صكوك براءة مجانية للعدو
بقلم :يحيى رباح
اعتقد أن الآلاف من الفلسطينيين والعرب وغيرهم الذين يتابعون قضية اغتيال الشهيد محمود المبحوح، لا يصدقون تلك الحكاية البسيطة، والسطحية، التي تتكرر يوماً بعد يوم، بأن مجموعة الموساد الإسرائيلي التي نفذت عملية الاغتيال، ووصلت إلى دبي بجوازات سفر بريطانية وايرلندية ونمساوية وفرنسية- سواء مزورة أو حقيقية- قد وقعت في فخ الكاميرات داخل الفندق الذي نفذت فيه عملية الاغتيال.
اعتقد أن هذه الحكاية فيها قدر كبير من السذاجة، التي لا يكاد يصدقها القرويون البسطاء في القرى النائية.
ففي كثير من دول العالم بما فيها العالم العربي، فإن الفنادق، والبنوك، والمؤسسات العامة، ودور العبادة والمحلات التجارية، يوجد فيها كاميرات تصوير، فما بالكم بدبي التي هي مدينة عالمية مفتوحة؟
وقبل شهور قليلة كانت ابرز عناصر قضية مقتل اللبنانية سوزان تميم هي الصور التي التقطتها الكاميرات في بناية سكنية لما قيل انه القاتل، فهل جهاز الموساد الإسرائيلي لم يكن يعلم أو حتى يفترض وجود كاميرات مراقبة في فندق من الدرجة الأولى في دبي ؟
أقول ذلك لألفت النظر إلى عدم الاستسلام لهذه الحكايات الساذجة، وان يعطي الفلسطينيون أنفسهم فرصة اكبر لمتابعة قضية الاغتيال بطريقة أرقى وأعمق وأدق من ترداد الحكايات الساذجة، والوصول إلى استنتاجات أكثر سذاجة.
وفي السياق نفسه فان لدينا في الساحة الفلسطينية انسياقا محزنا بل مخجلا في كثير من الأحيان وراء الروايات المعادية، وخاصة تلك التي تطلقها الصحف وبقية وسائل الإعلام الإسرائيلية، ومنها تلك الروايات المفبركة والتافهة التي توجه اتهام الفلسطينيين ضد بعضهم، مرتكزة في هذه المرحلة إلى حالة الانقسام المزرية، ومستغلة بشكل بشع حالة التشتت في الوعي الجمعي، والشعور بالدونية الذي يعتري بعض الفلسطينيين الذين يسقطون بسرعة في لعبة الإثارة ومتعة اتهام الذات.
ومثال على ذلك :- أن السلطات الأردنية سلمت سلطات دبي الأمنية اثنين من الفلسطينيين للتحقيق معهما، فصارعت حماس على الفور للادعاء أنهما في الأجهزة الأمنية للسلطة الوطنية، وأنهما يعملان مع عضو مركزية فتح محمد دحلان وبقية الروايات السطحية المتواترة التي لم تنتظر حتى قبسا من الحقيقة لاستجلاء هذه القضية الخطيرة المعقدة، قضية اغتيال الشهيد محمود المبحوح.
وكنا خلال الحرب الأخيرة على غزة قبل أكثر من سنة قد رأينا نفس الانزلاق المحزن، حين بدأ البعض يردد بنوع من الهوس أن هذه الحرب على الشعب الفلسطيني في غزة تمت بطلب من السلطة، وتمت بمشاركة السلطة……………….وهكذا دواليك !!!
الانزلاق الغبي على هذا النحو، والانجرار بسرعة لتحطيم الذات الوطنية، يرسم لشعبنا صورة مشوهة أمام العالم، ولكن الأخطر انه يقدم للعدو صكوك براءة مجانية، فهل هذا معقول ؟
لدينا كثير ما نختلف عليه، وهذا أمر طبيعي بحكم صعوبة نضالنا الوطني أمام خصم لا يستهان به، ولدينا كثير ما نتهم به بعضنا في إطار السجال السياسي المشروع، وفي إدارة حياتنا ابتداء من المفاوضات وانتهاء بالمقاومة وما بينهما، ولكن في كل ذلك يجب ألا نقع ضحية عمياء لكل ما يريده العدو لنا، هو يقتلنا في كل زمان ومكان، يقتلنا في فندق في روما أو ليماسول أو دبي، ويغتالنا بالسم أو كواتم الصوت أو القنابل الكبيرة لطائرات الـF16، أو عبر المداهمات والملاحقات والاجتياحات أو عبر الحروب الطاحنة، فيسارع بعضنا إلى اتهام بعضنا، ونقدم للعدو صكوك براءة، ونصور العدو الذي احتل أرضنا وتركنا أشتاتا في الأرض بأنه بسيط، وعاجز، وعديم القدرة، وانه لولا مساعدة جاسوس فلسطيني مفترض لما استطاع أن يفعل أي شيء.