ماذا ينتظر منا سمير غوشة ؟
بقلم : عمرحلمي الغول
كان الأمل يملؤه حين التقيته في نهاية الاسبوع الأول من تموز / يوليو الماضي قبل أن يغادر أرض الوطن إلى عمان، العاصمة الأردنية، لمتابعة العلاج. تحدث الدكتور سمير بحيوية عن تمكنه من النجاح في تقليص نسبة انتشار الخلايا السرطانية، فبعد أن كانت تبلغ عشرة سنتمترات أمست خمسة، وقال: الفضل في ذلك يعود لـ (سحر – زوجته)، التي تابعت الأطباء عن كثب، وأخذ الأدوية في أوقاتها، وسهرها على متابعة أدق التفاصيل، وقلت له: عاملك الذاتي أيضاً له دور مهم، فأنت لم تستسلم للمرض، ولديك الإرادة والرغبة بالحياة، وهذه عوامل مهمة للانتصار على المرض الخبيث.. وحتى قبل تدهور وضعه الصحي بيومين، كان متحمساً للعودة للوطن، وأبلغ المعنيين أن ينسقوا له ليعود يوم الاثنين بعد وصول ابنة أخته من أميركا، وفعلاً عاد الدكتور سمير إلى الوطن يوم الاثنين، ولكنه عاد جثماناً مسجى على مساحة الوطن الفلسطيني وعاصمته القدس، التي نشأ وترعرع بين أزقتها وأصوات مآذنها وأجراس كنائسها، وتعلم أبجدية اللغة والنضال في ربوعها.
أمين عام جبهة النضال الشعبي، الدكتور سمير لم يخشَ المرض، تابع العلاج، ولم يتوقف عن متابعة قضايا جبهته، لأن هاجسه كان العطاء وبذل كل ما يملك من جهود للارتقاء بالجبهة وبالقوى الديمقراطية، وأذكر مرات عديدة كنا نلتقي فيها، كان الحوار المشترك بيننا عن وحدة القوى الديمقراطية، وعتبه الشديد من بعض الفصائل التي سعت عن سابق تصميم وإصرار لإبعاد جبهة النضال عن الفعل والمشاركة معها في النهوض بالحركة الوطنية عموماً والقوى الديمقراطية خصوصاً .. ومع ذلك لم يتخلف عن تلبية أي دعوة لتعزيز اللقاء بين القوى الوطنية متجاوزاً أي تباينات، وغاضاً النظر عن الهِنات والسلبيات التي ارتكبها شركاؤه في النضال الوطني، لأنه كان مشدوداً للوحدة الوطنية وتطوير فعل القوى الديمقراطية.
ومنذ أن أمسى عضواً في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير في العام 1991، كان الدكتور أبو ماهر معنياً في الإسهام الايجابي في دفع تجربة هذه المؤسسة القيادية إلى الأمام، ورغم شعوره بالألم من بعض الممارسات والأخطاء التي رافقت تجربته في هذه المؤسسة، وإعلانه عن ذلك على الملأ في مهرجانات جبهة النضال وفي الكثير من المناسبات التي شارك فيها الدكتور سمير، إلا انه لم يغادرْ مواقعه فيها، وكان التفاؤل بتخلص اللجنة التنفيذية، هو الناظم لبقائه فيها.
ولم يقف الدكتور سمير موقفاً سلبياً من أي تطور في الساحة الوطنية، بل قاد الجبهة وساهم في الارتقاء بدورها من خلال خوض المعارك الوطنية الفلسطينية ضد مخططات الاحتلال الإسرائيلي وأيضاً ضد الانقلاب الحمساوي. لم يجامل الدكتور سمير قادة الانقلاب، وأعلن موقفاً واضحاً ضد خيار الانقلاب، وهكذا كانت مواقف قيادات وكوادر جبهة النضال، وما زالت مواقفها متميزة بالمعايير النسبية عن الكثير من فصائل اليسار المتعثرة .
جاء رحيل الشهيد الدكتور سمير غوشة، عن تسعة وستين عاماً قضى جلها في الكفاح الوطني من أجل تحقيق الأهداف الوطنية متوافقاً مع حلول الذكرى الثانية والأربعين لتأسيس جبهة النضال. تلك الذكرى التي كان رفاقه في قطاع غزة ينوون الاحتفاء بها، وإذ بهم يودعونه إلى مثواه الأخير، ولكن رفاقه الذين تمرسوا في مدرسته ومدرسة الوطنية الفلسطينية أكدوا على وحدتهم وحرصهم على استمرار دور جبهتهم في النضال الوطني دفاعاً عن المشروع الوطني، وهاجسهم: إن غيب الموت الأمين العام، فلن تُغيب الجبهة، بل ستزداد صلابةً وقوةً وتماسكاً، وستتابع النضال على خُطا الشهيد القائد سمير غوشة ..
غادرنا الدكتور سمير إلى مثواه الأخير، ولكن روح الرجل ومآثره باقية، وسيظل أمينعام جبهة النضال باقياً في سجل الخالدين، سجل الوطنية الفلسطينية، وستبقى صفحته الذهبية علامةً فارقةً في سجل الشهداء الأبطال الذين قدموا أرواحهم فداء الأهداف الوطنية الكبرى، ودفاعاً عن وحدة الأرض والشعب والقضية والنظام السياسي التعددي الديمقراطي.
سمير غوشة لم يمُتْ لأن عطاءه وتجربته الريادية باقيان، ببقاء جبهة النضال الشعبي الفلسطيني، وببقاء الوطنية الفلسطينية المعاصرة، وبتحقيق الأهداف الوطنية التي ناضل من أجلها ..
وداعاً أيها الصديق العزيز سمير غوشة .. لن نلتقي أيها الصديق مُجدداً، ولكن أؤكد لك أن كل من عرفك، ومن الأجيال المختلفة لن ينساك، وستبقى جزءاً من الذاكرة الوطنية، وسنجدد اللقاء مع رفاق دربك ومحبيك .. فَنَمْ قرير العين، ما تنتظره منا جميعاً سنعمل على تحقيقه، سنعيد الوحدة للشعب، وسيندثر الانقلاب. وسيزول الاحتلال الإسرائيلي، وستتحرر الأرض، وتُقام الدولة الوطنية المستقلة وعاصمتها القدس، قدسك، على الأراضي المحتلة عام 1967، ولن نتخلى عن حق العودة للاجئين الفلسطينيين. شركاؤك في الكفاح لن يتخلوا عن العهد، ولن تهزمهم عنصرية المحتل الإسرائيلي وعدوانيته، بل النصر حليفهم والانبعاث والتجديد للوطنية خيارهم .. وداعاً أبو ماهر.