الانتفاضة الثانية وتبدد حلم الاستقلال الفلسطيني
بقلم :حسن مواسي
أمس الاثنين صادفت الذكرى التاسعة لانطلاق انتفاضة القدس والأقصى المبارك، حيث أعادت عملية اقتحام المستوطنين اليهود لباحات المسجد الأقصى أول أمس الأحد، بحجة إقامة الشعائر الدينية في المسجد الأقصى إلى الأذهان نفس السيناريو الذي أقدم عليه رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق ارئيل شارون، الذي دنس المسجد الأقصى قبل تسع أعوام تلت جريمة اقتحامه للأقصى انتفاضة شعبية عارمة، استمرت عدة سنوات، قامت خلالها إسرائيل بشن حرب تدميرية على الشعب الفلسطيني، وقامت بقتل المئات وألحقت به أضرارا طالت الإنسان والأرض والشجر والاقتصاد، وأفرزت سياسات جديدة على الأرض لم تكن قائمة بعد مرحلة “السلام” الغير ملموس أذا صح التعبير، تسعى من خلالها دولة الاحتلال إلى محاولة لإجبار وإخضاع الشعب الفلسطيني الأعزل..
فبعد إن افشل رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك أيهود باراك في محادثاته مع الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ” أبو عمار” ، ورجع يروج مقولة انه لا يوجد شريك فلسطيني يمكن الاعتماد عليه والتوصل إلى تسوية معه، سمح لرئيس المعارضة الإسرائيلية آنذاك ارئيل شارون باقتحام الأقصى تحت حماية الاحتلال والتي ألهبت مشاعر المسلمين والفلسطينيين وأدت إلى نشوب الانتفاضة الثانية التي سعى من خلالها الفلسطينيون من اجل نيل استقلالهم المنشود والحرية وحق تقرير المصير..
ومع سقوط الشهيد الطفل محمد الدرة في غزة في بث حي ومباشر تحولت كل الأرض الفلسطينية إلى شرارة ضد المحتلة فسقط الشهداء في كل فلسطين وحتى في أراضي الـ48 المحتلة، إذ قام الاحتلال بقتل 13 شابا عربيا احتجوا تضامنا مع أشقائهم في الضفة الغربية وقطاع غزة، فيما قامت إسرائيل باقتراف أبشع الجرائم بدءا من الإنسان ولم تستثني أي شبر من فلسطين.
سقوط باراك وصعود شارون للحكم:
وفي شباط/فبراير 2001 وعقب فشل محادثات “كامب ديفيد الثانية” أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي حينها أيهود باراك(الذي ادعى عند انتخابه انه خليفة رابين) استقالته من رئاسة الوزراء وإجراء انتخابات خاصة لرئيس الوزراء دون حل الكنيست، والتي فاز بها زعيم المعارضة ارئيل شارون(زعيم حزب الليكود آنذاك)، وأعلن انه خلال مئة يوم سيقوم بإخماد شرارة الانتفاضة..
وقام شارون بتحريك كافة الأجهزة والقدرات العسكرية الإسرائيلية في محاولة لإخضاع الشعب الفلسطيني إلا إن مصيره كان الفشل، فلا حصار الرئيس عرفات والتلويح بتصفيته، ولا حملة “الجدار الواقي” ومجزرة جنين في نيسان/ابريل 2002، استطاعت إن تهزم وإجبار الشعب الفلسطيني الأعزل على رفع الراية البيضاء، فكانت حصيلة الجريمة الإسرائيلية ازدياد في تكريس الواقع الاحتلالي البغيض وفرض الأمر الواقع في الأرض المحتلة عام 1967.
ولم تتوقف إسرائيل عند حد القيام بإطلاق النار على المتظاهرين الفلسطينيين بل قامت ولأول مرة باستعمال القصف الجوي في حربها ضد الشعب الفلسطيني، وذلك بدءا من قصف مقر المقاطعة في رام الله، حيث كان يقيم الرئيس ياسر عرفات، واستهداف كافة المقار والمباني الرسمية التابعة للسلطة الوطنية، إذ عملت إسرائيل على تقويض السلطة الوطنية(الشريك المفترض) لتحقيق السلام معها.
هذا إلى جانب ارتكابها المجازر العديدة التي كان أبرزها حصار مخيم جنين والملحة البطولية التي سجلها أبناء المخيم، والتي تخللها ارتكاب جيش الاحتلال مجزرة بشعة حصدت المئات بين شهيد وجريح، وتدمير المخيم بصورة شبه تامة.
سياسة تصفية القيادات والاغتيالات:
وخلال هذه الانتفاضة اتبعت إسرائيل سياسة التصفية الجسدية لقيادات الانتفاضة الميدانية، حيث قامت بإجراء سلسلة من الاغتيالات طالت قيادات فلسطينية بارزة ، أمثال مؤسس حركة “حماس” الشيخ احمد ياسين، وخلفه في قيادة الحركة الدكتور عبد العزيز الرنتيسي، إلى جانب اغتيال الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أبوعلي مصطفى، فيما قامت بتصفية قادة عسكريين أمثال صلاح شحادة وغيرهم، إلى جانب تنفيذ اغتيال وتصفية بشعة ضد المئات من القادة الفلسطينيين من الفصائل الفلسطينية المختلفة ومن صفوف ضباط أجهزة الأمن الفلسطينية، كما تم اغتيال وقتل عدد من المدنيين والأطفال الفلسطينيين معهم.
وكانت تعتمد خلالها تنفيذ عمليات اغتيال جوية أو على الأرض بحق قادة سياسيين وعسكرية ومدنيين فلسطينيين من مختلف التنظيمات، مبررة ذلك برواية ثابتة وهي نية هؤلاء تنفيذ عمليات أو التخطيط لضرب أهداف إسرائيلية.
تحويل الضفة إلى كنتونات معزولة:
ولم تقتصر الحرب الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني على الجانب العسكري، بل قامت بإتباع سياسة محاصرة الفلسطينيين، وفرض الاغلاقات على المدن والقرى الفلسطينية، ومنع حرية الحركة والتنقل، وتجويع الشعب الأعزل، وقامت بفرض عقوبات جماعية، والتي تحولت إلى السياسة الرسمية للاحتلال.
الأسرى:
خلال الانتفاضة الثانية قامت إسرائيل بتنفيذ عمليات اعتقال جماعية طالت الآلاف من الفلسطينيين، حيث بلغ عدد الذين تم اعتقالهم أكثر من 70 ألف، لا يزال نحو 11 ألف منهم يقبعون في غياهب السجون الإسرائيلية أبرزهم مروان البرغوثي أمين سر حركة “فتح”، وأمين عام الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين احمد سعدات، وعشرات القيادات في الفصائل المختلفة، علما إن نحو 50 بالمائة من الأسرى الفلسطينيين الذين تم احتجازهم خلال سنوات الانتفاضة هم من الأطفال دون الـ18 عشرة.
إقامة الجدار:
في العام 2002 باشرت حكومة الاحتلال بإقامة جدار الفصل العنصري العازل، والذي التهم ودمر الآلاف الدونمات الزراعية إلى جانب تدمير ألاف المباني الفلسطينية، وعزل ألاف الفلسطينيين عن واقعهم الفلسطيني.
فيما قامت إسرائيل إلى جانب إقامة الجدار إلى ضرب وتدمير المنشات الاقتصادية للشعب الفلسطيني وبلغ عدد المنشات التي دمرت حتى العام 2007 نحو 1000 مصنع وغيره.
والى جانب ذلك تواصلت وتيرة الهدم والتدمير للمكان والحيز الفلسطيني، واستمرت عملية التهويد وقضم الأراضي الفلسطينية لصالح بناء الجدار، إذ تم انجاز أكثر من 60 بالمائة من مسار الجدار.
توسيع الاستيطان:
بالإضافة إلى ما سبق فقد استثمرت السلطات الإسرائيلية خلال سنوات الانتفاضة جل مقدراتها في تكريس الاستيطان اليهودي في أراضي الضفة الغربية والقدس، إذ تشير احدث الإحصائيات والتقارير الإسرائيلية والفلسطينية على حد سواء إلى وجود نحو 440 موقع استيطاني إسرائيلي في الضفة الغربية المحتلة عام 1967، توزعت على 144 مستوطنة رسمية، و207 بؤرة استيطانية منها 109 بؤرة أقيمت خارج نطاق المستوطنات(والتي يطلق عليها الاحتلال لقب غير شرعية)، و96 بؤرة في محيط المستوطنات وضمن نفوذها، بالإضافة إلى نحو 50 معسكر أو قاعدة للجيش الإسرائيلي.
مقابل ارتفاع وتيرة الاستيطان في القدس المحتلة حيث كثف الاحتلال الإسرائيلي نشاطه في البلدة القديمة وركز فيها الكثير من المستوطنين والتي وصل عددهم في القدس الشرقية وفق تقرير وزارة الخارجية الفلسطينية نشر مؤخرا حوالي 185 ألف مستوطن، حتى إن وتيرة الاستيطان ارتفعت بشكل ملحوظ في القدس بنحو 38 ضعف بعد مؤتمر “انابوليس” في تشرين الثاني/نوفمبر 2007 في القدس، و20 ضعف في الضفة الغربية المحتلة.
وأخيرا وعلى الرغم إن انتفاضة الأقصى كانت من المفروض إن توصل إلى استقلال الشعب الفلسطيني، إلا انه وبعد تسع سنوات، ومع وصول اليمين الإسرائيلي الحاكم إلى السلطة تبدد اليوم أي إمكانية لحدوث أي انفراج قد يوصل في نهاية المطاف إلى إعلان الدولة الفلسطينية المستقلة، فالمعاناة الفلسطينية متواصلة واليوم تحاول إسرائيل خلق وفرض شروط جديدة على الفلسطينيين لانجاز أي “تقدم” غير واضح للعيان، من اجل الدخول في مفاوضات سلام تكون مجرد علاقات عامة، تسير وفق أهواء حكام تل-أبيب.
باقة الغربية 48
1/10/2009