كتب يحيى رباح – علامات على الطريق : ذاكرة في زمن الافول
جبهة النضال الشعبي أقامت احتفالية رمضانية يوم الاثنين الماضي في مدينة غزة لمناسبة الذكرى الأولى لرحيل القائد الوطني، ابن القدس الشجاع الدكتور سمير غوشة أمين عام الجبهة، وكانت الاحتفالية حاشدة، تحدث فيها الدكتور زكريا الأغا عضو مركزية فتح وعضو اللجنة التنفيذية، وكان حديثه طافحا بالمرارة، فقد قال إنه كان ينوي الحديث عن تداعيات الوضع الداخلي ولكنه غير رأيه في اللحظة الأخيرة، لأن الكلام لم يعد له فائدة، ولم يعد له مصداقية، أهمية الدكتور سمير غوشة في هذا المسار الصعب الذي وصلت اليه العلاقات الداخلية المستحيلة، أنه منذ بدأ نجمه يسطع في القدس، في اطار الحركة الوطنية الفلسطينية والثورة الفلسطينية المعاصرة، استطاع دائما أن ينجح في كل الاختبارات الوطنية، مع فلسطين دائما، مع الشرعية الوطنية دائما، مع القرار الوطني الفلسطيني دائما، وأنه لم ينزلق لحظة واحدة، رغم وعورة الطريق، ورغم قوة الاغراءات، ورغم أن التجاذبات الاقليمية في حياته وصلت الى ذروتها، وكان يمكن أن يستثمر كل ذلك، لولا أن تربيته الوطنية العريقة جعلته دائما ينحاز الى فلسطين مهما كان الانحياز مكلفا، الحديث عن الدكتور سمير غوشة، ابن القدس، وفارسها، يقودنا هذه الأيام الى الكارثة التي نعاني منها على صعيد الخلاف الداخلي، الذي تغول، وتشبث وتشابكت أشواكه الدامية الى حد الانقسام، ثم وجدنا أنفسنا في هذا الانقسام بلا حول ولا قوة رغم كثرة الادعاءات وارتفاع صوت الجعجعات! لدرجة أن أحدا لا يستطيع أن يقول بصدق أين هو جوهر الخلاف الفلسطيني؟ وهل هو خلاف فلسطيني فعلا أم اندياح أعمى بلا ارادة في أوعية الآخرين؟ وكيف أن أخلاقيات العمل الوطني، بل وأخلاقيات العمل السياسي عموما تتراجع بشكل مخيف في ساحتنا الوطنية، لدرجة أن الكلام الذي يخرج من الأفواه في المنابر، والمهرجانات، والمؤتمرات، وعلى شاشات الفضائيات، فقد مصداقيته بالحد الأدنى، لأنه غارق في الكذب المكشوف، وواقع تحت تأثير التلفيقات المفضوحة.
فمثلا:كيف يكون فصيل فلسطيني، أو طرف فلسطيني، غارق في الانقسام، متشبث بالانقسام ثم يدعي بعد ذلك أنه ضد المفاوضات، لأنها تتم بشروط مجحفة أو على قاعدة التنازل؟ فهل هناك اجحاف وتنازل وضرب للارادة الفلسطينية والمصلحة الفلسطينية أكثر من الانقسام؟ الرئيس أبو مازن يعترف ليل نهار بالضغط الذي يمارس عليه، سواء كان هذا الضغط سياسيا تمارسه القوى الدولية الكبرى أو النظام الاقليمي العربي، أو كان هذا الضغط موضوعيا يتمثل في حجم المسؤولية التي يحملها تجاه شعبه! فهل الأطراف الأخرى المتورطة في الانقسام، والمتورطة في المعارضة تمتلك شجاعة الاعتراف بالضغوط التي تمارس عليها من قبل حلفائها الاقليمية؟ الحديث عن الخلاف السياسي، وتحميله المسؤولية عن الانقسام، هو كلام لا أساس له من الصحة أو من الصدق، فإن الخلافات السياسية موجودة أصلا في جينات القضية الفلسطينية حتى قبل وقوع النكبة! لأن الأطراف المحيطة بنا كان لها رؤى سياسية مختلفة ومتناقضة أحيانا حول القضية الفلسطينية، وكانت هذه الخلافات تضغط في كثير من الأحيان الى حد الاختناق!!! فكيف استطاعت الحركة الوطنية الفلسطينية عبر أكثر من أربعة عقود، أن تدير هذه الخلافات، وأن تخفف ما أمكن من انعكاساتها، بحيث تحقق لنا مكاسب رئيسية، مثل وجود المنظمة، وحضور فلسطين السياسي، وتكريس منطقة فلسطين واجبار اسرائيل على الاعتراف بالمنطقة والجلوس معها وتوقيع اتفاق أوسلو، وبناء السلطة الوطنية، التي جاء الانقسام لاقتطاع جزء من موجوداتها؟؟؟ في ظل جبهة الرفض سابقا، وفي ظل أزمة الكويت، وفي ظل الحرب الأهلية اللبنانية، وفي ظل سقوط النظام الدولي السابق، كيف أمكن الحفاظ على الهيكل الوطني الفلسطيني، رغم أن الخلافات كانت تصل الى ذروة امتدادها الاقليمية والدولية؟.
والجواب أصبح معروفا اليوم فحين تكون الارادة الفلسطينية حاضرة وطنيا فإنه يمكن ايجاد المخارج، ولكن حين تغيب الارادة الوطنية نهائيا، فإن الأصوات الصارخة تظل هي الصدى، مجرد صدى، ليست هي الفاعل بل هي الصدى، وليست هي الحاضر بل هي الصدى، ولذلك يحدث هذا السقوط في كل اختبار. يرحم الله الدكتور سمير غوشة، فلقد كان الأصدق حين لم يخدع نفسه بادعاءات وأدوار يدعيها، وكان الأوعى بحيث لم يقبل أن يكون الصدى لصوت هنا أو هناك، بل ظل مخلصا لفلسطين رغم عمقه القومي وثقافته القومية، لأنه كان يؤمن الى حد اليقين، أنه دون أن يكون الفلسطيني فلسطينيا أولا وأصلا، فان الأقنعة القومية والاسلامية لا تكون الا أقنعة للكذب والخداع. Yehia_rabah2009@yahoo. comYhya_rabah@hotmail. com