الكارثة التي فاقت.. مصاب النكبة
بقلم الرفيق :حمدان الجعدي
لقد باتت فلسطين تتجرّع في كل لحظة ،وعلى مدار أيام السنة ،فلماذا الحديث عن النكبة ،واقتصاره على يوم واحد كل عام ،كما لو كانت مأساة الشعب الفلسطيني مختصرة بإيجاز على هذا الحدث بالذات ؟؟..
هناك مقولة شهيرة مفادها ،انه لو لم توجد إسرائيل لأوجدها النظام العربي ،وقد برزت شعارات من قبيل : لا صوت يعلو على صوت المعركة ،ليزيد الطين بلّة ،فالنظام الذي نجح في تثبيت وضعه ،وعجز أو تعاجز عن الوفاء لمرجعيته ومبرر وجوده ،القائمة أساسا على وعود تحرير فلسطين من البحر إلى النهر ،عاد لينسلخ عن جلده ،مكتفيا بالدعوة للتصدي والصمود في وجه العدوان الإسرائيلي.
أما اليوم ،ونحن نحيي ذكرى مرور اثنين وستين عاما على نكبة فلسطين ،فان حسابات الميدان ،تشير صراحة إلى حقائق أدهى وأمرّ ،ليس اقلّها الكارثة المدمرة التي تجتاح الحالة العربية لتصيب القضية الفلسطينية في الموضع الأكثر وجعا وإيلاما ،بهدف تصفيتها بالمرّة والى الأبد..إنها الكارثة التي تجاوزت أثارها مصاب النكبة وفاقت مضارها دمار النكسة..إنها الكارثة التي تخفي بالكاد ملامحها البشعة خلف آفة الخلاف والانقسام في ساحة النضال الوطني الفلسطيني ،هذا الوباء الفتّاك الذي تسرّب بدناءة وخبث إلى الجسد الفلسطيني راح يعمل فيه ألوانا من الفت والتكسير والتعفين.
كل الحروب قذرة بالضرورة ،على أن الحروب الأهلية تبقى الأكثر قذارة ونتانة ،أما إذا دارت رحا الحرب بين فصائل مقاومة لا تمتلك أرضا ولا سلطة ولا دولة للصراع عليها والتناحر لأجلها ،فتلك هي الحرب الأقذر والأنجس بين كل أشكال وأنماط الحروب قاطبة.. وهذا بالضبط ما حصل بين الإخوة الأعداء في الساحة الفلسطينية ،أمام سمع ونظر العرب جميعهم ،وأية حرب تلك التي جرت بين حركتي فتح وحماس في مطلع صيف العام 2007 ،وأسفرت عن ورم الانقسام الذي يحمل في داخله مبرر استمراره ،واستحالة استئصاله بأدوات محلية ،عربية أو إقليمية.
كل ما يعترينا من أسف واستنكار لا يمكن أن يغير من الأمر شيئا، وخاصة لجهة خروج مقاليد القضية من أيدي العرب والنظام العربي تحديدا ،الذي أصبحت فلسطين بالنسبة لوضعه المهترئ محل إزعاج وإحراج المطلوب التخلّص منها وتصفيتها بالسرعة الممكنة ،وكأننا بالنظام العربي القائم قد اختار الصراع في فلسطين من خلال توزيع أطرافه بين مؤيد لفصيل معاد لآخر وبين داعم لهذا نكاية في ذاك ،وتخلى بذلك عن الصراع على فلسطين لصالح أطماع القوى الإقليمية الزاحفة ،ومصالح القوى الدولية الكاسحة.
وكأننا بحكماء فلسطين يتوجعون من مثواهم الأبدي ،لشدة وطء الكارثة التي حلت بقضية شعبهم بعد كل الجهود والتضحيات التي أخرجتها من غياهب النسيان ،لتجعل منها قضية العرب الأساسية ،والأولى بين قضايا العالم العادلة ،..هم الذين كان شغلهم الشاغل ،إلزام العرب بمسؤولياتهم ،مع الحفاظ على استقلالية القرار الوطني الفلسطيني ،فإذا بالفتنة تخرج أنيابها لتنهش في جسد الوطن الفلسطيني الواحد ،تبخّر حلم الاستقلال ،وترهن القرار الوطني لأيادي أعجمية أجنبية ، في ظل إفلاس النظام العربي المعلن..