فلسطين و..العشق الخادع
بقلم الرفيق :حمدان الجعدي
إذا كانت الآلهة نفسها ،وهي المعروفة بالجدية والوقار ،قد أحبت فلسطين إلى حد الجنون،فهل نلوم شاعرا أو كاتبا أو أديبا مبدعا ،أو حتى أميرا أو ملكا أو إمبراطورا ،أن يقع في حب ارض كنعان التي تفيض لبنا وعسلا ..وخمرا أيضا، كما تروي الأسفار المقدسة ،وكتب الأقدمين ؟
هي جنة عدن إذن، بل قل: هي الجنة التي ورثت محاسن وعطور وظلال كل الجنان بمن فيها جنة عدن بطبيعة الحال، لهذا أرادها الإله العبراني ـ يهوه ـ طعما لأحبار اليهود، عندما جعلها منها هدفا أسمى لأطماع شعبه المختار.
على أن بعض الحب لا ينزل بردا وسلاما على قلب الحبيبة، فقد كان هناك دوما، من الحب ما قتل..وليست الأمثلة ما يعوزنا في هذا الباب ،فقد أحب يشوع بن نون ارض كنعان ودشن حبه بالسيل العبراني الجارف الذي غزا البلاد فأتى على الأخضر واليابس ،وبدأ بحاضرة أريحا التي لم يبرحها إلا وقد استوت دورها وقصورها بالأرض وقضى على كل كائن حي فيها ،فكانت مجزرة تاريخية تناثرت فيها الجثث على أكوام الركام والدمار.
ليس يشوع وقطعان جنود يهوه وحدهم من مات عشقا في فلسطين، فقد أحب العديد من الطغاة والمغامرين الذين استهوتهم ارض كنعان ،من غير أن تكون لهم حاجة إلى اللبن والعسل والخمر ،إنّما كانت غايتهم تحويل البلاد إلى واسطة العقد التي تزيّن أملاك إمبراطورياتهم ، وليس مثل،ملك ملوك الفرس كسرى انوشروان، وهرقل عظيم الروم بعيدا علينا ،بحيث تخفي أطماع الأول ،نوايا الثاني ،والعكس صحيح..وكل ما نستطيع استخلاصه من مصارع عشاق فلسطين ،آن الطريق إلى جنة المحبوب ليس دوما مفروشا بالنوايا الحسنة،على الأقل ليس في زمننا الحالي الذي غابت عنه ضروب السذاجة ،والحماقة والغفلة .. في ممارسة الحب والسياسة معا.
لقد عانت فلسطين في الماضي الأمرين، من وحشية حب أعدائها العبرانيين ،الذين عاد أحفادهم في أيامنا هذه ليذيقوا ارض الميعاد ما فات على أجدادهم إلحاقه بها وبشعبها المكافح الصبور ،من ألوان التقتيل والتدمير ،وليس خافيا على احد أن حبا جارفا لفلسطين يخفي حلما إمبراطوريا توسعيا طالما راود أحفاد الفرس ،والقائمين على عرش الطاووس الفارسي في وقتنا الحالي ،وأغراهم بالعودة إلى الشاطئ المتوسطي عبر بلاد الشام بدءا من بوابتها الفلسطينية تحديدا.
العثمانيون الجدد بدورهم يتحرقون عشقا لفلسطين، ليس تقرّبا من البحر المتوسط الذي يمسكون بأهم مواقعه الإستراتيجية، بل رغبة في إحياء أمجاد السلاطين والخلفاء الغابرين..وربما ،نكاية في اروبا المصرة على إنكار أمومتها أو تبنّيها للجنس التركي.
بقي أن نعرف من سيتولى فتح البوابة لكل هؤلاء العاشقين الطامحين المتهافتين على حب فلسطين ..لعل خدمة من هذا القبيل لن تبخل بها الإمارة الإسلامية في غزة المحاصرة ،طالما وافقت واستعدّت حركة حماس على أداء دور راحاب في المهزلة التاريخية ..أما من راحاب هذه ؟.. فتلك المعضلة وفيها العقدة والحل معا.