حوار اميركا مع العالم الاسلامي حوار حرب لا حوار سلام
بقلم الكاتبة والاعلامية:وفاء البحر
ان عناوين المرحلة الراهنة تشير جميعها الى ان منطقة الشرق الاوسط في طريقها الى حرب تقودها اسرائيل وتدعمها اميركا .
فاسرائيل تهدد وعلى لسان المتطرف ليبرمان “دمشق الاسد” ، بحرب مثيلة بالحرب ضد “عراق صدام” ، يتبعه تصريح آخر او تهديد آخرموجه الى لبنان على اعتبارها وكما صرح احد القادة العسكريين الاسرائيليين ” بانها دولة من ورق وان جنوب لبنان بيع لحزب الله ” هذا اضافة الى تهديد حركة حماس والتي جاءت مقدماتها باغتيال المبحوح .
اذن المقدمات والمؤشرات بما نشهده من تصريحات وتصريحات مضاده ،تقول :” اننا على ابواب حرب”، وحرب تختلف في السيناريو المعد لها عن حرب تموز 2006 ضد لبنان او الحرب التي شنتها اسرائيل في اواخر عام 2008 ضد قطاع غزه .
ان المحلليين السياسيين والمراقبين لما يجري من تصعيد اعلامي وجدل ساخن ما بين ما يطلق عليه محور الاعتدال ومحور التطرف ، ان المعركة القادمة اما ستكون ضد ايران او حزب الله او حركة حماس او ايران او سوريا .
ولا انفصال في المشهد عن بؤر الصراع وحروب اميركا في العراق وافغانستان وباكستان واليمن ، ان الحرب في اليمن لا يمكن ان ينظر اليها على انها حرب بين السلطة الحاكمة وفئة مارقة تسعى الى تفكيك النظام الحاكم ، انها حرب سيادة وحرب ضد المصالح الاميركية في منطقة الخليج العربي .
حروب وصراعات ، في العراق وافغانستان باكستان واليمن وفلسطين ، اشكاليات جوهرها القضية الفلسطينية ،و دائما الولايات المتحدة الأميركية لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بكل هذه القضايا التي تشكل إشكاليات بحد ذاتها ،تحول دون صياغة علاقات اميركية عربية اسلامية .
بالامس القريب احتضنت قطر اعمال المنتدى الدولي للحوار الاميركي الاسلامي الذي عقدت اعماله في الدوحة، العاصمة القطرية، وذلك بحضور العشرات من المفكرين والسياسيين والاقتصاديين والاعلاميين من العالم الاسلامي ونظرائهم في اميركا ، فالحوار الذي يجري و للمرة الخامسة هو حوار نخب ، الامر الذي وصفه بعض المتحدثيين السياسيين العرب بحوار ” الترف الفكري ” ، هل هو فعلا ترف فكري ام هو حوار جاد تبغي منه اميركا ، تحسين الاجواء والعلاقات مع العالم الاسلامي، ما يؤسس لعلاقات متوزانه متساوية وبخاصة اننا نحن نتحدث عن عالم اسلامي يبلغ عدد دوله حوالي الخمسين و يزيد عدد سكانه عن المليار مسلم ، فالعالم الاسلامي هو كتلة قوية تدركها اميركا لولا ما يعانيه من اثنية وعرقية وتخلف تنموي واقتصادي وتنكولوجي ، الا ان ذلك لا يلغي قوة العالم الاسلامي وقوة بعض دوله التي استطاعت ان تحقق قفزة في سلم التطور الحضاري مثل ، ماليزيا وتركيا وغيرها من الدول الاسلامية .
ولكن نعود للتساؤل هل اميركا جادة في الحوار وما هي الجدوى من وراء هذا الحوار ولماذا لم يؤسس لغاية الان لتقريب وجهات النظر بين كلا الجانبين ، واين هي الفرصة الجيدة من عقد هكذا منتديات ولماذا اميركا تخاف من التحاور مع الاطراف المعنية بالحوار اذا كانت هي فعلا جادة في اقامة علاقات تشبه علاقاتها بالكيان الاسرائيلي ؟.
فاسرائيل هي الثابت في هذه العلاقات والعرب هم المتغير ، فعلى ماذا يتحاور المتحاورن ، وهل هذه النخب المثقفة قادرة فعلا على ردم الفجوة بين اميركا والعالم الاسلامي ، اذا كانت الاشكالية محورها وجوهرها تعنت الجانب الاسرائيلي الذي يهرب من استحقاقات السلام وتنفيذ الاتفاقات الموقعة مع السلطة الفلسطينية ، ويمارس دور الشرطي الحارس للمصالح الاميركية في المنطقة ، ويمثل كذلك بقايا الاستعمار ، في منطقة الشرق الاوسط بابشع صوره .
ان النخب المتحاورة في هكذا منتديات لا تخرج عن كونها ” حوار طرشان وعميان ، وحوار صدق في وصفه احد المحلليين السياسيين عندما قال :” النخب الفكرية والدينية حضورها في حوار لا تملك فيه سوى “إسداء النصيحة”، وهي التي أصلا تشكو التهميش والاستبداد في بلادها، هذه العوامل وغيرها تتوج الملتقيات بتوصيات يتكفل بها الواقع حال صدورها، عوض أن يجسدها يبقيها على صورتها الأولى: حبراً على ورق! .
هناك من يقول او صاحب رؤية لماذا لا نتحاور ولماذا لانلتقي ولماذا لا نضع الرؤى والتصورات للمشاكل القائمة على الارض ، لما يساهم في اعادة صياغة العلاقة ما بين العالم الاسلامي واميركا ؟.
الاجابة بالمطلق ، لا ، ولا يفهم في ذات الوقت اننا ضد الحوار وضد ترتيب العلاقات مع أعظم دولة في العالم ، وبخاصة على المستوى الاقتصادي ، الذي باعتقادي ان هذ الجانب لا اشكالية فيه ، فمن ذهب لهذا المؤتمر لعقد صفقات اقتصادية فباعتقادي قد حقق الصيد السمين ، فاميركا ووزير خارجيتها هيلاري كلينتون هي من أنصار السوق الحر ، كما هي من أنصار الحرب ومع تقوية وزيادة معسكر الاصدقاء مقابل معسكر الاعداء . اما من حيث الجانب الثقافي ومسالة الحرية والعدالة والديمقراطية هذه الشعارات التي رفعتها ادارة بوش الابن لازالة نظام عربي باكمله ، لم تعد اليوم هي المطلب الاميركي في ظل ادارة اوباما من الحكام والزعامات العربية ، اذن تبقى الاشكالية كما ذكرنا في المقدمة هي القضية الفلسطينية ووجود اسرائيل عقبة في احلال السلام واحقاق الحقوق المشروعة للفلسطينينين في تقرير للمصير وعودة للاجئين واقامة الدولة المستقلة .
فما هو المطلوب اميركيا من وراء عقد هذه المنتديات والمؤتمرات ، هل هو التعرف على النخب الفكرية ، واين هي توجهاتها ولصالح من تصب من محاور في العالمين العربي والاسلامي ، ام ان المطلوب تحضير المنطقة لحرب جديدة ، تريد من هذه النخب ان تكون شهود عليها ؟
ان من تابع المؤتمر الصحفي الذي عقدته هيلاري كلينتون لعدد من الاعلاميين العرب ، يخلص في القراءة الاولى الى ان كلينتون لديها اجندة محددة وواضحة ، لعل ما يستقرأ في عناوينها الاولية، اولا : العمل على اختراق النخبة المثقفة في العالم الاسلامي . ثانيا : خلق التفاف عربي / اسلامي على مستوى صانعي القرار والطبقة السياسية والاحزاب السياسية حول ايران والملف النووي الايراني ، وكذلك حول ما تطلق عليهم اميركا مسمى” الجماعات الارهابية”، ممثلة بحماس وحزب الله وايران ،معززة مفهوم أن منطقة “الشرق الاوسط الكبير” على حد وصفها يجب ان يكون خال من اسلحة الدمار الشامل ، متناسية كلينتون ان اسرائيل اكبر دولة نووية في الشرق الاوسط .ولعل العالم العربي والاسلامي أكثر اليوم تقبلا لهذه البضاعة التي يروج لها ، على اعتبار أن من يسكن البيت الابيض اليوم هو من اصل مسلم وان كل ما سبق التاريخ الامريكي يجب ان يشطب من الذاكرة ، فاليوم علينا ان نؤسس لتاريخ وعلاقات جديدة مع البيت الابيض ومع رئيسها الشاب اوباما ، وكأن اوباما بتركيبة ادارة رئاسته العجيبة الغريبة و غير المتوازنة والمتواءمة بالتوجهات والاراء والافكارحول الشرق الاوسط وحول كيفية ادارة العلاقات معه ،هو افضل ممن سبقه من الرؤساء الاميركيين.
وعودة سريعة للتاريخ ، وفي اعقاب الحرب العالمية الاولى ، وامريكا حينها ما زالت قوة صاعدة ، وفر الرئيس الامريكي ولسون صاحب المبادئ الاربعة عشر الشهيرة، والتي اصدرها في الثامن من كانون الاول /يناير 1918 ، دعما غير موصوف لاسرائيل ، علما في حينها ان القادة العرب الذين شاركوا بالمال والسلاح الى جانب الحلفاء استبشروا خيرا بالقوة الجديدة واعتقدوا ان الخلاص من الاستعمار قد اصبح على الابواب وخاصة ان الرئيس ولسون اكد في النقطة ال12 من هذه المبادئ على حق مصير الشعوب العربية التي كانت تحت الحكم العثماني، بالامن والاستقلال : ” بانه يجب ان يضمن لها حياة كريمة آمنة لا ريب فيه وان يتاح لها بدون عائق فرصة التطور المستقل” ، ولكن العرب لم يروا الامان ولا الاستقلال ، وان كل من حكم في اميركا هو محكوم اولا واخيرا للوبي الصهيوني الذي برع في تبرير حرب ال 67 ، هذه الحرب التي شكلت كارثة للشعب العربي والاسلامي ، حيث استطاع عبر آلة الاعلام ان يسوق للعالم قاطبة انه يعيش وسط محيط من الاعداء وان جمال غبد الناصر ينوي ان يشن حربا تبيد دولة اسرائيل علما وهذا ما اثبتته الوثائق ان عبد الناصر لم يكن في نيته على الاطلاق ان يشن حربا على اسرائيل، لانه كان يؤمن وفقا لمبادئ ولسون ان اميركا ستكون نصيرة للشعوب المستضعفة في الارض ، الا ان ما يعرفه القارئ من حيثيات هذا التاريخ قد أثبت عمق التحالف الاستراتجي ما بين امريكا واسرائيل ، واثبتت فصول الرواية خطأ عبد الناصر وان اميركا لا تختلف عن فرنسا وبريطانيا وان السياسة واحدة ، بالوقوف في وجه الحقوق العربية المشروعة .
واليوم لا تختلف الارضية ولا تختلف فصول الرواية ، فاسرائيل تطلق التهديدات والوعيد: ان كيانها وامنها مستهدف من ايران وحزب الله وحماس ، وان حربا على الابواب لحماية الاصدقاء من الاعداء وحماية السلام في المنطقة .
ان عقد هذه المنتديات يأتي في أخطر مرحلة تمر بها الشرق الاوسط ، والمقدمات تشير للنتائج ، ولا تشير الى ان المعطيات والمواقف قد اختلفت ، وان امريكا بمثقفيها ومفكريها واعلامييها ورجال الاقتصاد لديها ، قد ازالت تلك الصورة النمطية السلبية عن الشرق ووشعوبه ونخبه، فالفجوة منذ احداث الحادي عشر من سبتمر ما زالت هي الصورة ، والرؤى متناقضة ومتعارضة ومختلفة والهوة ما زالت شاسعة ما دامت القضية الفلسطينية ، جوهر الصراع دون حل وما دامت اسرائيل تعربد ، وامريكا تصنف العالم العربي والاسلامي ما بين محور الاعتدال ومحور التطرف ، الذي يجب العمل على محاصرته ومحاربته .
مرة اخرى نحن لسنا ضد الحوار ، ولكن ابسط مبادئ الحوار هو التعادل في ميزان القوة ، والوقوف على ذات المسافة من طرح القضايا ، والا فان الحوار سيبقى حوار مهزوم ومنتصر ، قوي وضعيف ، وحوار اجندات يطلب من متحاوريها تسويقها الى شعوبهم ، للمصادقة ضمنا على اية حرب قد تنشب في المنطقة .