غزة الشكوى من الجفاف والشكوى من المطر!!!
بقلم :يحيى رباح
الناس في قطاع غزة، هذا الشريط الضيق من الأرض الذي ولد من رحم النكبة، وتخنقه المعادلات الإقليمية والدولية، وضعوا أيديهم على قلوبهم بعد أن انتصف شهر كانون الثاني يناير الحالي دون أن ينزل المطر!!! فهم يعانون أصلاً من شح المياه الصالحة للشرب والصالحة للزراعة، والتقارير الدولية والمحلية تحدثت عن ارتفاع نسبة الملوحة في خزان المياه الجوفية الذي يغذي قطاع غزة، وذلك لأسباب كثيرة من بينها مصائد المياه التي أقامتها إسرائيل قريباً من حدود قطاع غزة، وهذه المصائد المائية تأخذ شكل السدود التي تقيمها إسرائيل على مجاري السيول التي تتدفق في فصل الشتاء، فتمنع مرور هذه السيول من الوصول إلى قطاع غزة!!! أو الآبار التي تحفرها إسرائيل وتسحب منها كميات كبيرة من المياه من الخزان الجوفي الذي يغذي القطاع.
وكانت إسرائيل طيلة فترة احتلالها لقطاع غزة، الذي مازال مستمراً بشكل غير مباشر، قد أقامت أكبر مجمع للمستوطنات “غوش قطيف” بين دير البلح وخانونيس، فوق خزان المياه الجوفية مباشرة!!! ولكنها بعد انسحابها من القطاع في خريف 2005، قامت بهدم المستوطنات، وتخريب البنية التحتية الملحقة بها، وخاصة شبكات المياه، حتى لا يتمكن أهل القطاع من الاستفادة من هذه الأرض التي كان المستوطنون الإسرائيليون يستفيدون منها زراعياً بمئات الملايين من الدولارات سنوياً.
مشكلة المياه في قطاع غزة هي أبرز عناصر المشاكل المتفاقمة التي يعاني منها القطاع. ، وهي جزء من التصورات الإسرائيلية والخيارات الإسرائيلية التي دفعتها للانسحاب من القطاع، حتى لا تتحمل أية مسؤولية عنه.
وقد طرحت مشكلة المياه منذ اللحظات الأولى لإقامة السلطة الوطنية في العام 1994، فإسرائيل لا تعطي الشعب الفلسطيني حصته من المياه، وتحلية مياه البحر مكلفة للغاية لمواطني القطاع الذين معظمهم فقراء، ثم إن إقامة مشاريع تحليه المياه قبل الحصول على حصتنا المشروعة من المياه، معناه التسليم لإسرائيل بما تسرقه من مياهنا.
أقول ذلك، لأذكر أصحاب الشعارات الكبرى بنوع المشاكل المتفاقمة التي يواجهها قطاع غزة، والتي تزداد صعوبة كل يوم، فهناك المياه، وهناك الفضاء البيئي، لأن مساحة الأرض تتقلص كل يوم بسبب البناء، وبسبب الفوضى وعدم اعتماد معايير صحيحة، فأين سنقيم طرقنا ونبني مدارسنا وجامعاتنا والمراكز الطبية مع كل تزايد مؤكد للسكان؟؟؟ بل أين سنقيم مقابرنا؟؟؟
وهذه الحقائق لها علاقة صميمة بالسياسة، لأن قطاع غزة يستحيل أن يعيش لوحده، ولا يصلح بالمطلق لإدارة حياته إذا لم يكن جزءاً من الكل، أما الأوهام التي تتراقص أمام البعض بأن قطاع غزة يمكن أن يصبح نموذجاً مستقلاً ومكتفياً، وقادراً على استيعاب كثافته السكانية المتزايدة فهذا الكلام مثير للسخرية ليس إلا.
قطاع غزة يجب أن يكون عضواً من الكل الفلسطيني، من الدولة الفلسطينية المنشودة، وأن يتمتع بعلاقات مفتوحة مع جيرانه حتى يتمكن من الحياة.
المهم،
أننا قبل أيام، كنا نضع أيدينا على قلوبنا خوفاً من أن لا يأتي المطر، وصلينا في المساجد والساحات صلوات الاستسقاء، ثم، فجأة، جاء المطر، وتدفقت السيول، وغرق وسط قطاع غزة في أوحاله ومآسيه، وسارعت إسرائيل إلى نفي فتح سدودها التي تحتجز المياه، وانتقلنا في مشهد غير معقول من الشكوى من الجفاف إلى الشكوى من المطر!!!
قطاع غزة الذي يقبع منذ سنوات تحت سقف الانقسام العبثي، وتحت سقف الحصار الإسرائيلي المجرم، وتحت أكوام الركام التي خلفتها حرب إسرائيل الأخيرة، ليس بيده أن يفعل شيئاً، فأقداره في يد غيره، وليس في وسعه سوى شيء واحد، الانفجار، نعم الانفجار، الذي تتراكم عناصره شيئاً فشيئاً، وربما يكون الانفجار هو الحل الوحيد.