روث البقر… في الهند طاقة كهربائية في فلسطين ثروة ضائعة يا دكتور فياض !
بقلم الكاتبه والاعلامية وفاء البحر
تعتبر الهند ، صاحبة الحضارة العريقة في التاريخ ، من الدول الرائدة اليوم في تحويل مخلفات الأبقار إلى كهرباء، خاصة في القرى البعيدة والمعزولة ، ولم يقتصر الامر على الهند فقد لحقت بها معظم الدول الاوروبية فعلى سبيل المثال فان هولندا عمدت مؤخرا الى افتتاح ثانى مصنع لتحويل روث البقر إلى طاقة لتوليد الكهرباء بعد مرور 10 أشهر من إقامة مصنع مماثل ليصبح روث الأبقار مصدرا مهما للطاقة الجديدة فى هولندا بعد روث الطيور .
وعممت التجربة لتصل الى امريكا حيث افتتح مصنع يحوّل روث البقر إلى طاقة كهربائية في أحدي ضواحي ولاية واشنطن ،ويساهم هذا المصنع في حل مشكلتين بيئتين الاولى : تخفيض الاعتماد على النفط . والثانية : ابعاد كميات كبيرة من السماد الذي تنتجه المزارع عن القنوات المائية ويضاف الى ذلك الحفاظ على سلامة البيئة من ماء وهواء خال من غاز الميثان الذي يؤدي الى تلوث التربة والابار الجوفية جراء عمليات دفن المخلفات الحيوانية فيها .
وطبعا ان هذا الاكتشاف المذهل في استخدام روث البقر اوالطيور اوالخيول اوالخنازير وتحويله الى طاقة كهربائية يتم في الدول الاوروبية بدعم وتشجيع من حكوماتها ، ففي المزارع الأمريكية انتشر هذا النوع من المشاريع بشكل كبير في السنوات الأخيرة حيث تجاوز عددها 135 مشروعا، تنتج نحو 248 مليون كيلوواط ساعة في السنة. وإذا ما تم تطبيق التجارة في الكربون فإن هذه المزارع ستحصل على عوائد إضافية من بيع “حقوق التلويث” لأنها تنتج الكهرباء بطريقة “نظيفة” من “روث الحيوانات”. ما يعني وحسب احد الخبراء الفنيين العرب وجراء التطورات التكنولوجية في العقود الاخيرة فقد اصبح روث الحيوانات مصدرا مهما من مصادر الطاقة المتجددة حيث يتم في مزارع البقر والخنازير توليد الكهرباء واستخدامها في المزرعة نفسها وبيع فائض الكهرباء لشركة الكهرباء المحلية .
لا شك ان كل هذه الجهود تستحق الثناء وخاصة ان الغرب اليوم مشغول بل مهووس بقضية البيئة وكيفية الحفاظ على البيئة من التلوثات سواء الناتجة من ابخرة المصانع او من عوادم السيارات او من مخلفات الحيوانات، وكذلك والاهم الناتجة عن سياسة التسلح النووي المنتشرة في كل العالم وباتت تهدد الكرة الارضية .
ما يدهش في الامر ان ذات التجربة تطبق في فلسطين فهناك محاولة رائدة في محافظة طولكرم وتحديدا في بلدة ذنابه الواقعة شرق المدينة ، ومحاولة اخرى في جامعة النجاح الوطنية في مدينة نابلس وفي معهد خضوري طولكرم وكذلك في قطاع غزه حيث قام طالبان، عطية البرش وماهر الجمل من كلية العلوم قسم بيئة وعلم الارض،للتغلب على ظروف الحصار الاسرائيلي منذ ما يزيد عن الاربع سنوات ، بانتاج الغاز الحيوي لتعويض النقص في الغاز الطبيعي وسد حاجة الاسرة الفلسطينية جراء هذا الحصار الذي يحيط بكل شئ حتى انابيب الغاز .
ولكن التجربة وما زالت في بداياتها وذات بعد فردي ، كما افاد احد المزارعيين الفلسطينين ، ابو اسماعيل خريشه اثناء زيارة نظمها رئيس نقابة الصحفيين الفلسطينين عبد الناصر النجار، مع عدد من اعضاء الامانة العامة ، هذه الزيارة التي جاءت في اطار الاطلاع على احوال الصحفيين في عدد من المحافظات الفلسطينية والتعرف على هذه التجربة جاءت بمحض الصدفة ليس الا … وقد افاض المزارع ابو اسماعيل بالشرح عن اهمية استغلال هذه المخلفات ، فبدلا من دفنها في الارض بهدف التخلص منها ، ففي هذا الروث روث الحيوانات ” ثروة لا تقدر بثمن ” مشيرا الى ان عملية التخلص نفسها تكلف مبالغ طائلة سواء على مستوى الدول او المزارعين او حتى الشركات .
كما ان الطاقة المستخلصة من هذا الروث “نظيف للغاية”، ولا يسبب اي ضرر للبيئة عوضا عن ان الروث ما بعد عملية التحويل يتم الاستفادة منه سمادا طبيعيا نقيا خال من غاز الميثان المضر بالتربة والزرع .
ان مصانع توليد الطاقة النظيفة سواء في هولندا او واشنطن او الهند او اي دولة غير فلسطين وغير العالم العربي يتم في اطار جهود الحكومات ، التي تدرك مدى المنفعة العائدة على المزارع والدولة والبيئة مجتمعة .
اما هنا في فلسطين فان القضية لا تعدو كونها جهودات فردية كما يؤكد خريشه ، وان التجارب الاخرى لم تتواصل بسبب ما تحتاجه من جهود تجميع وتخمير ونقل الى خزانات ، وان الاستمرارية تحتاج لجهود دولة تعمد الى اقامة مصانع متخصصة في هذا الانتاج ما يحقق الجدوى المطلوبة منها على منوال التجربة في الريف الاوروبي او الاميركي .
على اية حال المزارع خريشه وهو احد مؤسسي جمعية ذنابه الزارعية ، يحافظ على عمل الخزان او الصهريج الذي قام على تصميميه بنفسه ، لسد جاجة المزرعة والدفيئات الزراعية التي تحتاج للكثير من الغاز الطبيعي الذي تتحكم اسرائيل بتوريده للاراضي الفلسطينية وتستخدمه وسيلة من وسائل الحصار والتضيق على الشعب الفلسطيني اضافة الى ارتفاع اسعاره المذهلة حيث يصل سعر البرميل ما يقارب ال40-50 دولار .
ان هذا الاختراع او الاكتشاف الذي استعمل من الاف السنين بات بحكم التطور التكنولوجي في متناول اليد ولكن العمل المنظم على الارض يحتاج فقط الى الارادة والتخطيط السليم من قبل الجهات المسؤولة وعلى راس جهة الاختصاص رئاسة الوزراء ممثلة بشخص الدكتور سلام فياض الذي نثمن جهوده في بناء اقتصاد فلسطيني قوي ولعل هذا المشروع الذي انقذ رجال اعمال من الافلاس جدير وبهمة الدكتور فياض في تعميم التجربة على كامل الريف الفلسطيني .
ولا نعتقد ان المهمة مستحيلة او اقرب الى المعجزة فكما هو معروف فان مزارع الحيوانات من ابقار وخيول وطيور منتشرة بكثرة في الريف الفلسطيني ولكن هذه الثروة الربانية ضائعة وغير مستغلة والامر برمته يقتصر على جهود فردانية “شخصانية” وعرضة في اي لحظة للموت في مهدها ولا تخدم بالمطلق التنمية المنشودة وفي دفع عجلة الاقتصاد الفلسطيني .
فهل يمكن فعلا العمل على تعميم التجربة وبشكل مسؤول وان نجد وزير الزراعة يقوم كما قامت وزيرة الزراعة في هولندا على افتتاح اول مصنع لانتاج الطاقة الحيوية من روث البقر ؟