زمن الرهانات الخاطئة
بقلم : يحيى رباح
متجاوزاً أكثر التوقعات تشاؤماً، فإن الانقسام الفلسطيني، الذي خططت وهيئات له إسرائيل بإتقان شديد، وأرادته ونصحت به وشجعته بعض الأطراف العربية، وبعض الأطراف الإقليمية، هذا الانقسام يواصل الحياة، ويواصل الاستمرار، ويواصل تداعياته السلبية من عناوين السياسة إلى تفاصيل الحياة اليومية، لأن الانقسام في حياتنا الفلسطينية أشبه بالنباتات المتسلقة أو الكائنات الطفيلية، من أجل أن يعيش بالحد الأدنى فإنه يدمر الحياة الأساسية من حوله، وهكذا هو الانقسام الذي يدمر المشروع الوطني مقابل الاستمرار بالتشبث بخيارات وهمية، والحقيقة التي تتجلى كل يوم، أنه لا أحد على الإطلاق قادر على الاستفادة من الانقسام الفلسطيني سوى طابور الأعداء تتقدمهم إسرائيل بطبيعة الحال رغم الادعاءات المحلية والعربية والإقليمية الفارغة.
القوى العربية والإقليمية المتشبثة باستمرار الانقسام الفلسطيني، تحاول أن توحي لإسرائيل والقوى الدولية، أنها شريك موضوعي في اللعبة، وأن لها أذرعاً في الميدان، وأن لها كلمة فيما يقال؟
فهل هذا حقيق أم مجرد وهم؟
و بغض النظر عن خسائرنا الفلسطينية الباهظة والموجعة، نتيجة هذه الادعاءات من بعض الأطراف العربية والإقليمية، فإن الحقيقة الواضحة تقول أن هذه الأطراف تزداد تورطاً وضعفاً وهامشية، ولو أنها ساهمت بجهدها في رأب الصدع الفلسطيني، وفي دعم المشروع الوطني الفلسطيني، لقدمت نفسها إلى شعوبها أولاً وإلى العالم بشكل أفضل مما هو عليه الآن، لأن موقفها المتشبث بالانقسام اعتمد على قاعدة رفض المصالحة العربية، وعلى قاعدة تأجيج الصراع الطائفي، وعلى قاعدة رسم مخاوف كبيرة باتجاه المستقبل تستفز الإخوة والأشقاء والجيران، وتفقد تلك الدول مشروعية قضاياها المحقة، ومن الواضح أن إسرائيل التي تجد نفسها مكشوفة على الصعيد الدولي الذي يصعد إلى إجماع نادر بخصوص مشروع الدولة الفلسطينية، تجد نفسها مغطاة بأكثر مما كانت تتوقع نتيجة السلوك السيئ والمفضوح النوايا لبعض تلك الأطراف العربية والإقليمية ضد المشروع الوطني الفلسطيني.
و على المستوى الوطني: فإن من يراقب الخطاب السياسي الذي يحاول شرعنة الانقسام، وتبرير الانقسام، والتشبث بالانقسام، أنه خطاب ينحدر إلى دوامة الحد الأدنى، فعندما يسلم طرف بالانقسام، فإن كل الممارسات الراهنة والرؤى المستقبلية تنطلق من الانقسام كنقطة قياس، ويصبح القياس أننا بألف خير لأننا لم نمت، وهي فكرة شمولية عاجزة سادت بعد هزيمة الخامس من حزيران عام 1967، حين انطلقت تلك الأصوات لتقول، ليس المهم احتلال الأرض إنما المهم عدم سقوط النظام الحاكم، وحدها الثورة الفلسطينية العظيمة، هي التي أخذت على عاتقها إسقاط هذه المنطق، وتشكيل رافعة سياسية ومعنوية وميدانية فحواها أن الفعل المقاوم على مختلف الأصعدة هو الخيار الصحيح وليس هذه المقولات المخادعة.
و التشبث بقياسات الحد الأدنى يقود أصحابه إلى الكارثة، فهل يبقى الانقسام ونظل نفتخر أننا أحياء؟ وهل يستمر التآكل تحت ادعاء أننا نمثل مشروع الأمة؟ وهل نتخلى عن الثوابت الوطنية من حق المقاومة، إلى ضرورة الوحدة الوطنية، إلى قداسة مشروع الاستقلال وإقامة الدولة، انتظار لمعجزة غامضة تأتي من رواء حدود الغيب؟
حتى الرهانات الصعبة، فإنه يجب أن يتوفر لها بعض الشروط الموضوعية، فما هي العناصر والشروط الموضوعية المتوفرة لخيار الانقسام والتشبث به سوى الكارثة؟
إن النجاح الوحيد الذي يمكن القياس عليه هو الاعتراف بأن الانقسام كان الخطيئة الأكبر، والخدعة الأكبر، وأن الخلاص منه هو وحده الذي يمكن الفلسطينيين من إنقاذ أنفسهم من تفاعل المحنة.