يستطيع خلاله التماشي مع الظروف الاقتصادية المحيطة والعيش حياة كريمة، ولكن مفاجأة كبرى لم يكن يحسب لها حساب تقع عائقا أمامه، إذ يخوض معركة مع مؤسسات العمل بقطاعيها الخاص والعام، فعدم وجود شاغر له في إحدى القطاعيين يحاصره من جهة وتدخل المحسوبيات والواسطة من جهة أخرى، فيجد نفسه في نهاية المطاف أمام فجوة كبيرة اسمها البطالة، فلا يجد سبيلا للهروب من هذه الفجوة إلا عن طريق الهجرة.
وعند الحديث عن البطالة يعني أن نعود لحديث الشباب حول أسباب الهجرة المعلنة، يقول ” عماد الدين ” وهو خريج حديث متخصص في برمجة الحاسوب ” بأن الهجرة لا تجدي نفعا للتخلص من تلك المشكلة، ففي كثير من الأحيان تكون المشكلة ليست بعدم توفر العمل ولكن المشكلة تكمن في إنصاف المؤسسة أو الشركة المقدم لها الشخص طلبا للتوظيف، فكثيرا ما تسبق الواسطة التي تدعم المتقدم للطلب كفاءته العلمية، إذ عليك تقديم “واسطتك” قبل تقديم طلبك أو يجب عليك أن تحضر “واسطتك” معك يوم المقابلة لتكون داعما لك للحصول على الوظيفة.
أما “نبيل” وهو شاب في الثلاثين من العمر يقول ” أنهيت دراستي بتخصص محاسبة وطرقت جميع الأبواب وخضت معظم المقابلات بهدف الحصول على وظيفة في مجال دراستي، ولكن وللأسف بالرغم من تمكني في مجال دراستي إلا أنني لم أحصل على وظيفة في مجال المحاسبة، لا ادري لماذا؟ ولكن باعتقادي إنني نسيت شيئا مهما وهو الواسطة التي يجب أن تكون حاضرة معي لاستطيع العمل! ، فكرت مرارا بالهجرة إلى إحدى الدول الأوروبية أو دول الخليج للعمل هناك ولكن بعد أن درست الموضوع في ذهني قررت البقاء في وطني لعلي أحصل يوما على مرادي دون حاجتي إلى الهجرة “.
وها هو” أمجد” العامل في إحدى محطات تعبئة الوقود والحاصل على شهادة الثانوية العامة يقول ” ذهبت لأعمل في إحدى دول الخليج ولكنني ما لبثت أن عدت لأعمل هنا، حيث أنني لم أجد ما يشجعني على البقاء مغتربا فالراتب لم يكن مجديا والمعيشة كانت صعبة، فكان الأفضل لي أن أعود إلى بلدي ، وأنا الآن أعمل وراتبي يكفيني أنا وعائلتي والحمد لله”.
الهجرة رغبة أم أجبار
بالنظر إلى غالبية الأسباب الكامنة وراء هجرة الشباب نرى أن العامل الرئيسي لهجرتهم إما سعيهم للحصول على وظيفة أو الهروب من الواقع الذي كانوا يعيشون فيه، فنرى من لم يجدوا عملا يلجأوون إلى تقديم طلبات للهجرة لعلهم يجدون هناك مرادهم، وهناك من تدفعهم الرغبة في تحقيق طموح لأبعد الحدود فظنوا بأنهم قد يجدوا تلك الطموحات في بلاد غير بلادهم تضاف إلى عامل سعيهم وراء الهجرة.
ولكن يا هل ترى هل في هجرتهم تلك تحقيق لمرادهم؟
للإجابة على هذا السؤال كان لنا الحديث مع بعض الشباب المغترب الذي اختار الغربة لتحقيق مراده، ها هو “محمد مهندس مدني” والذي يعمل في أبو ظبي يقول ” قررت اللجوء إلى الاغتراب بعد أن فقدت الأمل في إيجاد عمل لي في بلدي، فلجأت إلى أحد مكاتب الهجرة وفعلا بعد فترة اتصل بي عامل المكتب وابلغني بأنني سأقابل مدير شركة في أبو ظبي للعمل هناك، والحمد لله أنا الآن اعمل مشرف على المهندسين وراتبي ممتاز بالإضافة إلى الامتيازات الجيدة التي احصل عليهم من الشركة التي أعمل بها.
ويضيف برأيي الاغتراب والهجرة للبحث عن عمل يكون مجديا في كثير من الأحيان وخصوصا أن وضعنا الاقتصادي والسياسي غير مستقر على عكس الدول الأخرى المهاجر إليها، ولكن أنا انصح كل من له وظيفة أو عمل يسد به حاجته وحاجة أسرته أن يبقى في بلده فلا بديل وليس هناك ما هو أجمل من العيش بين اهلك وأصدقاءك وفي وطنك ”
“نزار” العامل في قطر في مكتب سياحي يقول ” هذا عامي الثالث في دولة قطر، أنا احمل شهادة في التخصص السياحي، كان السبب في غربتي هو عدم إيجادي لعمل ممكن أن يتصف بالمقبول، سافرت إلى قطر عن طريق أقارب لي بهدف الزيارة فبحثت في تلك الفترة عن عمل فاستطعت وبمساعدة قريب لي أن أجد عملا ولكن ليس بالمطلوب فأقنعني قريبي أن أبقى ومع الوقت سأجد عملا مناسبا، وفعلا وافقت وعملت في المجال السياحي الذي اعمل فيه الآن، راتبي جيد ليس بممتاز ولكن كما وعدت سيتحسن مع مرور الوقت، بخصوص من لم يوفقوا بإيجاد عمل لهم في موطنهم، أقول لهم: حاولوا أن تتقدموا بوظائف في وطنكم وإذا ما ضاقت عليكم الظروف ليس هناك من مشكلة في الاغتراب ولكن لا تفكروا بالبقاء متغربين عن موطنكم “.
إلى متى والى أين ستؤدي المشكلة ؟
هذا ويعد الشعب الفلسطيني بفئاته الشابة من أوائل الشعب الذي يمتاز بعدد المتعلمين والمثقفين، وبالمقابل تعد نسبة البطالة في صفوفهم نسبة عالية، إذا ما قورنت بالدول الأخرى، وبالتالي ارتفاع عدد المهاجرين والمغتربين، ونقص وافتقار لتلك العقول والأدمغة في الوطن.
مشكلة بحاجة إلى الوقوف عليها، وإيجاد الحلول المناسبة لوضع حد لهجرة الشباب والاستفادة من إمكانياتهم في بناء الوطن، فهل يا ترى سنتمكن ولو بعد حين من التخلص من تلك المشكلة، واستثمار القدرات الشابة في مشاريع تفيد الوطن؟ أم هل سيستمر تسرب العقول إلى الخارج وبالتالي فقدان عنصر الشباب الطامح لصب خبراته ونشاطه في أرض الوطن؟