عمالنا البواسل وظلم ذوي القربى
* بقلم النقابي : خالد الزغل
منذ بداية السلطة الوطنية ، ورغم مناشدات ودعوات الاتحادات العمالية ونقاباتها العاملة،ورسائلها التي لا تعد ولا تحصى ، والجلسات والندوات والمؤتمرات وورش العمل حول واقع العمل والعمال ، وحجم المعاناة والمأساة التي يعيشها عمالنا الفلسطينيين البواسل والظلم الواقع عليهم ، مما يعكس نفسه سلباً على واقع الإنتاج والتنمية وبالتالي على الوضع الإقتصادي الفلسطيني برمته ، كون هذه الشريحة الأكثر إنتاجاً والأكبر حجماً في المجتمع الفلسطيني واقتصاده .
إلا أن هذه الدعوات والمناشدات تذهب ادراج الرياح ، ولا مغيث ولا مستجيب ، حتى ما تم إنجازه إذا صح القول أن هناك ما تم إنجازه ولا يزال دون تنفيذ أو لا يفي بالغرض المنشود للرقي والنهوض بواقع العمل والعمال والحركة العمالية ، اللهم قانون العمل الفلسطيني والذي تم إنجازه من المجلس التشريعي عام 2000 لكن دون التزام أو إلزام لدى الغالبية من مؤسسات العمل في وطننا الحبيب بهذا القانون حتى برامج البطالة والتشغيل والتي كانت عناوين أسماء أكثر منها برامج فعلية لم تساهم في الحد من البطالة ، ورافقها الكثير من الأخطاء والتسيب وكانت برامج إغاثة وليست برامج تشغيل ولم تستمر .
الأهم من كل ذلك واقع البطالة والفقر الذي عجز ويعجز السوق المحلي عن استيعاب آلاف العمال اللذين حرموا العمل داخل الخط الأخضر أو خريجي الجامعات سنوياً .
مما يضطر الكثير منهم الهجرة للخارج بحثاً عن فرص للعمل . ومن تبقى من عمالنا يعمل داخل إسرائيل سواء بتصريح أو بالتهريب ، يتعرضوا يومياً لشتى صنوف القهر والإبتزاز والسرقة وحتى الإعتقال أو الموت .
كل ذلك لم يقابله أي خطوات أو قرارات حقيقية لدعم العامل الفلسطيني المناضل لا في الوطن ولا في الشتات ولا حتى داخل إسرائيل ، فلا ضمان اجتماعي يحمي العامل في تقاعده وشيخوخته ومرضه ، ولا برامج بطالة تمنح العامل راتباً مناسباً أُسوة بباقي شرائح المجتمع من أسرى وشهداء وجرحى وقضايا اجتماعية في الشؤون ، طالما بقي رغم إرادته عاطلاً عن العمل ، ولا تأمين صحي مناسب يكفل علاجه و أسرته ، حيث لا يفي تأمين الإنتفاضة بالغرض ، ولا محاكم عمالية تحصل حقوق كثير من العمال اللذين يتعرضون لحوادث العمل والتي منها ما يؤدي إلى إعاقات دائمة وبالتالي فقدان الأسرة إلى المعيل الوحيد أو الأساسي في البيت ، وأمام ترهل القضاء غالبية القضايا العمالية لا حلول لها عبر سنوات طويلة يبقى فيها العامل المكلوم دون دخل ودون سند أو دعم . ولا يوجد برامج تأهيل وتدريب للعمال العاملين تحديداً في القطاع الخاص إلا البعض القليل ممن تتطلب مصلحة أعمالهم تدريب عامل أو أكثر للتطوير والتحديث ، ولا برامج أو مشاريع تهدف إلى رفع مستوى العامل اقتصادياً أو اجتماعياً كنوع من الحوافز والتقدير من مشاريع إسكان وإعفاء أبناء العمال من رسوم التعليم أو أي مشاريع تعاونية يساهم فيها العمال لتنمية مواردهم المالية … إلى آخره .
أما حول واقع عمالنا في سوق العمل الفلسطيني ورغم قانون العمل الفلسطيني وما جاء به من حقوق ولا بأس بها للعامل ، ورغم الرقابة الهشة على قضايا الصحة والسلامة العامة للعامل داخل مواقع العمل ، إلا أن الإستغلال قائم للعامل الفلسطيني في الأجور حيث لا تحديد لحد أدنى للأجور ولا وجود لأي مساواة في الأجرين للرجل والمرأة ، وأن الغالبية من أرباب العمل يستغلون حاجة العامل للعمل أمام إغلاق كل الأبواب أمامه ، وكثرة الأيدي العاملة العاطلة وبالتالي صاحب العمل جاهز للتبديل والتغيير لأي عامل قد يتسبب له بوجع رأس أو كثرة تساؤل أو اكتشف أنه يفهم قليلاً بقانون العمل ، ناهيكم عن عدم الإلتزام لدى الكثيرين من توفير وسائل الوقاية والحماية للعامل أثناء عمله مما يتسبب في حصول حوادث منها مميتة وأمراض مزمنة قد تكلف العامل علاجاً أكثر مما دخل عليه من هذا العمل خلال سنوات عمله فيها .
ولا يزال قانون التنظيم النقابي غير مُقر من المجلس التشريعي ، هذا القانون الهام جداً والذي ينظم العمل النقابي وينظم العلاقة فيما بينها ذاتها ومع الوزارة ذات العلاقة في السلطة الوطنية ، ان غياب هذا القانون وتنفيذه يتسبب في الفوضى النقابية للحركة العمالية وتسيبها وتعددها ويضعف من قدرتها فوق الضعف القائم من ضعف مواردها المالية وغياب الرقابة الفاعلة عليها والمحاسبة . والإهمال القائم من الحكومة تجاه هذه النقابات أو الاتحادات العمالية لما تمثله من حركة لشريحة كبرى في المجتمع والإقتصاد ولأهمية دورها في البناء والتنمية وحماية العامل الفلسطيني ودعمه وتأهيله .
أما عن عمالنا اللذين يعملون في المنافي فحدث ولا حرج فلا سلطة ولا علاقة بهم ولا حماية لهم ، اللهم بعض اللقاءات الدبلوماسية التي تناشد وتتمنى ، في ظل غياب اتفاقيات مع الدول التي يعمل فيها عمالنا لاسترداد جزء من العزيمة المفروضة عليهم أسوة بدول أخرى .
أو خضوعهم لقوانين الدولة وحقهم في الإندماج في النقابات العمالية المحلية أو تحصل حقوقهم في حال العجز أو التقاعد أو الفصل … إلى آخره .
أمام هذا الواقع المأساوي الذي يعيشه عمالنا البواسل ..عمالنا المناضلين ممن أستشهدوا أو جرحوا أو أسر عمالنا المنتجين البناءين المساهمين أساساً في تنفيذ خطط التنمية والبناء والإنتاج .. واللذين يتعرضون كل يوم للقهر والظلم وهم الأقل حظاً وعدلاً من حيث الحماية والامتيازات الأخرى .
أمام كل ذلك لا يمكن أن نتصور اقتصاداً قوياً وناجحاً ، ومجتمعاً سليماً تتحقق به العدالة الاجتماعية ، وتبقى البطالة وستبقى الفوارق الاجتماعية سيفاً مسلطاً على رقابنا تهدد نسيجه الاجتماعي وتوفر فرص أكبر للأعداء للإختراق والتخريب .
فهذه دعوة بل دق ناقوس الخطر للشركاء الثلاث وفي مقدمتها الدولة ، على ضرورة الإلتفات والإعتناء بالعامل الفلسطيني ، وتحقيق حقوقه ومتطلبات إبداعه في البناء والإنتاج ، والعيش بكرامة حتى يتمكن من تحقيق أقصى درجات العطاء والإنتاج والنضال ، ودعم حركته النقابية العمالية كشريك أساسي في عملية البناء الإقتصادي والإجتماعي .
نائب الأمين العام للاتحاد العام لعمال فلسطين
طولكرم