الثورة ….. وحدود النشوة
بقلم :حمدان الجعدي
البيت الأبيض الأمريكي، يبدو مرتاحا للوضعية التي خلصت إليها انتفاضة الشعب المصري ،كونها برهانا على جدوى الفوضى الخلاَقة التي بشَرت بها إدارته في معرض رسمها لملامح الشرق الأوسط الجديد،والتي تقوم على مبدأ ” جني ثمار الكروم دون الحاجة إلى قتل الناطور “، فكان لا بدَ من محاصرة الانتفاضة الشعبية في فضاء ضيق ،كما هي حال ميدان التحرير ،في وسط القاهرة ،ومن ثمَ ،إحالة القضية إلى الرموز القديمة، التي تصيغ مطلب تغيير سلوك النظام المنتهي الصلاحية ،دون المساس بتركيبة النواة الصلبة للنظام القائم وتوجهاته الأساسية ،التي تحفظ مصالح أمريكا ولا تغضب إسرائيل،فضلا عن أن تتسبب في إزعاجها أو الإخلال بضوابط أمنها .
من المؤسف أن تتحوَل ثروات العرب والموقع الاستراتيجي الذي تحتله بلدانهم ،إلى سوء طالع يعود عليهم باللعنة والنقمة ،بدل أن تكون عوامل لامتلاك القوة والمنعة وتحقيق الطمأنينة والاستقرار .وحال مصر في هذا الصدد، خير دليل على سخرية القدر في إقرار حظ العرب، عبر أحد اغرب فصول مأساتهم القديمة والمعاصرة على حدَ سواء.
موقع مصر كمركز انطلاق على طريق الحرير ،في تجارة الغرب ،جعلها في مقدمة المطامع الاستعمارية ،منذ بداية الهيمنة الرومانية وحتى بروز القوة الكاسحة للدولة العثمانية، لكن نجاح الغرب في اكتشاف طرق بحرية بديلة ،عقب ربط فاسكو دي غاما بين المحيط الأطلسي والمحيط الهندي بالدوران عبر رأس الرجاء الصالح اضر بتلك المكانة إلى حدَ بعيد.
على أن مصر ، سرعان ما استعادت أهميتها الإستراتيجية عقب الانجاز الضخم الذي تحقق في عهد الخديوي إسماعيل ،بحفر قناة السويس ،فأعاد ربط البحر المتوسط بالبحر الأحمر لمصر مكانتها من جديد ،في عالم التجارة والإستراتيجية والأطماع الاستعمارية أيضا.
مصر اليوم ،مكبَلة بقيود الاتفاقيات الجائرة التي ربطتها بمصالح القوى المهيمنة دوليا وإقليميا ،ويكفي دليلا على ذلك، أن نلحظ وضع شبه جزيرة سيناء ،وهي تقف منزوعة السلاح أمام تهديدات إسرائيل باحتلالها في حال الإخلال باتفاقية كامب ديفيد ،حسب التفسير الإسرائيلي طبعا .
لكن ،وقبل هذا يجب التذكير باستعداد القوى الغربية لتمزيق البلاد برمتها ،في حال شعرت بأي خطر محتمل يهدد بإغلاق الممر الدولي الأشهر في العالم ،بحيث يعزل أساطيلها في البحر المتوسط عن بقية قواتها الضاربة في الخليج العربي وفي جنوب شرق آسيا.
يستطيع شعب مصر إذن ،أن يتطلع إلى عناقيد العنب باعتبارها ثمرة لثورته على الظلم والطغيان ،على أن لا يذهب بعيدا بمطالبه ،في غمرة نشوته بثورة التغيير وبأهدافها
القريبة والبعيدة على حدَ سواء.