قبل عقد القمة ….. هل يفهم العرب الرسالة ؟؟؟؟
بقلم الكاتبه والاعلامية :وفاء البحر
ان الحركة الصهيونية وعلى مدى اكثر من نصف قرن وهي تحاول جاهدة اقامة الدولة اليهودية الصهيونية الديمقراطية ، ذات الثقل العسكري والاقتصادي والسياسي في منطقة الشرق الاوسط ، وكذلك تولي زمام المبادرة في التعامل مع ما تدعيه من تهديدات استراتجية، تقوض وجود هذه الوطن القومي اليهودي على الارض الفلسطينية، وتقوض الاحساس بالامن الشخصي ، ما يحول دون استجابة الاسرائيليين لما يطلقون عليها “بالمعضلة الاخلاقية والادبية” ، لانهاء الصراع التاريخي، العربي/ الاسرائيلي ، والفلسطيني/ الاسرائيلي ، وذلك عبر مبادرة تاريخية تضمن المصالح الحيوية لدولة اسرائيل اليهودية .
هذا ما يكتبه المحللون والمفكرون والسياسيون اليهود ، واليوم يرون ان الصراع التاريخي بين العرب واليهود يقف عند مفترق طرق حاسم ، والبدائل المطروحة من قبل حكومة نتنياهو ، هي اربعة بدائل تتمحور حول :
اولا : استمرار الوضع على ما هو عليه ، اي لا سلام ولا حرب ، بمعنى اخر حالة اللاحرب واللاسلم ، وهذه الحالة تشبه وضع العالم في اعقاب الحرب العالمية الثانية ودخول الدولتين الاعظم الولايات المتحدة الاميركية والاتحاد السوفيتي – سابقا- في حرب بارده، وكنا نحن العرب اكثر من دفع ضريبة هذه الحرب .
ثانيا: السعي للتوصل الى اتفاقية سلام مع القيادة الفلسطينية الحالية .
ثالثا : اعادة احتلال الاراضي الفلسطينية وانشاء حكومة عسكرية .
رابعا : وهو الحل الذي يجمع عليه عشرات الباحثين والخبراء والفنيين : سياسة الفصل ما بين حدود دولة اسرائيل وحدود السلطة الوطنية الفلسطينية ، واستكمال بناء جدار الفصل العنصري على طول الحدود المادية مع ضمان وجود نظام امني فعال ما بين الاراضي الفلسطينية ، اذن الخطة السياسية المعروضة هي مزيد من الفصل، ما يضمن لاسرائيل “بالمنطق الامني”، على المستوى السياسي والديموغرافي والاجتماعي – وليس بالمنطق القيمي الاخلاقي – دولة يهودية خالصة بدون اصحاب الارض الحقيقيين .
ان هذا المخطط ، كما هم يعتقدون، لكفيل باخراج اسرائيل من مأزقها التاريخي ويحقق لها على الارض ما سعى اليه كل زعامات اسرائيل التاريخيين من امثال، هرتزل ووايزمان وبن غوريون وكل مؤسسي الحركة الصهيونية .
ولعل الاهم في هذه المبادرة او المشروع الاسرائيلي المعروف ، انه اذا لم تنشأ قيادة فلسطينية موحدة للوصول الى اتفاق الشراكة مع إسرائيل ، فإن إسرائيل سوف تقف عند ذات حدود الفصل المؤقتة والمستقرة ويمكن الدفاع عنها على حد قناعاتهم ..
اذن ان الحل عند حكومة نتنياهو المتطرفة ، اتخاذ قرار الفصل احادي الجانب، دون اللهاث وراء الشريك للاتفاق على الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني وذلك للاعتبارات التالية :ان اسرائيل من القوة ما يضمن الدفاع عن حدود الدولة اليهودية ، تقليص النسبة العددية من الفلسطينين العرب على ارضها في اضيق الحدود ، عدم السماح لاي فلسطيني بدخول اراضيها عبر نقاط الحدود الامنية وضمان بقاء القدس الكبرى عاصمة “للدولة اليهودية” ، وان تحقيق هذا المخطط او هذا المشروع السياسي الامني العسكري الاسرائيلي الذي يجمع عليه تل من الخبراء والفنيين والمحللين وحتى الاكاديميين الاسرائيليين، الذي عكف معهد فان لير الاسرائيلي على اعداده واصداره في كتاب ، كفيل له النجاح في ظل الانقسام الفلسطيني / الفلسطيني .
ان اسرائيل بالمطلق لا تريد السلام ، ولا تسعى نحو اقرار الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ، وان الاحداث على الارض لهي اكبر دليل على ذلك ، فاسرائيل تحشد كل قواها من اجل دفع الشعب الفلسطيني بكل اطيافه وشرائحه وفصائله الوطنية نحو ” انتفاضة ثالثه “، تشبه في مضامينها “انتفاضة الاقصى”، التي اندلعت احتجاجا على دخول شارون لباحات المسجد الاقصى ، فحكومة نتنياهو باعلانها عن نيتها المبيتة بضم المواقع الدينية الاسلامية الى قائمة التراث اليهودي / والمحاولات المتكرره لاقتحام باحات المسجد الاقصى ، وليس هذا فحسب بل الاعلان صراحة عن نيتها وضع قواعد حجر الهيكل الثالث وان اللحظة قد حانت لذلك . كل هذا يجري في ظل الدعوة الاميركية لاجراء مفاوضات غير مباشرة مع القيادة الفلسطينية ،بسقف زمني اقصاه اربعة اشهر وطبعا الوساطة اميركية يقودها المبعوث الاميركي جورج ميتشل.
وبالمنطق ، عن اية مفاوضات نتحدث ، وما هي اليات هذه المفاوضات ، وماذا يملك الوسيط الاميركي ميتشل من اوراق ضغط على الجانب الاسرائيلي ، وهل هناك ضمانات اميركية للاستجابة للمطالب الفلسطينية ؟
ان هناك الكثير من الاسئلة الصعبة التي تحتاج الى اجابات وخاصة ان السيد ميتشل جاء الى المنطقة اكثر من مره وقام بمفاوضات غير مباشرة بين الطرف الفلسطيني والطرف الاسرائيلي ولكن كان الرد الاسرائيلي على ميتشل وادارة اوباما ، ابتلاع المزيد من الارض الفلسطينية والمضي قدما نحو بناء جدار الفصل العنصري وحرمان الشعب الفلسطيني من حرية الحركة بزرع المئات من الحواجز الطيارة والثابته والعمل على سرقة التراث الفلسطيني واستباحة حرمة المسجد الاقصى ، واليوم ياتي ميتشل الى المنطقة دون ضمانات ودون وعود جادة ودون حتى مرجعية واحدة تجري في اطارها هذه المفاوضات اهمها ” وقف الاستيطان والحدود لوضع حد للاحتلال على الاراضي المحتلة عام 67 .
لذلك السؤال الابرز ما هي مرجعية هذه المفاوضات وماذا نريد نحن الفلسطينين والعرب وماذا تريد اسرائيل فهل هي جادة فعلا وجاهزة للتفاوض وهل في جعبة اميركا ما هو جديد من سيناريوهات تسفر عن حل عادل للصراع ؟
نؤمن ان المفاوضات هي وسيلة لحل الصراع ،ولكن لا نية اسرائيلة بحل الصراع بل ما تقوم به هو ادارة للصراع ، واعادة ترتيب ل اولويات هذا الصراع ،والا.. كيف يستوي الحديث عن المفاوضات في اجواء يشتم منها رائحة الحرب ، بل ان الحرب هي عنوان المرحلة المقبلة ، فاسرائيل غير معنية بالمسار الفلسطيني على الاطلاق وذلك لسببين : الضعف الفلسطيني جراء حالة الانقسام ما يضعف موقف الرئيس محمود عباس وتذهب بجهوده الدولية ادراج الرياح .
والثاني : ان اسرائيل تؤمن ان ما يقوم به محمود عباس من جهود دولية ورئيس الوزراء فياض من بناء داخلي تنموي هو تحت القبضة والاشراف الاسرائيلي ، فكل شئ مراقب وكل ما تقوم به السلطة الوطنية تحت السيطرة وفي لحظة واحدة يمكن تدمير كل شئ ومحاصرة وحصار كل شئ.
ونحن ندرك النوايا الحسنه والجاده والرغبة الصادقة لدى السلطة الوطنية بالتفاوض من اجل وقف الوتيرة المتصاعدة للاستيطان ، ولكن ما المختلف في المشهد الاسرائيلي منذ التوقيع في السادس عشرمن اذار / مارس على اتفاقيتي كامب ديفيد وما المختلف في المشهد منذ اول اعلان للرئيس الراحل ياسر عرفات في مؤتمر صحفي عقده في ستراسبورغ في 20/9/88 انه على استعداد لمقابلة اي مسؤول اسرائيلي تحت مظلة مجلس الامن او الجمعية العامة للامم المتحدة ، بل على العكس في حينها خرج علينا جورج شولتز ، وزير خارجية اميركا ، ليقول : ان وجود اسرائيل وأمنها ورفاهيتها هي المبادئ الاولي لاية تسوية سلمية في المنطقة “.
ونذكر ما بعد توقيع اتفاقيات كامب ديفيد صدور عشرات القرارات الساحقة الماحقة ضد اسرائيل بشان المستوطنات ووضع القدس والضفة الغربية ولبنان وحقوق الفلسطينين الا ان الفيتو الاميركي في مجلس الامن كان يحول حتى دون تبني مقترحات تتضمن عقوبات سياسية واقتصادية ضد اسرائيل من قبل المجتمع الدولي.
وحتى الرئيس الاميركي كارترالذي اقترن اسمه بالمبادئ الاخلاقية والانسانية في المعترك السياسي كتب في مذكراته ان النزاع في الشرق الاوسط كان أثقل حمل ، أثقل من اتفاقية ( سالت )، ومن قضية الصين – تايوان- وانها تستهلك الكثير من الوقت .
ولعل ابلغ تعبير عن الحالة برمتها ما صرح به احمد قريع ابو العلاء ان ما يجري الآن
من تجرؤ اسرائيلي على المسجد الأقصى ومدينة القدس ومقدسات الشعب الفلسطيني وخاصة على أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين للمسلمين في جميع أنحاء العالم هو إعلان حرب على الشرعية الدولية والجهود المبذولة لإحياء عملية السلام ودليل جديد على عبثية المفاوضات المباشرة وغير المباشرة في مثل هذه الشروط مؤكدا ان اسرائيل تسابق نفسها بنفسها لإنهاء قضية القدس قبل أن يبدأ التفاوض عليها، من خلال عزلها بالحواجز والجدران والإستيطان وفصلها عن محيطها الطبيعي، وقال “إن القدس تستصرخ العرب والمسلمين في هذه الأيام العصيبة”، مناشداً المجتمع الدولي، والولايات المتحدة خاصة، ألا تظل العيون مغلقة عن رؤية الحقيقة العدوانية الصارخة على الأرض، وذلك تحت حجة تسهيل العودة للمفاوضات، فيما المدينة المقدسة تنتهك في وضح النهار، والأرض فيها تسرق مع طالع كل شمس، والهوية تسلب أمام مرأى الجميع، والمقدسات تتقوض من تحتها الأساسات .
لا نفهم بتحميل تبعات كل ما يجري للسلطة الوطنية وللقيادة الفلسطينية ولكل فصائل منظمة التحرير الفلسطينية ، فالشعب الفسطيني وقيادته وفصائل منظمة التحرير لم تعلن يوما عن وقف مقاومة الاحتلال او اعطاء اسرائيل شيك على بياض بالتنازل عن الارض والمقدسات ، الا ان من يتحمل تبعات ما يجري من ضعف للموقف الفلسطيني وخطف للحلم الفلسطيني باقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس المحتلة ، هم العرب والزعامات العربية ، الذين انزلوا عن كاهلهم بالكامل القضية الفلسطينية بدعوى القرار الفلسطيني المستقل، هذا الموقف العربي الذي كان وبالا على الشعب الفلسطيني وعلى القضية الفلسطينية حيث ارتاح العرب من كل تبعات القضية الفسطينية وارتاحت معها الجيوش العربي ولم يعد الخيار الوحيد سوى خيار السلام والمفاوضات ، في حين ان القضية الفلسطينية والمقدسات والاقصى هي قضية العرب الاولى وهذا ما يجب ان يؤكد عليه في مؤتمر القمة العربية المزمع عقدها على ارض الجماهيرية الليبية ، وما يجب ان يصدر عن هذه القمة من قرارت مغايرة في نصها وروحها عن قرارات القمم العربية السابقة ، فلا بد من تغيير نغمة الخطاب العربي، وان يصار الى توحيد كافة الجهود لترتقي الى مستوى ما يعد من مخططات ومشاريع تهويد وسرقة للتراث والارض واستفراد بالانسان من قبل الاسرائيليين ، والا ان حال الشعب الفلسطيني وقيادته شبيه بحال سيدنا موسى عليه السلام عندما قال له بني اسرائيل اذهب انت وربك فقاتلا انّا ها هنا لقاعدون ، اذن علينا صياغة خطاب عربي باستراتجيات عمل عربية محددة وواضحة ولا تحمل في مضامينها المعاني المزدوجة لمواجهة المخططات والمشاريع الاسرائيلية على الارض و تدعم الانسان الفلسطيني على ارضه ، ما يجعل من المفاوضات سواء كانت مباشرة او غير مباشرة ، مفاوضات ذات جدوى تنصاع بموجبها اسرائيل ومعها الشرعية الدولية ممثلة باميركا وهيئة الامم المتحدة ومجلس الامن الدوليين والرباعية الدولية للحق الفلسطيني والحق العربي ، وان تدعم القمة كامل خيارات القيادة الفلسطينية ما بعد انتهاء المهلة المقررة للمفاوضات غير المباشرة والذهاب الى مجلس الامن بموقف ورؤية عربية فلسطينية تحول دون تماهي الموقف الاميركي مع الحليف الاسرائيلي فيما يتعلق بقضية الاستيطان والقدس وترسيم الحدود ومجمل قضايا الحل النهائي.. والا فان اسرائيل لا تؤمن بالمنطق الاخلاقي القيمي الادبي ، وانما تؤمن بالمنطق الامني العسكري وبمنطق القوة .. فهل يفهم العرب الرسالة ؟!!.