لا تدخلوا ببيت الطاعة
بقلم الرفيق:ابو جمال طارق
حمل المبعوث الأمريكي الخاص الى الشرق الأوسط جورج ميتشيل عصا الرئيس باراك اوباما الغليظة متكاءً عليها واقفاً بوجه الرئيس محمود عباس طالباً منه التقدم الى المفاوضات المباشرة مع الاسرائيلين. اذا كان الرئيس الفلسطيني معنياً بأن يساعده الرئيس باراك اوباما في الدفع إلى الأمام بإقامة دولة فلسطينية.مهددا وحسب مصادر عديدة بقطع المساعدات عن السلطة الفلسطينية.
ودون الدخول في اية تفاصيل عن ماهية الدولة التي يساعد اوباما على الدفع باقامتها والاستيطان يأكل ويقضم الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية والقدس ولم يبقى من مساحة أراض الضفة والقدس سوى اقل من 50% وحسب مصادر مختصة فأنه لم يبق الا 42% منها أي اقل من 10% من أراضي فلسطين التاريخية.
رسالة اوباما واضحة لا لبس فيها. منحازة كلياً الى الجانب الإسرائيلي وبشكل جلي لا لبس فية ايضاً.وهي بذات الوقت طلباً أمريكيا مباشراً للسلطة بدخول بيت الطاعة والا فالطلاق واقع.
ودون الالتفات الى المطالب الفلسطينية المحقة بتحديد مرجعية المفاوضات أي بمعنى تعريف واضح لحدود الرابع من حزيران 1967, مع تبادل للأراضي محدود ومتفق علية
” وللتذكير فإن موضوع التبادلية كان من النقاط الرئيسة التي رفضها القائد الرمز المرحوم ابو عمار”
قبلت السلطة الفلسطينية الحل الوسط بالدخول بمفاوضات التقريب او المفاوضات غير المباشرة وأعطيت هذه المفاوضات أربعة اشهر يتم خلالها بحث موضعين أساسيين هما الحدود والأمن. وكانت السلطة قد اشترطت تحديد المرجعية بشكل واضح لا لبس فية ووقف الاستيطان شرطاً لموافقتها على الحل الوسط.
ودون ان تتقدم المفاوضات غير المباشرة حسب تصريحات المسؤولين الفلسطينيين أية خطوة إلى الأمام. جاء الضغط العنيف على السلطة من كافة الأطراف المعنية بالسلام في الشرق الأوسط . فإسرائيل مارست اشد الضغوط على السلطة الفلسطينية كي تبدأ المفاوضات المباشرة معها دون توضيح موقفها من أي من المطالب الفلسطينية.
رئيس الوزراء الإسرائيلي رئيس اليمين القومي والديني المتطرف نتنياهو كان على الدوام
متعنتا سواءً كان في المعارضة ام على رأس السلطة السياسية. فالتعتيم والمماطلة والتغريب ما تزال هي شعارات استراتيجيته السياسية. ولهذا تبدو محادثات السلام الجدية والقابلة للإدامة من اجل الوصول الى أي حل بعيدة المنال كما كانت دائماً.
وبعيداً عن التضليل الإعلامي الأمريكي,والتفسيرات والافتراضات والمرحبة برجل أمريكا القوي. صاحب نظرية التغيير, الذي جاء إلى الشرق الأوسط وتحديداً الى القاهرة ليعلن من هناك أن الإدارة الأمريكية الحالية برئاسته ستعمل على التعاطي مع مشاكل المنطقة والعالم الإسلامي بشكل مختلف عن الإدارات السابقة. وانتظر البعض ونظّر بأن اوباما مختلف وسيكون اقلها غير منحاز لطرف على حساب طرف أخر في تعاطيه ومشاكل المنطقة وفي مقدمها الصراع العربي الإسرائيلي. متعهداً بحلها على أساس حل الدولتين.
لم يصمد اوباما طويلاً بل اتخذ سلسلة من القرارات والترتيبات المنحازة والداعمة لإسرائيل
والتي سيكون لها اكبر الأثر على السلام في الشرق الأوسط والمنطقة بشكل عام. من ابرز هذه القرارات ما كشف عنها السيد اندرو شابيرو مساعد وزيرة الخارجية للشؤون السياسية والعسكرية في جلسة مكتظة بحضور شخصيات مهمة في مركز بروكنغز سابان ونشرتها [ ذا بالستاين كرونيكل بتاريخ 24/7/2010 تحت عنوان ” اوباما.. إرضاء إسرائيل المكلف” للكاتب جورج حشمة. ] .فقد سلط شابيرو الضوء على ما يلي :
-على الرغم من “هذه الأوقات التي تنطوي على التحديات بالنسبة للموازنة”،طلبت إدارة اوباما من الكونغرس مبلغ 2.775بليون دولار من اجل تمويل المساعدات الأمنية لإسرائيل بالتحديد،” الأكبر من بين هذه الطلبات في تاريخ الولايات المتحدة “،ووعدت بان ” تستمر هذه الإدارة في احترام هذا الالتزام لمدة عشر سنوات بتقديم 30بليون دولار خلال السنوات المالية القادمة “.
– “إن إسرائيل هي حليف ضروري وحجر زاوية في التزاماتنا الأمنية الإقليمية (و) الدعم الاميركي لأمن إسرائيل أكثر كثيرا من مجرد كونه تعبيرا بسيطا عن الصداقة .
إننا ملتزمون بشكل كامل بأمن إسرائيل لأنه يحسن أمننا القومي الخاص “.
– اشتمل دعم الولايات المتحدة لأمن إسرائيل على صفقة لبيع طائرات من طراز (اف 35-) المقاتلة المشتركة ,وإجراء تمرينات مشتركة , وأبحاث وتطوير مشتركين,و”تمويل نظام الدفاع الصاروخي المسمى “القبة الحديدية”المطور (بشكل مشترك مع إسرائيل) للرد على التهديد القادم من الصواريخ متوسطة المدى التي يطلقها كل من حماس وحزب الله “..!
– “إن إحدى مسؤولياتي الأساسية هي حفظ التفوق العسكري الإسرائيلي النوعي …من خلال التدريب والمناورات العسكرية المشتركة . وقد شارك أكثر من 1000جندي اميركي (مؤخرا)في جونيبر كوبرا(تمارين للدفاعات ضد الصواريخ البالستية),والذي كان اكبر تمرين اميركي- إسرائيلي مشترك في التاريخ”.
– “من الشهادات على علاقاتنا الأمنية الخاصة أن إسرائيل تحصل كل سنة على أكثر من 50%من أموال المساعدات الاميركية الأمنية التي توزع من خلال برنامج التمويل العسكري الخارجي …ويبلغ كامل مبلغ هذه المساعدات 5بلايين دولار سنويا ,وتوزع بين 70دولة”.
– “إن إسرائيل هي الدولة الوحيدة المخولة بان تخصص ربع أموال المساعدات الأمنية التي تتلقاها من اجل صفقاتها الخارجية,ويقدم هذا الاستثناء دفعة مهمة للصناعات الدفاعية الإسرائيلية المحلية ,ويساعدها على تطوير قدرات إنتاج محلية”.
– “إننا نعمل مع إسرائيل على تحديث نظام باتريوت للدفاع الجوي والصاروخي ,الذي تم نشره أول الأمر خلال حرب الخليج ,وقد نصبنا أنظمة رادار متقدمة لتزويد إسرائيل بالإنذار المبكر من الصواريخ القادمة”.
– “تعمل المعدات من اصل إسرائيلي , والمنشورة في ميادين المعارك العراقية والأفغانية على حماية القوات الاميركية كل يوم(و)نحن نعمل بشكل وثيق أيضا…على تحسين أمننا المشترك, من الجهود المبذولة لإغلاق الشبكة الهائلة من الإنفاق التي يجري استخدامها لإعادة تسليح حماس ,إلى تعقب ومحاربة تمويل الإرهابيين ,إلى مكافحة انتشار أسلحة الدمار الشامل”.
– “لقد كنا عاكفين على استكشاف وإيجاد طرق جديدة لضمان امن إسرائيل ولتحسين علاقاتنا السياسية-العسكرية الثنائية…”وقد طلب الرئيس اوباما من الكونغرس السماح بتخصيص مبلغ 205 ملايين دولار من اجل دعم “إنتاج نظام دفاع صاروخي تطوره إسرائيل ضد الصواريخ قصيرة المدى,والذي يدعى القبة الحديدية”.
بطبيعة الحال , كان شابيرو يفصّل فقط ما كان اوباما قد قاله في وقت سابق من هذا الشهر: إن الولايات المتحدة ملتزمة بأمن إسرائيل. ونحن ملتزمون بهذه الرابطة الخاصة, وسوف نفعل كل ما يلزم لدعم ذلك, وليس بالأقوال فقط ولكن بالأفعال”.
في ضوء ما تقدم فإن السؤال الأبرز كان على الدوام عما يمكن أن يجعل إسرائيل تقدم أي تنازلات في وقت تنال فيه كل ما تحتاج إليه من الولايات المتحدة الأمريكية.
ان الرهان على الضغط الأمريكي على إسرائيل لتلبية متطلبات السلام او المساهمة بإنجاح محادثات السلام المباشرة في حال الانتقال إليها يبدوا وهم بل الإمعان بالأوهام التي لا تجلب سوى التنازلات من طرف واحد وفقدان الأمل الفلسطيني بإقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على حدود الرابع من حزيران 1967.
وللتذكير أعود إلى ما كان نتنياهو قد قاله في مستوطنة عوفرا عام 2001. حيث قال :
لقد سألوني قبل الانتخابات عما اذا كنت أحترم ” اتفاقيات اوسلو” فقلت انني سأفعل. ولكنني سوف أفسر الاتفاقيات بطريقة تسمح لي بوضع نهاية لهذا القفز أماماً باتجاه حدود العام 1967. كيف فعلنا ذلك يقول نتنياهو. ويجيب لم يقل احد أين كانت المناطق العسكرية المحددة. إن المناطق العسكرية المحددة هي مناطق أمنية. وبقدر ما يهمني فإن كامل نهر الأردن يعرف بأنه منطقة عسكرية.
فاذهبوا وجادلوا كما يحلو لكم. وبهذه الطريقة خلص إلى أن ” لقد وضعت بحكم الأمر الواقع نهاية لاتفاقيات اوسلو”.
من جانبها اختارت السلطة الوطنية أن تحتمي بغطاء عربي لم يسعفها. فقد أكد العرب على غير ما كانت تتوقع السلطة منهم في الوقت الحاضر. التهرب من مسؤوليتهم تجاه القضية الفلسطينية والامتثال للضغوط الأمريكية والدفع بالسلطة الفلسطينية لولوج بيت الطاعة. وتركت للسلطة تحديد الوقت التي تريد فية وضع نفسها في قفص الطاعة.
السلطة من جانبها وعلى لسان رئيسها السيد محمود عباس ترفض بيت الطاعة هذا وتطالب كما كانت بتحديد مرجعية المفاوضات ووقف الاستيطان قبل البدء بالمفاوضات المباشرة.
إلى أي مدى ممكن أن تصمد السلطة الوطنية وثقل الضغط عليها كبير.
الجماهير الفلسطينية تتمسك بمطالب السلطة الوطنية الفلسطينية وتلتف حولها . وقد أثبتت الأحداث أن الشعب الفلسطيني يضرب للعالم اجمع أمثلة على الصمود والعطاء.
فهل تنحاز السلطة إلى جماهيرها.