الموقف من هذه المفاوضات المباشرة
بقلم الرفيق : محمد نفاع
الحداثة والتجديد في الطرح في قضية مزمنة ومعروفة ، والخروج عن المألوف ليس بالضرورة صحيحا ونافعا، بل بالعكس ، فالمسألة ليست مباراة كرة قدم يلعب فيها التخمين والمفاجآت دورا ما .
أساسا هذا التعبير- مفاوضات بين الجانب الإسرائيلي والجانب الفلسطيني- هو مغلوط من أساسه ، فهذه ليست طوشة عمومية تضيع فيها الطاسة ، هنالك محتل يجب أن يخرج ، هناك مستوطنات يجب أن تقلع قلعًا ، هنالك حق تقرير مصير يجب أن يتحقق ، هنالك دولة يجب أن تقوم ، هنالك جرائم يومية ترتكب من قبل المحتل الإسرائيلي وهي جزء من واقع الاحتلال يجب أن تتوقف فقط إذا انقلع الاحتلال هل هذا جمود عقائدي أو سياسي !! هل هذا تحجّر في الطرح.
من الجانب الفلسطيني لا يجب أن يُطلب أي شيء بتاتا وخلف الله عليه إذا وافق وجلس مع ممثلي الاحتلال الإجرامي ، هذه روح قرارات الأمم المتحدة ، هل الجانب الفلسطيني أخذ شيئا ما وعليه أن يردّه ! اخذ القتل والمصادرة والنهب والتشريد والسجون والجدار..هل هذه حقيقة أم لا!! أحيانا كم علينا أن نمقت ونستنكر مقولات مثل: علينا أن نكون واقعيين !! أي علينا أن نسلّم بهذا الواقع الإجرامي والمستمر وعلينا أن نتنازل ونتسامح مع العدو ، علينا أن نقر بإعطائه مكافأة على احتلاله وجرائمه ، عليه أن يأخذ ثمن أتعابه في الاحتلال والاستيطان والقتل.. أين هذا من الحقيقة؟ وأين هذا من المنطق ؟! قسم من هذا “الرأي العام” يعرف ويحرف لان هذا هو جوهره هذه هي طبيعته ، هذه هي مصالحه ، وهذا الجانب العربي يسهّل جدا على المصالح الأمريكية ويلوّح بها على أمل أن تغير جوهرها وطبيعتها ، هل يوجد أسخف من هذا التفكير!! لو يجري فقط التلويح بضرب هذه المصالح لكان الوضع أفضل بكثير.
ماذا جلب التقرب من امريكا غير المآسي والكوارث !! لماذا توجد دول فقيرة وصغيرة وذات إمكانات محدودة تستطيع أن تقول لأمريكا لا !! لماذا توجد قوى سياسية مقاوِمة تستطيع أن تقول لا وتحقق نجاحات وتُفشل مخططات!!إن شرط إسرائيل حول ” يهودية الدولة ” مقبول جدا شرط أن يكون بحسب قرار التقسيم وليس باستثنائه ، هذا أيضا من جملة قرارات الهيئة الدولية ، هذا ” الرأي العام ” الأمريكي والأوروبي يساوي بين المحتل والمجرم وبين الضحية ، ولديه طلبات ” عادلة ” من الطرفين !! وعلى الطرفين أن يتنازلا !! أية معادلة هذه !! وحتى لو تكرمت إسرائيل بقبول إقامة دولة فلسطينية فعلى هذه الدولة أن تكون مسخا وطرحا وخدجا قلّتها أحسن منها ، إن تعابير مثل: إسرائيل فوق القانون ، ويحق لها ما لا يحق لغيرها يجب أن تقابل بالحذاء هل هذا الكلام من نسج الخيال ومن جزر واق الواق !! جرى التعامل مع البديل فماذا كانت النتيجة !! المستوطنات تزيد وتتوسع ، المصادرة مستمرة ، والشروط تتكدّس وعلى الجانب الفلسطيني أن يظهر مرونة وإبداعا في الحداثة والواقعية ، أي أن يتنازل عن الشيء الكثير ليحصل على القليل ، يتنازل عن الأساس والجوهر لينال القشور.
كل ذلك حتى يبدو محبا للسلام أمام ” الرأي العام ” العالمي ، وهذا الرأي العام هو الاستعمار الأمريكي والأوروبي والرجعية العربية الذي يخلق ” رأيا عاما ” محكوما إما بدكتاتوريات بدائية ، أو بتضليل مقرف.
إن مجرد القبول بمبدأ المفاوضات هو اعتراف بان على الجانب الفلسطيني أن يبدي تنازلات !!
ولا يوجد أي معنى آخر، ولا أي هدف آخر ، ويكسب شهادة انه “متعنت” وحجر عثرة في طريق السلام.هل للجانب الإسرائيلي أية مصداقية في فرض شروط على المفاوضات ! وأي حق ، نحن نعرف أن الخلاف بين طرفين يجب أن يحل بالمفاوضات ، لكن أي خلاف لإسرائيل مع الفلسطينيين !! فهي المحتلة وعليها أن تتنازل عن كل شيء أخذته ، نحن نعرف أن إسرائيل تملك القوة ، ومعها قوة امريكا وقوة أتباعها ، فإذا كانت الحكمة والحداثة هي الرضوخ للقوة فالحل موجود ، لا يكسر معيار القوة الغاشمة الإجرامية إلا بالرفض والتمسك بالحق ، والدفاع عن هذا الحق حتى ولو بالموقف فقط ، لان تعبير المقاومة ادخلوه في قائمة الإرهاب ، صار عارا وجريمة. أما الاستسلام والواقعية فهما حنكة وحكمة يشار إليهما بالبنان.
إن ” رأيا عاما ” مدجّنا يسكت عن جرائم إسرائيل تجاه فلسطين ولبنان وسوريا وإيران ، ويسكت عن جرائم امريكا في العراق وأفغانستان والشرق الأوسط والعالم ، هذا الرأي العام ليذهب إلى سقر وهذا ممكن ، وهناك أمثلة اليوم يجب التمثل بها ، فلن يكون البديل أفضل أبدا ، إن الذي فكر ولو للحظة بالسكوت عن احتلال العراق وإسقاط نظام صدام حسين وشنقه يوم العيد هو خاطئ من الوزن الثقيل ، جورج دبليو بوش كان يعرف انه لا يوجد سلاح دمار شامل في العراق ، وطوني بلير أيضا ، ومع ذلك دمروا العراق ، على كل وطني حقيقي ، وعلى كل تقدمي وعلى كل إنساني أن يعرف أن الولايات المتحدة هي عدوة الشعوب وعدوة السلام ، ومعها إسرائيل ، ومعهما كافة التوابع ، هذا صحيح فكريًا ، وسياسيًا وطبقيا ، هذا هو المفتاح لموقف ثابت مبدئي ، وهو ليس موقفا متحجّرا ومحنّطا ، بل هو الموقف الوحيد والصحيح وما عداه يكون فيه الكثير من العيوب الخطيرة.
أمين عام الحزب الشيوعي في أراضي 48