رسالة فولتير الى واقع الحال في …فلسطين المأساة في…محنة الملك عجاج
” إلى ..روح الشهيد الحاج نقولا وكل شهداء فلسطين.
إلى ..أبو الروم،وإلهام ،وثريا،وعصام،وكل الصامدين في مخيمات لبنان.
رفيقكم.. دوما وأبدا: م.بوخروبة “.
بقلم :محمد دامو
جاء في الإصحاح الخامس عشر من سفر الملوك الأول: ٌ …وقال صموئيل لشاول : إياي أرسل الرب لمسحك ملكا على شعبه إسرائيل،والآن فاسمع صوت كلام الرب،هكذا يقول رب الجنود : إني قد افتقدت ما عمل عماليق باسرائيل حين وقف له في الطريق عند صعوده من مصر.والآن اذهب واضرب عماليق،وحرّم كلّ ماله،ولا تقف عنهم،بل اقتل كل رجل وامرأة،وكل طفل ورضيع،والبقر والغنم والجمال والحمير ٌ ( 15،1-3 ).
المشكلة تكمن في التطرف اليهودي ،وأحبار المذهب الصهيوني الذين يصرون على تفسير التوراة باعتماد التلمود كمرجعية لاهوتية وحيدة ،تستند أساسا على القراءة الحرفية للنصوص التوراتية ،الامر الذي يخالف كليا التوجه العقلاني لدى آباء الكنيسة المسيحية الذين أعتمدوا المدرسة الرمزية في تفسير وفهم نصوص الكتاب المقدس ،وبذلك تمكّنوا من توثيق صلة الرحم القائمة بين الخالق وبقية خلقه من بني البشر ،دون تفرقة او تمييز،لا بين الشعوب والاعراق ولا بين الاجناس و الافراد…كلهم ً.. أبناء أبينا الذي في السماوات ً.
من الواضح أن مفكّر عصر التنوير وفيلسوفه ( فولتير )،الذي شارك أقرانه على امتداد سنوات القرن الثامن عشر ،في نقد عصر الايمان ومرجعياته ،قد أدرك بحسه المرهف ، الخطر الذي تنطوي عليه الايديولوجيا التلمودية واثرها على مستقبل الروابط الانسانية بين امم وشعوب الارض.
النظرة الثاقبة التي كان الفيلسوف الخالد ( فولتير) يتمتع بها،هي التي دفعته لأن يكتب مسرحية ً مأساة شاول ٌ، لكن عبقريته الفذّة هي التي جعلته يولي اهتماما خاصا للملك عجاج ويخص محنته بفصل كامل في هذه المسرحية ،حتى كادت أحداث هذا الفصل تطغى على الموضوع الاصلي للمسرحية.
لعل فولتير أراد بعمله الإبداعي ذاك،إيصال رسالة غير مشفّرة الى عصرنا هذا ،يريد بها التبليغ عن وقائع جريمة معلنة،يجري تنفيذها بدعاوى غيبية وهمية ،ضد شعب حي متجدد. ولعل فولتيرأراد ايضا ،كشف حقيقة الادوات المستخدمة في تأجيج نار الصراع الدامي المتواصل بين الغزاة واصحاب الارض الفلسطينيين،والذي جعل من جريمة اغتيال الملك عجاج بداية لانطلاقة شرارته،ثم..ترك النهاية مفتوحة ،يحدد نتيجتها ،مسار النضال الحالي والمستقبلي، في كل أرجاء فلسطين.
يهمنا هنا الإشارة الى ان ،الوقائع الاجرامية والسلوكات الهمجية ،كما جاء وصفها في النص التوراتي،هي أكثر وحشية مما أقتصد في نقله الكاتب الفنان فولتير،وتكفي للتأكد من هذا ،العودة الى الاصحاح الخامس عشر من كتاب الملوك الاول ،وفيه تبدأ الاحداث بعد المعركة التي انتصر فيها الجيش اليهودي انتصارا ساحقا على شعب عماليق المسالم،الذي وجد نفسه فجأة بمواجهة الكارثة ،وقد أضاع حريته، بعد ان وقع ملكه عجاج بالاسر.
…يدخل الملك شاول وأحد مقربيه المدعو بازا:
· بازا- يا شاول العظيم ،ايها الجبار بين الملوك .. يا من يسود على بحيرات ثلاث وعلى فضاء باتساع خمسمائة مرحلة.أنت الذي هزمت الملك عجاج العظيم،ملك عماليق الهمام.القائد المحارب الذي أسرجوا له أقوى الحمير.أنت الذي ستخضع الدبيا بأسرها لحكمك.. كما وعد مرارا إله اليهود الرب يهوه .فمن أين لشعور الحزن والشجن أن يفسد عليك انتصارك هذا وطموحاتك الكبرى ؟.
· شاول – نعم يا عزيزي بازا.مغتبط ألف مرة من يرعى قطعان بنيامين ويعصر العنب الحلو في وادي الانجاد. . لكن واأسفاه .لقد كنت مشغولا بالبحث عن أتن ابي ،فإذا بي أقع على تاج المملكة،ومعه الاتن،وانت تعلم ان صموئيل إنما مسحني بأمر الرب ،وفد عمل كل ما يلزم لكي لا يختار الشعب سواي ملكا،وما ان تحقق المراد وجرى اصطفائي،حتى تغير مزاج الرجل وتحوّل الى ألد أعدائي..
· بازا- لكن ،هذا بالضبط ما كان عليك ان تتوقعه منه يا مولاي.فهو كاهن اما انت فقد كنت جنديا.لقد حكم قبلك يا سيدي ،ومن طبيعة البشر ان يكرهوا دوما خلفاءهم.
· شاول – لغله ،كان ايطمح في الاستمرار في الحكم زمنا أطول؟..لقد أشرك ولديه الفاسدين في إدارة شؤون الحكم ،لكن الشعب نفسه أبدى رفضه،وقام ضد هكذا سلطة كهنوتية .أنتخب الملك ،وأعلنت آيات مقدسةعن رغبة الرب وإرادته ،التي عاد الشعب وأقرها ،الامر الذي أهتز له صموئيل .ولم يكفه حقده علي باعتباري ملكا اختارته الالارادة السماوية،بل زاد ووحقد علي كوني نبيا ايضا.رغم علمه بحقيقة انني حصلت على نعمة النبوة مثله تماما،وأنني تنبات كما تنبأ هو. حتى ان اسرائيل راحت تردد المثل الجديد الذي انتشر بسرعة ،والقائل : ً أشاول ايضا بين الانبياء ً،وهذا ما سبب الاذى لسمع صموئيل.المشكلة ،أنهم يعتبرونه حتى الآن كاهنا،وهذا لسوء حظي ،ولذلك فهو خطر جدي وحقيقي.
· بازا – لكن انتصاراتك يا مولايثبتت دعائم سلطتك ،ثم ان احتفاظك بأسيرك الشهير الملك عجاج ،من شأنه ان يضمن إخلاص شعبك لك،شعبك الفخور بانتصاراتك وبعطفك أيضا …انظر سيدي هاهم يقتادونه اليك. (يدخل الملك عجاج محاطا بالحراس).
· عجاج – ايها المنتصر، الجبار الرحيم ،كمثل الامراء الذين يجيدون الانتصار والرحمة معا.مرني بدفع الفدية التي تطلبها ،وسأعمل على احضارها عند قدميك. وان شئت سأكون جارك المخلص وحليفك الوفي ،هذا إن جعلتني لا أرى فيك إلاّ رجل خير وسيّدا نبيلا،على صورة الإله الصارم المتسامح.
· شاول – ايها الملك العظيم الكثير النعم والحريم. إنما انا أديت واجبي اتجاهك فانقذت حياتك ،لأنه من واجب الملوك احترام بعضهم بعضا.أما من ينتقم بعد ان يحقق النصر ،فلا يستحق نصره.ولذلك،لن أسعى الى تحديد ثمن لحريتك،بل سأجعلها رمزا للصداقة التي ستربط شعبينا وليس رمزا للقهر والعبودية.
· عجاج – ..يا له من نبل كريم ايها الملك العظيم،وكم هو كبير تأثيره على قلبي .سأعيش وأموت محافظا على عهدي هذا مع شاول الشجاع.ومعي كل مملكتي وشعبي. (يظهر صموئيل ،يتقدم وحوله رهط من الكهنة ).
· شاول – صموئيل..هذا انت ؟ ترى ،ما ذا وراءك؟..هل جئت مرسلا من الرب ،ام تراك مبعوثا من الشعب ،ام حضرت من تلقاء نفسك ؟.
· صموئيل – بل اتيت باسم الرب.
· شاول- وما هي إرادته ؟.
· صموئيل- الرب أمرني ان أبلغك ندمه لأنه أجلسك على العرش.
· شاول – كيف ؟ الرب نادم ؟ لكن لا يندم إلاّ مقترف الذنوب والخطايا ،والرب لا يمكن ان يخطئ أبدا.
· صموئيل- لكنه يمكن ان يندم لأنه أقام على العرش رجلا يخطئ .
· شاول – هذا صحيح فمن لا يخطئ من البشر؟..ثم ما ذنبي بالضبط ؟.
· صموئيل – ذنبك أنك عفوت وتصالحت و..تعاهدت مع واحد من الملوك .
· عجاج- كيف يكون هذا ؟ وهل تعتبر أعظم أعمال البر جريمة او خطيئة ؟.
· صموئيل – أخرس انت ،ولا تجدف. ( ثم مخاطبا شاول ) شاول ،يا ملك اليهود السابق.ألم يأمرك الإله يهوه بلساني بإبادة العماليق على بكرة أبيهم، وألاّتستثني منهم أحدا ، او ترحم امرأة او فتاة او طفلا رضيعا ؟.
· عجاج- أيعقل ان يكون هذا من أمر ربك ؟أنت مخطئ دون شك ،لعلّك قصدت القول ،أن شيطانك هو من أمرك بمثل هذا ؟.
· صموئيل- ( متوجها للكهنة ) استعدوا لتنفيذ اوامري اما انت يا شاول فأجب: هل أطعت الرب ؟.
· شاول – كيف لي ان اعتبر الامر ثابتا مؤكدا، فيما أعتقدت ، ان الرحمة هي اولى سمات الكائن العلوي، وان قلبه مليئ بالعطف والمحبة .
· صموئيل – لقد اخطأت يا رجل .انت خائن،والرب يهوه أدانك ،وجعل صولجانك ينتقل الى يد غيرك.
· بازا – ( ملتفتا الى شاول ) أية وقاحة هذه ؟ بعد اذنك يا مولاي ، أسمح لي بان ألقّن هذا المسخ اللعين درسا، لن ينساه أبدا.
· شاول- حذار يا بازا..حذار .وانظر كيف ان الشعب يسانده،وفي حال قامناه سنقتل لا محالة.ثم انني تعهدت فعلا…..
· بازا- لا أصدق ان تكون يا مولاي قد وعدت باقتراف تلك الفظاعات ؟.
· شاول- ليس مهما يا تازا.فاليهود أكثر إثارة للاشمئزاز ،وسيقفون الى جانب صموئيل ضدي .
· بازا – ( في سرّه ) ما أتعسك من ملك، يا شاول.
· شاول- حسن ايها لسادة الكهنة ،والآن ما الذي يتوجّب علي فعله ؟.
· صموئيل – سأبدأ بأن أريك ،كيف تنفّذ إرادة يهوه ( ملتفتا الى الكهنة )،ايها الأباء المقدّسون، يا ابناء لاوي. أروني شكيمتكم ،فليؤتى بطاولة ،وليشد فوقها عدو يهوه ،هذا الملك ذو القضيب الاقلف (يمسك الكهنة الملك عجاج،يوثقونه،ثم يلقون به على الطاولة ).
· عجاج – ماذا تظنون انكم فاعلون ؟. ما اتعسك ايتها الوحوش الكاسرة .
· شاول- صموئيل ،ايها الاب المقدس. باسم الرب…
· صموئيل- إياك وذكره ، فأنت لست أهلا لأن تنطق باسمه ،والرب يأمرك ان تبقى حيث أنت،لتكون شاهدا على هذه الذبيحة التي ستكون القربان الذي قد يغتفر إثمك .
· عجاج- ( الى صموئيل ) عزمت على ذبحي إذن ؟ ما ارّك يا موت ،في مثل حالتي هذه.
· صموئيل – نعم أذبحك. فأنت كثير الشحم ،وهذا ما يستطعمه الرب يهوه.
· عجاج- واأسفاه يا شاول .كم هو مؤلم ان تكون من أتباع هذا الهمجي المتوحش .
· صموئيل- ( الى عجاج ) ،انصت ايها الوثني الكافر وأجب.ما قولك في ان تصبح يهوديا مؤمنا ؟ هل يهمك ان تختتن ؟.
· عجاج- لنقل فرضا انني من الضعف بما يكفي لأن اتبع ملّتكم، فهل سأعفى من هذه الميتة المشينة ؟.
· صموئيل- لا ،لا…إنّما ستحظى بشرف الموت ،وانت على دين يهوه ،وهذا يكفيك تكفيرا ومغنما.
· عجاج- أضرب ايها الجلاد البائس،لكن قبل ذلك وقبل ان اموت ،دعني أبصق على لحية يهواك،أيها الوغد الكاهن.
· صموئيل – إليّ بالفأس ،باسم الرب نبدأ وعليه نتوكل :سأبدأ بقطع يديه فيما تباشرون انتم ببتر رجليه ،..وهكذا قطعة ،فقطعة ( صموئيل يشرع في تقطيع جسد الملك عجاج ،باسم الإله يهوه ومساعدة الكهنة ).
· شاول- لكن ،لماذا يتحتم علي ان أكون شاهدا على اقتراف هذه الجريمة الوحشية ؟.
· بازا- سيعاقبك الله بدون شك،لأنك تحملت وصبرت،على كل هذه الفظاعة .
· صموئيل- ( الى الكهنة ) خذوا هذه الطاولة وما عليها ،وليحرق جسد هذا الكافر،ثم ادعوا خدمنا ليبكوا عليه. ( ملتفتا الى شاول ) ،امّا انت ايها الملك ،فيبقى عليك ألاّ تنسى بان حال الخنوع والخضوع أكثر فظاعة من حال الذبيحة نفسها.
· شاول- ( يسقط على كرسيه ) انا متّ،او أكاد أموت ،فلا طاقة لي على تحمّل كل هذا الذي حدث..هذا عيب وعار…