من يقبل التحدي؟
بقلم :يحيى رباح
موضوعياً، فإن بنيامين نتنياهو على رأس هذا التحالف الإسرائيلي المستشرس، رمى القفاز في وجه الإدارة الأميركية أولاً وفي وجه الرباعية والمجتمع الدولي عموماً، وقبل التحدي، حين أعلن أنه لن يوقف الاستيطان في القدس، وأن البناء اليهودي في القدس يساوي البناء في تل أبيب نفسها.
ومثلما أن إسرائيل استبقت وصول نائب الرئيس الأميركي جو بايدن بإعلان قرار بناء ألف وستمئة وحدة سكنية في القدس الشرقية، وانكشف أيضاً أن إيلي يشاي هو الذي وزع هذا القرار على وسائل الإعلام الإسرائيلية بالتنسيق مع نتنياهو.
فكذلك الحال مع جورج ميتشل القادم لاستطلاع الرأي الإسرائيلي قبيل زيارة نتنياهو لواشنطن، فإن نتنياهو هذه المرة – وليس أحد من حلفائه – هو الذي أعلن باستفزاز مبالغ فيه قرار استمرار البناء الاستيطاني في القدس.
وهكذا، فإن المكتوب (يقرأ من عنوانه) إلا إذا سمعنا قراراً من الإدارة الاميركية بإلغاء زيارة نتنياهو لواشنطن.
وهذا افتراض مبالغ فيه أيضاً، حيث أعمدة الإدارة الأميركية يقولون ان تحالفهم الاستراتيجي مع إسرائيل فوق كل خلاف والتزامهم بأمن وتفوق إسرائيل ثابت، وأن هذه الخلافات هي من النوع التي تحدث بين الأصدقاء ليس إلا.
الشيء المؤكد الآن، أن من يريد المفاوضات غير المباشرة التي تفضي إلى مفاوضات مباشرة هي الإدارة الاميركية وليس إسرائيل، بل إسرائيل تزرع طريق هذه المفاوضات بالألغام التي تفجرها الواحد تلو الآخر، والإدارة الاميركية لم تستطع حتى الآن إقناع إسرائيل بقبول المفاوضات مباشرة كانت أو غير مباشرة، لأن الإدارة الاميركية لو نجحت في إقناع إسرائيل بقبول المفاوضات الجادة المثمرة، لرأينا إسرائيل تلجأ إلى بعض المخارج المرنة، مثل إخفاء قراراتها وتهدئة جنونها بدل الطنطنة بهذا الشكل الاستفزازي.
ولرأيناها تخفف من أعداد الجنود ورجال الشرطة المدججين في وجه المقدسيين بدلاً من هذه الآلاف المؤلفة.
ولكنا سمعنا أحداً من أطراف هذا الائتلاف المستشرس يدلي بتصريحات تمتص التوتر ولو قليلاً، ولكن ما نسمعه من نتنياهو ووزير خارجيته ووزير داخليته وحتى من وزير دفاعه اليساري سابقاً ومن كل الطاقم، كلاماً استفزازياً تفجيرياً لا يترك أي فرصة للإدارة الأميركية للإدعاء بتحقيق أي قدر من النجاح.
المشكلة المعقدة التي تواجه القيادة الفلسطينية في هذه الأيام، أن العالم كله يأخذ مواقف ضد المنطق والسلوك الإسرائيلي، ولصالح عدالة الحق الفلسطيني، ولكن هذه المواقف والقرارات من المجتمع الدولي وهيئاته لا تتحول إلى خطوات وإجراءات فعلية.
فليس هناك مواقف جميلة أكثر من تلك التي أعلنتها الإدارة الأميركية والاتحاد الأوروبي والرباعية والسكرتير العام للأمم المتحدة ضد قرارات الاستيطان الإسرائيلي.
وليس هناك توبيخ أقسى من الذي سمعه نتنياهو من هيلاري كلينتون على سماعة الهاتف.
ولكن بعد هذا كله فإن هذه المواقف ليس لها أي ميكانزم، فالاستيطان على حاله، والتهويد على حاله، وحياة الفلسطينيين مخنوقة على حالها، والحصار لقطاع غزة مستمر بآلياته التي أصبحت تقليدية وراسخة، والتهديدات والطلعات الجوية والقذائف بكل أنواعها الإسرائيلية تتساقط فوق الرؤوس هنا وهناك، والكل يسأل:
هل إسرائيل تريد الحرب؟
وليس هناك من يسأل إذا كان أحد من العرب والمسلمين يريد الحرب.
والهرم كله مقلوب رأساً على عقب، والكلام الجميل ليس له عند أصحابه معادل موضوعي.
وإن ذهبنا إلى أي نوع من المفاوضات تحت هذا السقف فالصورة مأساوية، وإن بقينا دون مفاوضات تحت هذا السقف العربي والإسلامي والدولي الهابط فالمأساة اكبر، وأخشى أن الأمور متروكة لتتفاعل من تلقاء نفسها، وهذه هي أخطر لحظات الخطر.
هناك نوع من التحدي غير المسبوق، التحدي الذي تصنعه الحقائق الموضوعية على الأرض وهذه الحقائق على الأرض مع الأسف الشديد وفي غالبيتها الساحقة هي حقائق إسرائيلية أو في خدمة السياق الإسرائيلي، فالتهويد والاستيطان بمعدلات سريعة وضخمة والحصار وتدهور حياة الشعب الفلسطيني في القدس والضفة والقطاع هي حقائق، والانقسام الفلسطيني والغياب العربي والتلاشي الإسلامي عن مسرح الصراع في القدس هي حقائق، وكل هذه الحقائق إما تصنعها إسرائيل أو تندرج في السياق الإسرائيلي، ومن المخجل هنا أن نظل نتساءل من أين يأتي كل إغراء القوة الذي هو الإله الذي يعبد في إسرائيل الآن.
ساعد الله الفلسطينيين فانهم يشتبكون بكل ما لديهم من قدرات وعناصر التأويل، وحدهم يشتبكون _ لماذا لا نقول ذلك؟
وحدهم بالمعنى الحرفي للكلمة وليس بالمعنى المجازي الذي يفتح أبواب التأويل.
هذه أعباء كبرى وخارقة :
هل سيقوم بها النظام الإقليمي العربي في قمته المقبل في طرابلس؟
هل سيقوم بها مؤتمر القمة الإسلامي في فعالياته القائمة؟
هل سنتمكن نحن فلسطينيا من تحقيق نقطة انطلاق جديدة من خلال إنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة؟
إنه تحد وجودي يواجهنا جميعا في دوائرنا المتداخلة فلسطينيا وعربيا وإسلاميا، فهل نقبل التحدي أم نهرب إلى الشعارات والخلافات والملاومة؟