“حماس”: “على وين رايحين”؟
بقلم :الدكتور عاطف أبو سيف
لا أحد يعرف إجابة على هذا السؤال، لأن ثمة غياباً واضحاً لكل الدلائل التي قد تعطي المرء تبصراً عن المستقبل. و”حماس” لعديد الأسباب تتحمل الشق الأكبر من مسؤولية هذه الإجابة. ليس أول هذه الأسباب تبادراً للأذهان هو سيطرة “حماس” بالقوة على القطاع وبالتالي مسؤوليتها عن استمرار عملية الانقسام وإحداثه أصلاً بجانب رفضها التوقيع على الورقة المصرية التي تشكل المدخل “اليتيم” للخروج من الأزمة او لعلها كما قال الجميع ممر إجباري.
بإمكان “حماس” ان تسوق عشرات الأعذار والأسباب التي تبدأ بملاحظات منهجية وتنتهي بمواقف نفسية وحاجة للاطمئنان والثقة وضمانات، وهذا حقها، لكنه لا يغير من حقيقة الأمر شيئاً فالنتيجة لا تتغير وهي ان عدم التوقيع على الورقة المصرية يعطل الحالة الفلسطينية ويديم الانقسام ويطيل عمره وبالتالي ينتقص من عمر، او هو على حساب، المصلحة الوطنية العليا.
كان ياسر عرفات يقول لمعارضي الاتفاق إنه هو شخصياً لديه ألف احتجاج على اتفاق أوسلو لكنه وافق عليه، كان عرفات يرى في الاتفاق نتيجته المطلوبة والمتمثلة في انتهاء الفترة الانتقالية بمعنى انتهاء الاحتلال.
قد لا تكون الرياح أتت بما يشتهي لكن هذه هي حكمة الحياة، و”حماس” تستطيع أن تسوق عشرات الاعتراضات على الورقة المصرية لكن على “حماس” كما فعلت “فتح” وفعل الرئيس أبو مازن وفعلت بقية الفصائل أن تنظر إلى النتيجة النهائية المتمثلة في إنهاء الانقسام وإجراء انتخابات شاملة تعيد الأمر كله للشعب بحيث يكون لـ”حماس” دور أيضاً في قول كلمتها والطلب من الناخب أن يرفع يده تأييداً لها كما هو ذات الحق الذي يتمتع به خصومها السياسيون.
أما خلق الأعذار واصطناع التبريرات فهو أمر سهل، الصعوبة تكمن في الجرأة على اتخاذ المواقف الشجاعة، ولا اعتقد ان قراءة التفاعل السياسي الفلسطيني الداخلي تمكننا من الخلوص إلى أن “حماس” قامت بذلك، “حماس” بحاجة لخطوة جريئة، تعكس إدراكاً وحساً بالمصلحة الوطنية وعملاً على تحقيقها.
هذه هي حقيقة الأمر، على “حماس” تقع مسؤولية الإجابة على هذا السؤال بوصفها على الأقل، هكذا يبدو للمواطن وهذا هو حال الواقع عند قراءة التفاصيل، تعطل توقيع وتنفيذ الورقة المصرية، وحدها “حماس” بحاجة لاتخاذ قرار، وهو قرار لا بد ان يعكس في الأساس رغبة حقيقية في إنجاز ملف المصالحة وطي صفحة الاقتتال واستخدام السلاح في إنهاء الخلافات الداخلية مثلما حدث للأسف في حزيران عام 2006 (هل ينتبه أحد، تكاد ثلاث سنوات تمر على هذه الذكريات الأليمة). قرار شجاع يعكس تحولاً في الفهم وتغيراً في التعاطي مع الأمور، ويقول إن ثمة منهجاً جديداً في تعاطي الكل الفلسطيني مع ذاته على أسس جديدة، تصبح وفقها الانتخابات “اللعبة الوحيدة في المدينة” ويصير لزاماً على الفلسطينيين ان يتحدوا حول هدف واحد.
بالأمس كان الجميع يحتفل بيوم الأسير الفلسطيني ونصبت خيمة كبيرة أمام مقر الصليب الأحمر في شارع الجلاء بغزة، وتنادى قادة وممثلو الفصائل للحديث عن الوحدة وعن تبييض السجون في غزة ورام الله من المعتقلين السياسيين وبناء جسور الثقة وبالطبع ما إن تذهب كاميرات الفضائيات وتفك الخيمة حتى يصير كل شيء من باب الماضي، الوحيد الذي يبقى هو الانقسام.
حتى من جهة إدارية فإن “حماس” لم تقم بلعب دور التنظيم الحاكم بل سخرت السلطة لتعزيز تواجد الحركة، وعليكم فقد ان تتحدثوا للمراقبين المطلعين على الأمور أو تسألوا المواطن العادي على طريقة تقديم الخدمات، كما أن “حماس” قامت بتنفيذ كل السياسات التي قالت إنها تعارضها.
فهي اشتكت من الاعتقال السياسي سابقاً لكنها قامت بمضاعفة هذا الاعتقال، كما قامت بمحاولات كثيرة لإقصاء حركة فتح ومنع نشاطاتها، إن المصالحة ذاتها بحاجة لسوابق ولشواهد، وللأسف من ينظر حوله لا يجد ذلك، فالتشديدات التي تقوم بها اجهزة “حماس” في غزة على “فتح” ما زالت قائمة، والصراع والحرب الإعلامية أيضاً في أوجها، لا شيء تغير.
الإعلام للأسف يلعب دوراً خطيراً في تعزيز الخلاف، وعلى “حماس” ان تعترف بأن إعلامها في ذلك لا يعرف الرحمة، صحيح ان الاعلام الآخر يحمل بعض الاخطاء وربما يسيء لكن الحقيقة أن إعلام “حماس” يقوم بدور اكبر.
فحتى حين كانت قناة الأقصى تحاور الدكتور سفيان أبو زايدة كان الشريط الإخباري للقناة لا يعرف أخباراً إلا الذم والقدح والشتم على حركة فتح التي يجلس مسؤول رفيع منها في بادرة كان يجب على القائمين على القناة ان يقدروها أكثر، كما أن ذات القناة قامت ببث كلمة خليل الحية في خيمة الاعتصام في المؤتمر الصحافي المشترك مع الدكتور صلاح أبو ختلة ممثل “فتح” ولم تقم ببث كلمة الأخير، والموضوع واحد: الأسرى.
على “حماس” ان تقرر إذا ما كانت تريد المصالحة والسير على طريق السلم الاهلي والوفاق الوطني، وإذا ما قررت ذلك عليها ان كما على “فتح” في رام الله ان تقوم بسلسلة من الخطوات التي تعكس هذه النوايا على الأرض. لكن الاول في كل هذه الخطوات هو التوقيع على الورقة، ولكن على افتراض ان “حماس” تمتلك جملة من الملاحظات على الورقة لكنها جادة في الخروج من حالة الانقسام وهي فقط بحاجة لأن ترى أن ملاحظاتها وقلقها أخذ بعين الاعتبار، على افتراض ذلك، ألا تقوم “حماس” بسلسلة من الإجراءات التي تعكس هذه الرغبة، بمعنى التخفيف قليلاً عن خصومها السياسيين الذين سيكونون غداً، إذا تم الاتفاق وأنجزت المصالحة، شركاء الغد وهم من سيقومون بتنفيذ الاتفاق مع “حماس”.
في مرات كثيرة قد تطول الطريق وتظلم ويشتد الليل فتسأل نفسك: على وين رايحين؟ إلى أين نحن سائرون، واعتقد ان حالتنا الفلسطينية كذلك، فنحن تائهون وزهقنا التبرير والتسويف فالشعب بحاجة لإجابة واحدة شافية ووافية وقاطعة تقول له متى سينتهي موضوع الانقسام ومتى سنصل إلى وفاق يعيد لنا جزءاً ولو قليلاً من ثقتنا في المستقبل، و”حماس” تمتلك الجزء الأكبر من المسؤولية في الإجابة على ذلك.