في الذكرى الاربعين لرحيل صقر اللجنة التنفيذية مدرسة سمير غوشة تتواصل في تخريج الأجيال على
ذات الدرب في خندق النضال
بقلم :حسني شيلو
رحلت عنا جسدا ،وبقيت في قلوبنا أبا حنونا ،وقائدا فذا ،ومعلما ملهما.في 3/8/2009 ،ودعتك فلسطين فارس القدس ،بقلوب يعتصرها الألم ومراراة الفراق،بكتك القدس بحاراتها وأزقتها ،وودعت فلسطين من رفح الى جنين رمزا من رموز الكفاح والعطاء ،رجلا من أنبل وأصلب الرجال ،عاش وقضى من أجل فلسطين ،من أجل الكادحين والفقراء ،لم تبني القصور ولم تترك الارصدة ،بل بنيت مدرسة فكرية وسياسية وأخلاقية ،فلم تكن يوما لنفسك ولم تكن يوما لذاتك ،ولم تعش حياتك كما ينبغي أن تكون ،كنت دائما لشعبك ولقضيته التي أسكنتها عقلك وقلبك.
خمسة وخمسين يوما ،إنقضت ،ولم تفارق قلوبنا ،باق فينا مع إشراقة كل شمس ،وتغريدة كل عصفور،وولادة كل طفل ،وصرخة كل مظلوم،لن نرثيك ولن نبكيك،بل نندم على كل لحظة لم نقضها بجانبك ومعك،عرفناك مناضلا صبورا،إنسانا طبيبا،مفكرا عظيما،وقائدا وحدويا،متمسكا بالثوابت والمباديء تاركا بصمات واضحة في مسيرة الثورة الفلسطينية المعاصرة عبر انخراطك بها طيلة خمسة عقود متواصلة،تلك البصمات تدلل أنك وإن رحلت بجسدك،لكن فكرك وتجربتك النضالية ومواقفك،تبقى مصابيح تضيء الطريق لرفاقك وإخوانك في الحركة الوطنية ولأبناء شعبنا، ولتبقى هذه السيرة العطرة والتجربة الفذة في وجدان وأعماق رفاقك، وعموم الكوادر والمناضلين التواقين للحرية.
من لم يعرف صقر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية الدكتور غوشة ،الذي تنقل بين مختلف ساحات العمل الوطني ،حاملا الهم الفلسطيني من محفل إلى محفل ،مؤمنا بنصر قضية شعبه ، واقفا ضد كل المحاولات الرامية لإيجاد بديل عن المنظمة ، لقد شغل الدكتور غوشة عضوية اللجنة التنفيذية للمنظمة من عام 1991 وبقي فيها إلى أن رحل ،وطيلة وجوده في هذا الموقع القيادي التنفيذي ،أمن بقوة أن المنظمة التي اكتسبت شرعيتها عبر ممارسة فصائلها المقاومة بأشكالها المختلفة،هي الممثل الشرعي والوحيد لشعبناوهي التي تحدد المصالح الوطنية العليا عبر إمتلاكها للقرارالوطني المستقل، هذا الموقف لم يمنعه من ممارسة معارضة إيجابية
في موقعه،وطالب باستمرار أن يتم تفعيل واصلاح مؤسسات المنظمة بما يتناسب مع المرحلة،نعم يا صقر اللجنة التنفيذية لقد جسدت كل اقوالك بأفعال فانت من قال ” إن القلاع تتساقط من داخلها إذا لم تصلح أوضاعها الداخلية”،لذلك حرصت على الوحدة الوطنية في خضم الانقسام واستفرادنا ببعضنا البعض وشرعنا بتسليط سيوفنا وفوهات بنادقنا صوب جسد وصدر وحدتنا وتلاحمنا ،واصبحنا نعيش على أزيز رصاصنا الطائش وتصريحاتنا الهائجة ،ونسينا أن تناقضنا الرئيس مع الاحتلال الذي يسعى لتهويد القدس وبناء الجدار العنصري والاستيطان .
أبي الحنون ،،،،
لقد عودتنا على غيابك ولكننا لم نعتد ألا تعود،فمع بزوغ كل يوم جديد،أبدأ بمراقبة عقارب الساعة لأنتظر تلك الرنة الهاتفية من رفيقي رائد وأحمد لأستعد وأجهز نفسي لملاقتك بطلتك البهية، ووجهك البشوش يكلله التواضع، معلنا بدء نهار جديد ، تملأه ابتسامة الأمل والحب والتفاؤل ،لاتعلم منك درسا جديدا ، نعم بكل أسى وحرقة قلب،فبعد وفاة والدي ،وجدت فيك عاطفة الابوة لكن الحظ لم يسعفني لتبقي قدرا أكبر معي ،لقد كنت انتهز غياب رفيقي أبو أشرف ،لأنسل الى مملكته لأعد لك كوبا من الشاي حتى اكون بقربك ،أتأملك أتعلم منك التواضع ،طيب الحديث، والعشق و الصدق والاخلاص للعمل ،والاصرار والعزيمة .
إن الرفاق يرتعشون لسماع خبر فراقك،ينسجون الحزن ،ويعانقون الدموع ،كنت الأب الصبور على رعايتهم ،وتحملهم ،رغم معاناتك وألمك ،فلم يطل مشوارك بيننا،رحلت سريعا قائدنا،نبكي ماذا نبكي فيك،فكرك الراقي،تسامحك وتواضعك،قلبك الطيب،هامتك الشامخة،دماثة خلقك،طيبة معشرك،سداد رأيك ،هدوء حوارك،نعم سنبكي فيك،الأمانة ،الدفء،الحنان، رحابة الصدر،نبكيك لأنك تركت الجميع والجميع يحتاجك.
قائدنا معلمنا رمز عزتنا،،،،
راهنوا كثيرا ،وتحدثوا سرا وعلانية ،شمتوا وربما فرحوا ،بأن جبهتنا فقدت بوصلتها ،لم يكونوا يدركوا ،لم ينهلوا من فكرك،لم يتعلموا من مدرستك،لم يعرفوا قيمتك،فقط أتقنوا كيل الانتقادات والاتهامات وبرروا عجزهم في عدم تحمل المسؤوليات ،لكن مدرسة النضال التي بنيتها خرجت كطائر الفينق أشد صلابة اقوى ثباتا على مواصلة الدرب ،فاهم رفاق الدرب يسيرون وبخطى
واثقة في كتيبة المناضلين في الصفوف الأولى في خنادق النضال الشاق والطويل عبر مسيرة كفاح ونضال شعبنا الفلسطيني ، نحو تحقيق أهدافنا الوطنية المشروعة .
أرسيت لنا معالم الطريق ووضعت لنا ميثاقا لديمومة المسيرة رغم كل الصعاب والتحديات ، فها هي مدرسة سمير غوشة تتواصل في تخريج الأجيال وتواصل ذات الدرب بكل عزيمة وإصرار،فربان السفينة لم يتراجعوا فهاهم رفاق دربك الذين تتلمذوا على يديك باقون على العهد وعلى ذات الخطى .
لم تعمد نشر صورتك في حياتك ،وها نحن نراها في كل موقع ،ونشرة وصحيفة ،وفي عين وقلب كل رفيقة ورفيق ،هكذا أنت دوما علو في الحياة ،وفي الممات .
نعم رحل صقر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية،فارس القدس ،العملاق ذو السيرة الحسنة التي كانت ملء السمع والبصر لما إشتهر به من مناقب أجمع على مصداقيتها جيله المعاصر ،الجيل الذي أحبه ،ويعجز لوحاول إنصافه بتأبين طيب ،أو بحفل تكريم ،أو بقصيدة رثاء أن يوفي له حقه .