الدكتور مجدلاني: في حوار شامل مع صحيفة الاحداث الجزائرية
القضية الفلسطينية قوية بالدعم الشعبي العربي مقابــل تقصيــر المؤسســة الرسميــة
الشعب الفلسطيني لن ينسى موقف الرئيس بوتفليقة الذي كان أول من أوصل قضيته إلى المحافل الدولية
الوحدة الوطنية الفلسطينية يجب استعادتها على أسس سياسية واضحة
مسؤولية الدفاع عن القدس فلسطينية بالدرجة الأولى وعربية إسلامية ثانيا
الدكتور أحمد مجدلاني عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، الأمين العام لجبهة النضال الشعبي الفلسطيني، حلّ بالجزائر على رأس وفد فلسطيني لحضور حفل افتتاح المؤتمر العام لحزب جبهة التحرير الوطني. القيادي الفلسطيني يشغل منصب وزير العمل في حكومة الدكتور سلام فياض، سبق له وأن مثل الرئيس الفلسطيني محمود عباس في مناسبات رسمية خارج فلسطين، وقد أنجز مؤخرا وفي هذا الإطار مهمة بالغة الحساسية في زيارة قام بها إلى لبنان بهدف ضبط ملف التواجد الفلسطيني في مخيمات الشتات بموطن الأرز. مهام الدكتور أحمد مجدلاني على رأس جبهة النضال الشعبي الفلسطيني، بالإضافة الى نشاطه في إطار اللجنة التنفيذية للمنظمة وكعضو في حكومة السلطة الوطنية الفلسطينية، واختصاصه بملفات شائكة مثل ملف التواجد الفلسطيني في لبنان، وتنشيط سوق العمل في أراضي السلطة وعلى مستوى تحسين شروط العمل في الشتات الفلسطيني، وغير ذلك من الملفات، جعلت القيادي ملما بأهم تفاصيل الأولويات الملحّة على الأجندة الفلسطينية وفي مقدمتها تذليل العقبات القائمة في وجه عملية الحوار الفلسطيني-الفلسطيني، وتحقيق المصالحة الوطنية الشاملة الكفيلة بإعادة اللحمة إلى الصف الوطني الفلسطيني على اختلاف مكوناته وتنوع مشاربه.حاولنا في هذا الحوار سبر أغوار الرجل، والكشف عن أوجاع المسؤول الفلسطيني جراء معاناة شعبه، والأخطار التي تواجهها القضية الفلسطينية، والأمل الفلسطيني المنشود والداعي لتحقيق إجماع عربي في القمة العربية أواخر الشهر الجاري بمدينة سيرت الليبية يؤكّد الالتزام العربي المبدئي والثابت تجاه القضية العربية والإسلامية الأولى… قضية فلسطين وشعبها المكافح… تابعوا:
أهلا وسهلا بكم دكتور، والحمد للَّه على السلامة بوصولكم، كيف وجدتم الجزائر، وهل توفقتم في مهمتكم؟
أنا أزور الجزائر بعد فترة غياب طويلة من آخر إجتماع للمجلس الوطني الفلسطيني من عام 1990 ولقد كان لي شرف المشاركة وتمثيل منظمة التحرير الفلسطينية في أعمال المؤتمر التاسع لحزب جبهة التحرير الوطني. نحن كفلسطينيين نعتبر الثورة الجزائرية من الأسباب الملهمة لتأسيس انطلاق عمل فلسطيني وطني خاص، أدى فيما بعد إلى انطلاق منظمات فلسطينية وطنية بعد أن كانت غالبية ومعظم الكوادر الفلسطينية قد انخرطوا في إطار الأحزاب القومية آنذاك في خمسينيات وستينيات القرن الماضي.
انتصار الثورة الجزائرية قدم للشعب الفلسطيني هويته الوطنية المستقلة التي حققها الشعب الجزائري بنضاله.
نريد أن نطمئن على أوضاع إخواننا في فلسطين من الجانب السياسي الداخلي، فكيف حال الجهود المبذولة في سبيل المصالحة الوطنية، وهل من نتائج في الأفق؟
هناك جهود كبيرة بذلت خلال المرحلة الماضية، هذه الجهود وُضعت فيها مصر الشقيقة على مدى أكثر من عام بين حركتي فتح وحماس.
هذا الحوار توّج بتشكيل لجان تضع القضايا الثلاثية في إطار أجندة وطنية عولجت معظمها، وبقي هناك ثلاث قضايا حول الحكومة المؤقتة وبرنامجها، وحول النظام الإنتخابي الذي كان هناك عليه خلاف فقط مع حركة حماس.
ونستطيع القول أن هذا الحوار وصل إلى طريق مسدود، لكن الإخوة في مصر بذلوا جهودا إستثنائية، ومن تم صاغوا ما يسمى بورقة المصالحة الوطنية الفلسطينية.
هذه الوثيقة هي حصيلة الحوارات التي جرت في القاهرة، والتي تم الإتفاق عليها في اللجان الخمس، وقد طرحها الأشقاء في مصر علينا يوم 10 أكتوبر الماضي وطلبوا من حركتي فتح وحماس التوقيع عليها، وبعد ذلك يعقد مؤتمر في القاهرة، أو لقاء وطني موسع للتوقيع الرسمي على الوثيقة بمشاركة عربية للإعلان عن بدء مسيرة للمصالحة الوطنية الفلسطينية.
وفي الواقع: فوجئنا بالإخوة في حركة حماس لغاية اللحظة الراهنة يرفضون التوقيع على الوثيقة، ويدّعون أن هناك إستدراكات وملاحظات، علما أنهم كانوا قد عرضوها على وفد قيادي من حماس يوم 6 أكتوبر الماضي. وعَلمنا أنه قد أدخلت بعض التعديلات عليها بناء على طلبهم وبالتالي التحديد النهائي لشكل هذه الوثيقة كان مع حركة حماس وليس معنا.
نحن استغربنا، وما زال لدينا هذا الاستغراب؟ لماذا حركة حماس لم توقع على هذه الوثيقة؟ هذا فاصل الأسود من تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية.
نحن نعتقد أنه لنا مصلحة أكيدة في إتمام هذه المصالحة من أجل طي هذه الصفحة السوداء من تاريخ شعبنا لأن المستفيد الأول والأخير من الانقسام والتشتت هو الإحتلال الإسرائيلي الذي له مصلحة في تمزيق الصف الوطني الفلسطيني، وله مصلحة في توظيف هذا الإنقسام الداخلي للتهرب من التزاماته اتجاه عملية السلام.
نحن نرى أن إنهاء هذا الانقسام وتوحيد الجهود من الممكن أن يرفع من قدراتنا على مواجهة التحديات الرئيسية المطروحة أمامنا، وهي تحديات مواجهة للإحتلال أولا، ومواجهة لسياسة الإستيطان وبناء جدار الفصل العنصري. كما نعتقد أن هذه الوحدة الوطنية الفلسطينية يجب إستعادتها على أسس سياسية واضحة من شأنها أن تساعدنا على زيادة القدرة لمعالجة الشأن الحياتي والاجتماعي لأبناء شعبنا الفلسطيني. كما أن هذا الخلاف يجب أن يطوى وبأسرع وقت ممكن بالوسائل والطرق السلمية والديمقراطية، كوننا ضد الحلول غير الديمقراطية، وضد الحرب الأهلية، ونرفض أي دعوة لاستدراجنا لصراع مسلح لحسم الصراع الداخلي.
فنحن مع الاختيار الديمقراطي السلمي والجماهيري الذي يستند أساسا إلى صندوق الاقتراع وإلى الديمقراطية والتعددية الحزبية السياسية، لذلك ندعو الإخوة في حركة حماس إلى التوجه فورا للتوقيع على ورقة المصالحة للبدء سويا من أجل طي هذه الصفحة والذهاب لإنتخابات ديمقراطية، حرة، نزيهة وشفافة لإختيار رئيس للسلطة الفلسطينية، وانتخاب مجلس تشريعي جديد، وأعضاء المجلس الوطني الفلسطيني. وأخيرا، أشدد الدعوة على الإخوة في حركة حماس لسحب كامل الذرائع التي تتسلح بها الآن لتفادي التوقيع على هذا الإتفاق.
منظمة التحرير الفلسطينية عانت في السنوات الماضية من ضغوط سلبية حالت بينها وبين تأدية مهامها، الأمر الذي أضعف الجانب الفلسطيني على مستويات مختلفة، كيف ترون المسألة بصفتكم عضو في اللجنة التنفيذية؟
المرحلة الجديدة التي يمر بها الشعب الفلسطيني بعد توقيع إتفاق الإعلان عن مبادئ السلطة هي دور تكاملي مع السلطة الوطنية الفلسطينية، وهو الإطار المطلوب الآن، فهذه الانطلاقة قطعت شوطا في إطار تطوير وتفعيل المؤسسات التي ترعى هذه الشؤون، ونحن نأمل أن تتواصل، ونعمل على أن تتواصل، مما يؤدي إلى الترقية في كافة الجوانب.
السلطة الوطنية تعاني من ضغوط خارجية في العودة للمفاوضات مع إسرائيل، ومن ضغوط شعبية في الإنسحاب من المفاوضات غير المجدية، كيف ترون الحل مع التعنت الإسرائيلي الرافض للمطالب الدولية؟ وأنتم الوزير في الحكومة الحالية؟
الضغط على القيادة الفلسطينية، وليس على السلطة، الحكومة الفلسطينية هي التي فاوضت إسرائيل، وبالتالي هناك إدراك عميق بأنه عند وصول الحكومة الإسرائيلية المتطرفة بقيادة نتنياهو العام الماضي كنا نعلم مسبقا أن برنامجها الوحيد الذي تسعى إليه هو فرض سياسة الأمر الواقع من خلال الإستمرار في الإستيطان، وتهويد القدس بالقضاء على طابعها الإسلامي، العربي والمسيحي.
لذلك، تعمل كل ما من شأنه لتعطيل عملية سياسية قائمة على أساس مرجعيات دولية واتفاقيات سابقة.
وبالمقابل القيادة الفلسطينية أعلنت مجموعة من المتطلبات لإستئناف العملية السياسية، وهي ما زالت متمسكة لهذه اللحظة الراهنة بأنه لا يمكن العودة للمفاوضات دون الوقف الشامل للاستيطان أو ما يسمونه النمو الطبيعي للسكان في القدس المحتلة، وأيضا العودة الى مرجعيات عملية السلام وأسس هذه العملية الممثلة في القرارات الشرعية الدولية والعربية. أيضا أكدنا على أن الانطلاقة يجب أن تبدأ من النقطة التي إنتهت إليها المفاوضات مع الحكومة، وأخيرا مع تحديد جدول وسقف زمني لهذه المفاوضات، ومن هنا نقول إن القيادة الفلسطينية قد وضعت متطلبات واردة في خطتنا، وإسرائيل ملزمة بها إلا أنها لم تنفذها، في حين أن القيادة الفلسطينية نفذت ما يتعيّن عليها.
وكما تعلمون فإن المفاوضات متوقفة منذ أكثر من عام ولم تستأنف بعد، على الرغم من الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة، والضغوطات المختلفة المفروضة على القيادة الفلسطينية من أجل استئناف هذه المفاوضات .
وبناء على تمسكنا بموقفنا، كان هناك اقتراح بأن تجري الولايات المتحدة ما يمكن أن نسميه بمفاوضات غير مباشرة بهدف تقريب وجهات النظر بين الطرفين، وقد وافقنا على هذا المقترح الذي سيقوم به موفد الإدارة الأمريكية لعملية السلام جورج ميتشل بعد الموافقة العربية التي كانت اللجنة الرباعية المشكلة من 14 دولة عربية قد أقرّت بها.
كما أن الحكومة الإسرائيلية الحالية ليست معنية بالسلام، فبعد أن حصلت الموافقة وأبدينا إستعدادنا، جاء المبعوث جورج ميتشل من أجل وضع أجندة هذا الحوار، أعلنت الحكومة الإسرائيلية نيتها لبناء 112 مستوطنة بجانب بيت لحم، ومع وصول نائب الرئيس الأمريكي جون بايدن أعلنت بناء 1600 مستوطنة في القدس. هذا عمليا رسالة تحدي من الحكومة الإسرائيلية للإدارة الأمريكية التي تسعى لإستئناف المفاوضات كونها تعتبر نفسها الراعي الأساسي لها. نحن من جانبنا كسلطة وطنية فلسطينية وكمنظمة تحرير فلسطينية، المفاوضات هي شكل من الأشكال النضالية، كما أنها لا تعني التخلي عن أشكال النضال الأخرى، بحيث شهدنا خلال العام الماضي تصعيدا لوتائر مختلفة للنضال الجماهيري في مواجهة الإحتلال وسياساته، كونه لم يعد محصورا في بقع معينة، وإنما بدأ بالتوسع ليمتد في بقاع مختلفة من الأراضي الفلسطينية.
حكومة السيد سلام فياض تقوم على إئتلاف أنتم طرف فيه، كممثل لجبهة النضال الشعبي الفلسطيني، هل هذه الصيغة الإئتلافية ملائمة لتأدية مهام المرحلة الحالية بخطورتها، نريد تقييمكم، ونظرتكم لمجمل الأوضاع الحالية والمستقبلية؟
الائتلاف الوطني الآن الذي شكل الحكومة هو مكون من مشاركة واسعة من حركة فتح، ومن الجبهة الديمقراطية، وأيضا من الإتحاد الديمقراطي، بلإضافة إلى شخصيات وطنية مستقلة وذات كفاءة وقدرة ونزاهة.
كنا نأمل بتمثيل أوسع بمشاركة أطراف من منظمة التحرير الفلسطينية، فنحن نعتبر أن هذا الإئتلاف هو إئتلاف عظيم، وما تتميز به هذه الحكومة منذ تشكلها أنها طرحت خطة عمل أطلق عليها ”إنهاء الإحتلال وإقامة الدولة الفسطينية”، فبرنامج عمل الحكومة الحالية يرتكز على ثلاثة مرتكزات رئيسية هي النضال السياسي والدبلوماسي مع النضال الجماهيري على الأرض، المعيار الرئيسي الذي يساعدنا في مواجهة الإحتلال وتعزيز صفوف المواطن الفلسطيني لمواجهة السياسات التي تلجأ إليها جبهات الإحتلال الإسرائيلي وهي من مكونات الحكومة الفلسطينية وبرنامجها.
المرتكز الثاني التنمية الاجتماعية المستدامة من خلال إطلاق آليات محفزة للاقتصاد الفلسطني، هذه الديناميكيات من شأنها أن تعكس إيجابا معيشة المواطن الفلسطيني من جهة ومن جهة أخرى تعزز صموده على أرضه في مواجهة الإحتلال. أما المرتكز الثالث، فهو تعزيز بناء القدرات المؤسساتية التي تكون بمستوى الإطارات الجاهزة للدولة الفلسطينية المستقلة.
وبالمعنى البرنامجي: فإن الحكومة تسير بشكل جيد، وبرنامجها الذي يحظى بدعم وتأييد شعبي واسعين، وبتأييد دولي قوي أيضا قد قطع شوطا مهما.
ما هي أهم البنود الواردة في الورقة الفلسطينية أمام القمة العربية القادمة بليبيا هذا الشهر؟
نعتقد أن الموضوع الرئيسي المطروح على القمة العربية والقدس الآن تتعرض لأسوأ موجات التهويد من خلال عمليات تهجير السكان الأصليين وهدم منازلهم هو الدفاع عن القدس، القضية فلسطينية بالدرجة الأولى، ولكنها مسؤولية عربية وإسلامية يجب أن لا يترك الفلسطينيين لوحدهم في الميدان. نقول وبكل وضوح أن الأشقاء العرب والمؤسسات الرسمية العربية مقصرة إتجاه دعم القضية الفلسطينية. نحن لا نريد بيانات شجب
وإدانة وإستنكار، فالممارسات التي يقوم بها الإحتلال الإسرائيلي تعزز صمود المواطن الفلسطيني المقدسي على أرض القدس، نحن ندعو الى سياسة فاعلة… ديناميكية، متحركة تراعي بعين الإعتبار مصالحها أولا، ومصالح الشعب الفلسطيني. فعليها أن تقوم بما يمكن أن يشعر الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد الأوروبي وكافة الأطراف الأخرى بأنه إذا لم يتم الوقوف إلى جانب القضية الفلسطينية وأزمة الشرق الأوسط بسياسة لا تنحاز إلى إسرائيل فإن مصالحها بالمقابل سوف تتضرر.
أنتم على علم طبعا بالموقف المبدئي للجزائر، شعبا ودولة إلى جانب القضية الفلسطينية، كيف تنظرون إلى العلاقات القائمة حاليا خاصة لجهة التشاور والتعاون في واجب دعم الشعب الفلسطيني ومساندته؟
الجزائر كانت دائما سباقة لدعم القضية الفلسطينية، فقد كان للجزائر وفلسطين شرف إعلان الدولة الفلسطينية في ,1988 ما يعكس عمق وبعد العلاقة بين البلدين، فالجزائر تسعى وتبذل جهودا كبيرة من أجل معالجة كافة القضايا الداخلية التي يعاني منها الشعب الفلسطيني، ورغم التراجع في مستوى التنسيق، إلا أننا حريصين على إستعادة هذا الدور والعلاقة.
نحن نكن كل الإحترام والتقدير لفخامة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وكلنا يعلم هذ الدور الكفاحي الكبير الذي لعبه في إطار الثورة الجزائرية أثناء توليه منصب وزير الخارجية في الجزائر، فهو الذي رتب لزيارة الرئيس الراحل ياسر عرفات إلى نيويورك، والذي على أساسه جرى الاعتراف بمنظمة التحرير كممثل شرعي. ولدينا الثقة وكل الثقة في القيادة الجزائرية كون دعمها للقضية الفلسطينية نابع من قناعتها بأن القضية هي قضيتها، وانطلاقا من العلاقات الأخوية والتاريخية نقول إنه ينبغي أن يكون هناك توجه واستعداد من القيادة الجزائرية للعب دور أكثر فعالية في معالجة الانقسام الداخلي في فلسطين.
وأخيرا، باسمي وبصفتي كعضو في اللجنة التنفيذية، إننا حريصون بل وجادون لتطوير هذه العلاقة على كل المستويات، بما يخدم نضالنا المشترك ويعزز العلاقات التي نحن متمسكون بها ونعتز بها، وينبغي الحفاظ عليها كشعبين.