جبهة التحرير الفلسطينية تحية لا بد منها
بقلم: الرفيق سليم النفار
في مثل هذه الأيام,وفي الأواخر من شهر نيسان,كان الربيع الفلسطيني مغصوصا,فلم تكتمل فيه دورة الحياة الطبيعية للشجر والثمر.في مثل هذه الأيام من العام 1948 سقطت أجمل المدن”يافا”.بيد أبشع استعمار استيطاني عرفه الزمان,الاستعمار الصهيوني الاحلالي,وفي مثل هذه الأيام,كانت مدن وقرى فلسطين جميعها,تئن تباعا,تحت وطأة القهر والقتل الصهيوني,ولكن:لان فلسطين أم الربيع تأبى أن يذهب ربيعها,إلى خريف دائم..ولان شعبها شعب التحديات,فقد أبى الاستكانة والتسليم للقدر البشع,الذي أحدق به.في ظل تلك الظروف العصيبة,البالغة التعقيد على المستوى الذاتي والموضوعي,اخذ الشعب الجريح زمام أمره بيده,فراح يشكل قواه بما تيسر له من القدرات,مستجمعا روح التحدي,ليضيء مساحة الأمل في الحلم,الذي كان ومازال لصيق أوردته ورئته…وفي هذا السياق الثوري المضيء,جاءت انطلاقة جبهة التحرير الفلسطينية,لتضيف مساحة من النور,في فضاءات الحلم الوطني الفلسطيني.ففي مطلع الستينيات التقت كوكبة من المثقفين الثوريين والعمال والفلاحين,وأخذت على عاتقها مهام النضال ضد الاحتلال الصهيوني,وقامت في منتصف العام 1966
بأولى عملياتها العسكرية,والتي استهدفت نسف قطار القدس”بيتر”ومهاجمة مستعمرة”ديشوم”في الجليل الأعلى والتي سقط فيها شهيد الجبهة الأول”خالد الأمين”إضافة إلى نسف سيارة عسكرية كانت تقل مجموعة من الخبراء العسكريين الإسرائيليين على طريق الجاعونة,وكان ذلك قبل الخامس من حزيران في العام 1967 إضافة إلى نسف سينما”رويال”في حيفا والتي اسر على إثرها المناضل”سمير درويش”وتبعتها عمليات أخرى مثل:الخالصة وأم العقارب,في تلك الآونة وبالتحديد بعد نكسة حزيران في العام 1967 دعت الجبهة لأوسع تحالف وطني ضم في حينه:أبطال العودة وشباب الثأر تحت اسم:الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين,ولكن بعد عام انفصلت تلك القوىوبقيت جبهة التحرير تحمل اسم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين مضيفين إليها”القيادة العامة”تميزا عن الجبهة الشعبية وهكذا واصلت تقديم إسهامها الوطني..وفي أحداث العام 1975 في لبنان انشقت كوكبة من قادة هذه الجبهة كلهم الآن شهداء:طلعت يعقوب وأبو العباس وعمر شبلي”أبو احمد حلب”وآخرون..وكان انشقاقهم انحيازا لشعبهم ولخياراتهم الوطنية آنذاك,وليس رغبة في الانقسام والتبعثر,واختارت تلك الكوكبة العودة إلى الاسم الأول وقد كان ذلك في:27/4/77 وقد اعتبر هذا التاريخ يوما وطنيا للجبهة,و واصلت سيرة عملها الكفاحي وسط أبناء شعبها ومن خلاله في المنافي,فقدمت سجلا حافلا من العمليات الفدائية المتميزة,وقد امتازت بعمليات المنطاد الشراعي لأكثر من مرة,إضافة إلى العمليات البحرية مثل:عملية جمال عبد الناصر في نهاريا,وعملية القدس…الخ وعلى طول مسيرتها الكفاحية يشهد لها في جهدها الوحدوي,وحرصها عليه رغم كل المنعطفات السياسية,فقد تمسكت برؤيتها بدون أن ينعكس الاختلاف سلبا على الأطر الوطنية,بمعنى أنها عملت على أرضية الاختلاف والاتفاق داخل الإطار, وليس من خارجه فكانت جبهة التحرير فصيلا أساسا من فصائل م.ت.ف المتمسكين بها والمدافعين عن شرعيتها وموقفها المستقل إزاء ما تعرضت له المنظمة من مؤامرات مختلفة.
على الرغم من كل ما ذكرت,فإنني لم اعتد الكتابة الموسمية,وخصوصا فيما يتعلق بفصائل العمل الوطني,وليس في ذلك انتقاصا من دورهم أو من تاريخهم النضالي الحافل بالعطاءات,ولكن:ربما لأنني أرى ضرورة الكتابة من جانب نقدي,بعيدا عن الاحتفائية الواجبة..وربما لأنه في جعبتي الكثير من الأسئلة,التي يفترض أن تجيب عنها الفصائل,في ظل المتغيرات التي طرأت على المشهد السياسي,منذ عقدين,والذي كان لزاما على الفصائل-تبعا للمتغيرات-أن تغير من طبيعة دورها واليات عملها,وبما يعزز من مكانتها,وقدرتها باتجاه الخدمة الأفضل لجماهيرها,فالفهم الصحيح يقود لممارسة صحيحة..ولكن اعتقد أن الفصائل جميعا لم تستطع فهم طبيعة المتغير فهما صحيحا,وإذا فهمت فهي لم تستطع ترجمة ذلك في سلوكها..لذلك فان المشهد السياسي الوطني,يشهد أزمة حقيقية,أفضت إلى غلبة وسيادة القوى الأصولية,التي تتكئ على الدين وتستغله لصالح أهداف سياسية,وتعمل في هذا السياق على خلخلة الرؤى والأهداف والتقاليد التي توارثها شعبنا,على الصعد الوطنية والاجتماعية والثقافية.
ولكن إشارتنا في هذه المناسبة إلى واقع الفصائل والى الأزمة التي تحيق بها, وتحيق بالمشروع الوطني برمته,جراء التعنت الإسرائيلي الذي أوصل العملية السياسية,إلى أفق مسدود,والى عبث التواصل من خلاله,كأداة لانجاز الحقوق الوطنية,مع محدودية الخيارات البديلة للكل الوطني,كل ذلك يجعلنا نهيب بالقوى السياسية الفلسطينية,وندعوها إلى مواقف عاجلة ومبدعة,تستطيع من خلالها مواصلة دورها الكفاحي,بطرق خلاقة..ولكن كما ذكرت آنفا فان ذلك كله ,لا يمنعنا ولن يمنعنا من رفع تحية وكبيرة لرفاقنا في جبهة التحرير الفلسطينية,في يومهم الوطني,فهذا الفصيل له الكثير من اللمسات الرائعة,في سيرة كفاحنا,وله الكثير من الذكريات التي ما أن تلوح في أفق المخيلة,حتى تعيد لنا نبض التحدي والأمل في شعبنا,وقدرته على تجاوز المحن.
ولكن مرة أخرى فليعذرني رفاقي في جبهة التحرير,إذ أجيء على قضايا مختلفة في كتابتي عن يومهم الوطنيفذلك إيمانا مني أن ذكرى المناضلين,تستدعي سيرة النضال كلها بآمالها وآلامها,وانتهز هذه المناسبة العزيزةعلى قلوب كل الوطنيين-بلا شك-لأقرع جدران الخزان,علنا نسمع صوتنا ونسمع عقلنا قبل فوات الأوان.