توطين الوظائف وسياسة الإحلال للعمالة العربية
بقلم النقابي : محمد بدران
إن البطالة في البلدان العربية آخذة بالتصاعد حيث تشير المعلومات أن نحو 31 مليون عامل عاطل عن العمل في المنطقة العربية، والنسبة الكبرى تنتشر بين الشباب حاملي الشهادات العليا وخريجي الجامعات، وتتفاوت نسبتها من قطر لآخر، إذ تصل معدلاتها ما بين 17% إلى 60% في بعض البلدان، ويرجع السبب في ذلك إلى المتغيرات الدولية والتكتلات الاقتصادية ونظام العولمة والتحولات التكنولوجية التي انعكست على القوى العالمة وانجازاتها الأمر الذي أدى إلى إقفال العديد من المصانع، إضافة إلى عدم إتباع سياسة وضع خطط اقتصادية ومشاريع إنتاجية لاستيعاب الأيدي العاملة، وتداخل عوامل متشابكة وتحديات مختلفة تعيق التنمية الاقتصادية ونموها، وكذلك عدم توظيف رؤوس الأموال العربية وتوطينها لخلق أسواق اقتصادية ومشاريع استثمارية فاعلة لاستيعاب المهارات العلمية والطاقات المبدعة التي لم تجد في أوطانها من يرعاها ويفتح المجال أمامها ويهيئ لها مراكز الأبحاث ويستوعبها مما تضطر إلى الهجرة إلى الدول الأجنبية فتخسرها أوطانها وتستفيد منها الدول المستقبلة.
ومما لاشك فيه أن العمالة الأجنبية الوافدة من جنوب شرق آسيا إلى دول الخليج العربي والتي يصل تعدادها إلى نحو 14 مليون عامل قد ساهمت في تطوير اقتصاد تلك الدول وتنميته، رغم أن هذه القوى العاملة تستنزف من أموال بلدان الخليج العربي المليارات بتحويلها إلى بلدانها ليستفاد منها في مشاريع اقتصادية محلية، غير أن المتغيرات الدولية والتطورات الاقتصادية المتسارعة قد هيأت العديد من الطاقات الفنية الوطنية المؤهلة والتي امتلكت خبرات ومؤهلات، مما أدى إلى إحلال الأيدي العاملة الوطنية وبشكل تدريجي، وقد نجحت بعض البلدان الخليجية في توطين العمالة الوطنية ومنها دولة قطر، مع أن ما زالت هناك صعوبات تواجه القوى العاملة الوطنية والعربية، ومنها عدم تطبيق معايير العمل العربية، وإصدار تشريعات تحمي العمالة والحقوق والحريات النقابية.كما أن بعض تلك الدول لم تسمح بتشكيل النقابات وإنشاء مراكز الأبحاث والدراسات والمعاهد المهنية الكافية والملائمة لخلق الكوادر المهنية المؤهلة.
تنقل الأيدي العاملة العربية… وسياسة توطين الوظائف
مازال تنقل الأيدي العاملة العربية يواجه صعوبات رغم الاتفاقية العربية رقم 4 لعام 1975 بشأنها، وقد طرحت هذه المسألة في العديد من الندوات ومؤتمرات العمل العربي، وذلك لتسهيل حرية تنقل العمال طبقاً لهذه الاتفاقية، التي من شأنها أن يساهم تنقلهم عبر مواقع العمل في الأقطار العربية إلى تطوير الاقتصاد العربي وتنمية الشعور القومي، وتبادل الخبرات، وتعميق المفاهيم الاجتماعية والترابط الوطني، وتعزيز المصالح المشتركة، وخلق توازن ما بين النمو الاقتصادي وسوق العمل والتنمية البشرية، والذي لا يمكن لهذه المعطيات أن تتحقق إلا من خلال تعاون الدول العربية، وفتح أسواقها للعمالة العربية ضمن ضوابط وتشريعات وقوانين يعزز التكامل الاقتصادي والاجتماعي من خلال استيعاب الأيدي العاملة العربية المؤهلة وإحلالها تدريجياً محل الأيدي العاملة الأجنبية، وذلك في إطار احتياجات الدولة المستقبلة لتنمية اقتصادها وتطوير مشاريعها الاستثمارية، آخذين بعين الاعتبار استيعاب العمالة الوطنية في الدرجة الأولى.
ويترتب على الدول العربية العمل لتكاملها الاقتصادي وتوطين رؤوس أموالها والتقريب بين تشريعاتها العمالية وذلك لتسهيل تنقل الأيدي العاملة والحفاظ على إقامة العمال وحمايتهم وتوفير المزايا والحقوق التي يتمتع بها عمال القطر المستقبل للعمالة العربية الوافدة، وتوفير الخدمات التعليمية والتأمينات الاجتماعية والضمان الصحي وحرية العمل النقابي.
التدريب المهني.. والعمالة المؤهلة
لا يمكن لأي تنمية اقتصادية أو مشاريع إنتاجية أن تحقق أهدافها وتنجح في عملها دون تهيئة كوادر مهنية مؤهلة ومدربة ولديها الخبرة في الإدارة وتسير العمل وضبطه. وتقع مسؤولية تأسيس وإنشاء المعاهد المهنية والإدارية على عاتق الدولة والمهتمين بنجاح مشاريعهم، وذلك لتخريج العمالة المدربة والمؤهلة لينتفع بها أصحاب المؤسسات الاقتصادية ومؤسسات الدولة الإنتاجية من خلال توظيف هذه الطاقات والاستفادة منها في تنمية الاقتصاد الوطني ورفع جودة الإنتاج، بحيث إذا وجدت هذه الكفاءات المهنية في قطر عربي ما، فسوف يستغني عن العمالة الأجنبية وتحل محلها العمالة الوطنية بشكل تدريجي.
وفي هذا الإطار يترتب على الدول العربية تنسيق جهودها في مجال التدريب المهني، وتنمية الموارد البشرية طبقاً لاحتياجات سوق العمل ومتطلباته من خبرات ومؤهلات توظف وتستوعب في مجال الاقتصادي الوطني. كما أنه لابد من تعاون أطراف الإنتاج الثلاث في توسيع وتطوير نظم وأساليب التدريب المهني خاصة في مجال التكنولوجية والاتصالات والتخصصات والمهارات وفقاً لاحتياجات سوق العمل، ووضع خطط ودراسات لتدريب الشباب والشابات على مهارات تتلاءم مع البنية الجسدية لكل منهم، والعمل على رعاية العمالة العربية المهاجرة المؤهلة التي اكتسبت خبرات ومهارات في مجال الدول الأجنبية، وتشجيعها للعودة إلى الوطن العربي، وإفساح المجال أمامها بمنحها الحوافز المستحقة لتلعب دوراً في تنمية الاقتصاد الوطني.
كما أنه لابد للأنظمة العربية من توفير مراكز البحث العلمي، وإنشاء مشاريع وطنية وقومية لتوظيف خريجي المعاهد والجامعات العلمية والمهنية والعمل على توطين الكفاءات العربية لتوظيفها في الوطن العربي للاستفادة من ها بدلاً من أن تستفيد منها الدول الأجنبية التي تهاجر إليها بسبب عدم استيعابها وتوفير المناخ الأمني والديمقراطي لها. ولكي يستفاد من الطاقات العربية المهنية المؤهلة يجب على الدول العربية تنسيق جهودها في إعداد تقارير دورية عن فرص العمل والقوى العاملة المؤهلة التي تحتاجها بعض الدول العربية للاستفادة منها، إضافة إلى الإحصاءات ذات الصلة، الذي من شأنها أن تخدم خطط التنمية والاقتصاد الوطني، كما أنه لابد من التنسيق ما بين دول الاستقبال والإرسال لما هو متوفر من قوى عاملة مؤهلة وإنشاء قاعدة بيانات متكاملة عن العمالة العربية المهاجرة وتخصصاتها وحثها على العودة لأرض الوطن للاستفادة منها بتوظيفها ضمن اختصاصاتها في المشاريع الاقتصادية ومؤسسات الدولة والقطاع العام والخاص مع توفير الغطاء المادي لحفظ كرامة هذه الطاقات المؤهلة وتأمين مستقبلهم وأمنهم والحفاظ على حقوقهم الاجتماعية والنقابية.
المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية وتأثيرها على القوى العاملة العربية
لقد طرأ في هذا العصر متغيرات اقتصادية واجتماعية دولية كبرى، انعكست على واقع القوى العاملة من حيث التشغيل والتأهيل، وبدأت العديد من البلدان النامية وخاصة العربية تسعى إلى اللحاق بركب التقدم العلمي والمعرفي والتكنولوجي، مع أن بعض هذه الدول تفتقر إلى إمكانيات رؤوس الأموال الوطنية التي من شأنها تعزيز قدراتها في خلق تنمية بشرية وتأهيل مهني علمي كفؤ لتجاري الدول الصناعية المتقدمة وتخوض غمار المنافسة التجارية في الأسواق العالمية، كما أن هذه الدول لم تتمكن من المواءمة بين الكوادر المؤهلة وبين المؤسسات الاقتصادية وسوق العمل، مع أن تطور التقدم العلمي والإعلامي وشبكات الاتصالات قد زاد في وعي العمال ومعارفهم واكتسبوا الخبرات العلمية والثقافية والمهارات في تلك البلدان النامية ومنها العربية، الذي يفترض في هذه البلدان مواكبة النمو الاقتصادي والتطور السريع في الهياكل الاقتصادية، وتعديل الهياكل التنظيمية للقوى العاملة وإكسابها المهارات المطلوبة لمواجهة تحديات سلبيات العولمة.
ونشير هنا أن تحرير التجارة العالمية قد انعكس على القوى العاملة في العالم ومنها المنطقة العربية، مما أدى أسلوب الخصصة والهيكلة إلى الاستغناء عن أعداد كبيرة من العمال وقفل المصانع والمنشآت الصناعية ومواقع العمل، الأمر الذي أدى في بعض البلدان إلى إعادة تأهيل العمال من جديد لدمجهم بأسواق العمل.
وفي ظل النظام العالمي الجديد بدأت أدوات الإنتاج والمفاهيم الاقتصادية والسياسية تتغير، وظهرت التكتلات الاقتصادية وتطور أسلوب التأهيل والمعرفة والتنمية البشرية والنظم الإدارية، وازدادت الأهمية بالمعرفة ونظم الخبرة التي تحتاجها المشروعات الاقتصادية، والتركيز على زيادة الكفاءة والمهارة والقدرة لاتخاذ القرار الصائب، وتوظيف المؤهلات القادرة على رفع مستوى الإنتاج وتحديثه. ولاشك أن أي جدوى اقتصادية هي بحاجة إلى تخطيط سليم ومراقبة وتوجيهن وأي نجاح لمشروع اقتصادي بحاجة إلى العقول المبدعة والمهارات المكتسبة المتجددة، إذ أن المعرفة ثروة ورأس مال لا يستهان بها وهي اقتصاد جديد يتطلبه سوق العمل والمنافسة، إذ أن الأفكار المبدعة تسهم في نجاح وتقدم أي مشروع استثماري، حيث يعيش العالم اليوم عصر المعلومات والتطور والتقدم والتسلح بالمعرفة، إذ أن المعرفة مفتاح التقدم الاقتصادي ونموه. مع أنه في هذا العصر فرضت العولمة تخطي الحدود الجغرافية، ولم يعد سوق العمل محصوراً بدولة معينة، الأمر الذي أدى إلى التكتلات الاقتصادية والانخراط في التجارة العالمية، مما أدى إلى اتساع المجال في التنافس التجاري والتسابق على اكتساب الأسواق التجارية الاستهلاكية، ولقد ساد هذا العصر عقلية التنافس الاقتصادي والعمل لإنتاج خدمات جديدة وسلع تتوافق مع احتياجات ورغبات المستهلكين، إلا أنه في ظل هذا التنافس ونظام العولمة اتسعت دائرة الفقر والبطالة، حيث أصبح يعاني نحو 890 مليون نسمة في هذا العالم من الجوع، ومليارين يعانون من سوء التغذية، كما أصبحت الثروة في ظل العولمة تتركز بيد فئة قليلة في هذا العالم.
في ظل ثورة المعلومات والتكنولوجيا والمتغيرات الاقتصادية التي تسود العالم، لا يمكن أن تكون المنطقة العربية معزولة عنها، إذ لابد من مواكبتها لتحقيق التنمية الاقتصادية وزيادة القدرة الاقتصادية التنافسية وتأهيل العمال وتدريبهم وإكسابهم المعرفة والقدرة المبدعة، وتوطين رؤوس الأموال بدلاً من ضخها إلى البنوك الأجنبية والاستفادة من الثروات والموارد الطبيعية الخام التي تزخر بها المنطقة العربية، إذ أنه لا يجوز وليس معقولاً أن تظل الثروات العربية نهباً للأجنبي يستغلها ويعيد تصديرها للمنطقة مصنعة لتغطي الأسواق العربية، ولا يعقل أن تظل البلدان العربية أسواقاً استهلاكية ولا يوجد فيها المصانع الكبرى لاستيعاب وتوظيف الأيدي العاملة العربية.
رؤية الاتحاد الدولي لنقابات العمال العربفي سياسة إحلال العولمة وتوطينها
إن النظام العالمي الجديد يعتمد على استثمار الموارد الطبيعية في أقصر وقت وبأقل التكلفة، وذلك باستخدام المعارف الجديدة وتحويل الموارد الطبيعية من المنطقة العربية إلى سلع جديدة وتسويقها في الأسواق العربية، إذاً فلماذا لا تطور البلدان العربية اقتصادها وتبني المنشآت الإنتاجية وهي تمتلك رؤوس الأموال البشرية والموارد الطبيعية والأموال العربية…؟ فالمنطقة العربية قادرة من خلال ما تمتلكه من ثروات وكسب للمعرفة والمهارات الانتقال من دول نامية إلى دول متقدمة مصنعة، وأن تدخل عصر المنافسة والاقتصاد المنشود وتستوعب الأيدي العاملة العربية وتقضي على البطالة.
وذلك من خلال إقامة المشاريع الاقتصادية الكبرى، وتشغيل الأيدي العاملة واستيعاب الكوادر المؤهلة وتوطينها، وبالأخص حاملي الشهادات العلمية العليا وخريجي الجامعات والمعاهد والمراكز المهنية وإحلالها محل الأيدي العمالية الأجنبية.
إن الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب مازال يطرح هذا الموضوع بما في ذلك السوق العربية المشتركة وتقريب التشريعات العمالية العربية في كل مؤتمر وندوة ولقاء مع المعنيين والمسئولين ، ويقيم الدورات النقابية في معهده الثقافي لمناقشة هذه المواضيع.
الأمين العام المساعد
للاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب