عندما تبيض الديوك………..
بقلم: كمال هماش
لن نتساءل عن السر الذي يجمع أنظمة الاعتدال والتبعية للولايات المتحدة مع أنظمة وحركات تعتبر أميركا الشيطان الأكبر،في مواقفها الداعمة لثورات الشعوب في بعض الأقطار العربية ،بينما يقوم هؤلاء بصناعة المجازر ضد من يرفع رأسه في وجه النظام في هذه الأقطار.
كما لا يجوز التساؤل أو الاستغراب من قدرة حركة احتجاجية على إسقاط طائرات ،طالما أن جيش الدولة تتم تسميته بميليشيات تواجه قوات الثورة، حيث أن مصطلحات الخطاب التي يصوغها الناطق الرسمي باسم البيت الأبيض يتم تبنيها من طهران إلى تطوان ، ومن الجزيرة إلى العربية التي انفصل اسمها عن تعبيراتها منذ زمن،،في غرائبية تجعل من العقيد القذافي وكأنه من يتصدى للولايات المتحدة.
إن التسرع في الحكم والاعتقاد بان هذه التساؤلات إن تمت فإنما تصب دفاعا عن القذافي، ليس تهورا فحسب وإنما سذاجة وإمعانا في التضليل لمن تسول له نفسه بذلك، حيث أن العقيد جزءا أصيلا من منظومة عقداء وأمراء تسنمت رقاب العباد في مرحلة ما بعد الاستعمار العسكري التي لا يمكن وصفها بالاستقلال الذي دأب التاريخ المزور على وسمه بذلك.
كما أن التسلح باتهام الدعوة لقراءة ما يجري بأنها قراءات تستند إلى نظرية المؤامرة،يعتبر اختزالا للمجموع المعرفي التراكمي الذي يفترض أن النخبة الفلسطينية والعربية اليسارية بالتحديد قد امتلكته سابقا عبر قدرتها على التحليل المادي للتاريخ وإسناد الصراع ،على المصفوفة الطبقية في هذا المجتمع أو ذاك والتي تؤهل المجتمعات الأوروبية للثورات بقدر ما تؤهل مجتمعات العالم الثالث.
إن وحشية العولمة وتداعياتها في المجتمعات الأكثر تطورا يوازيها المغالاة في استعباد الشعوب وامتلاك السلطة وليس ممارستها من جانب عائلات وطوائف وأحزاب الحكم في الأقطار العربية تحديدا والعالم الثالث عموما، حيث وصل الأمر إلى قيام البرلمان الديمقراطي الفرنسي بإقرار رزمة قانون التقاعد بوجود ملايين المتظاهرين في الشوارع في ذات اللحظة،ودونما دعوة خارجية واحدة للحكومة الفرنسية بالتراجع عن إجراءاتها.
أما أن يعتقد البعض بنهاية التاريخ في النموذج الاقتصادي الاجتماعي للدول الرأسمالية لمجرد إنها دول مانحة لهذه المؤسسة أو ذاك الحزب أو تلك السلطة ،فلا شك بان ذلك ضرب من بيع الأوطان بالمفرق ،واختيار اله جديد لعبادته ، واستبدال تقديس الحكام بتقديس الدولة المانحة.
فالقراءة المتأنية لأطروحة صمويل هنتنغتون عام 1992 والتي تتحدث عن صدام الحضارات ،إلى جانب ما كتبه نيكسون عام 1982 (نصر بلا حرب)، لم تكون موضوعات تنظيرية إنشائية للمتعة الذهنية أو ضربا من التوقعات والتحاليل،بقدر ما كانت خططا لرجال هم أما في موقع الحكم المباشر وبالتالي فان رغباتهم خطط، أو أنهم كانو جزءا من –مستودعات التفكير والتخطيط – لادارة الحكم .
وحاضر اليوم هو مستقبل الأمس الذي عالجته هذه الكتابات من منطلق علم المستقبليات، التي انهمك في حينه في البحث عن عدو جديد للامبريالية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، متوصلا إلى ضرورة صياغة الخصم قبل نشأته التلقائية والمعتمدة على جذوره ومقدراته الذاتية،وبحيث يمتلك الصلابة والقدرة على مجابهة قصة –أمركة العالم- وسيادة الحضارة الغربية،في سياق التحول في مرجعيات الصراع من الايدولوجيات إلى الثقافات.
إن تصوير الشرارة التي أطلقت حركات احتجاجية في تونس ومصر بأنها بحثا عن الديمقراطية فحسب، يرد عليه الشهيد بوعزيزي الذي تقبل أن يكون من الطبقة المسحوق بعمله كبائع متجول رغم تأهيله الجامعي ،وذلك من منطلق-امشي الحيط وقول يا رب الستيرة -،ولكنه اكتشف في أول معاكسة له مع النظام وممثليه الفاسدين، بأن هذا الرضا المقنع غير كاف للتعبير عن العبودية للنظام ،فكان ما كان.
إن ثورة الكرامة الإنسانية شيء أراد به بوعزيزي أن يؤكد حقه في تعبه اليومي ودونما تقديم رشوة تحوله إلى أجير عند شرطي أو مسؤول حكومي، بينما الديمقراطية الليبرالية الباريسية لم تستطع التنصل من دورها كخادم للرأسمالية الحاكمة والمتغولة في فرنسا ، فخدمت هذه الديمقراطية متطلبات الرأسماليين بتمديد فترة العبودية المأجورة من جهة ،لتكشر عن عنصريتها تجاه الآخر باعتبار القانون موجها أصلا لتقليص فرص العمل التي تحفز المهاجرين للذهاب إلى فرنسا.
إن للشعوب العربية وغيرها حقا بالثورة ضد كل إشكال الحط والاهانة للكرامة الإنسانية التي تبتدئ من غياب العدالة الاجتماعية التي ترتكز إلى عدالة توزيع الثروة ، في بلدان تملكها عائلات وقبائل قرابية أو رأسمالية، لتعيد هذه الثورات إرساء ضمانات المساواة في المجتمع .
ولكن الذهاب بشعارات هذه الثورات نحو خدمة سياسات الليبرالية الجديدة ،لن يغير من واقع هذه المجتمعات سوى أنها ستمتلك حرية الجوع والفقر ، التي ستضع الأرواح المتمردة والرافضة بين خياري الجريمة المتفشية في الغرب، أو الاستمرار في إنتاج فائض القيمة لزيادة نضارة الوجه البشع للعولمة الاقتصادية.
وقد يكون محقا من يقول بان سيطرة النزعة الاقتصادية على التحليل تخرجه من مسار الموضوعية ، ارتباطا بالجدل الاجتماعي السياسي الثقافي، ولكن الفهم أن البنى الاجتماعية والسياسية التي ترتكز إليها النظم السياسية في الأقطار العربية عموما ،إنما تحمل مورثات أسيادها الاستعماريين التطورية بما يبقيها ضمن حيز السيطرة والتبعية.
إن اخطر حادثة مر بها الوطن العربي في الأشهر الأخيرة ،لم تكن ثورة تونس الخضراء ولا انتفاضة ميدان التحرير ،وانما تقسيم السودان بقرار سيادي إسلامي ثوري،وفق الاتجاه الرئيس للسياسات الغربية، والتي تجاهلتها وسائل الإعلام العربية الهامة وهمشتها لصالح ،دعم هذه الوسائل الديمقراطية جدا للمطالب الديمقراطية في مصر وتونس كما اسمتها.
كما أن ما سبق ذلك من حادثة الانقسام في فلسطين تصبح أكثر قابلية للتفسير مع تشابه السيرورة السياسية والتفصيلية ،بدءا من الحديث عن محاربة الفساد ووصولا إلى نهب مقرات السلطات أو إحراقها ، وبدعم ذات الوسائل الإعلامية،وعجز الأنظمة المهيمنة على الشأن الفلسطيني عن فعل شيء للحفاظ على وحدة الجغرافيا السياسية الفلسطينية،… ولا يزال البعض يعتقد بأن التفكيكية منهجا أدبيا من تداعيات العولمة،ولا يمتد إلى الجغرافيا والساسة وحتى القيم.
ولعل رؤية الإشعاع الايجابي في ثورات الشعوب المطالبة بصيانة كرامتها وحقوقها الأساسية في العيش الحر الكريم، لا يجب أن نراها بعين بعض الساسة التابعين أو المثقفين الذين اقتنعوا بان بوابة المجد تفتح عبر توصية لملحق أميركي أو بريطاني يرى فيه تابعا جيدا، فيستحق بذلك منصبا مهما في إمارة العبيد ، أو منحة لمؤسسته الخاوية روحيا وثقافيا ،باعتبار أن ارتفاع سعر البيض يجعل الديوك تبيض.
إنما يجب رؤية هذه الثورات كبوابة نحو تكاملها عربيا من خلال انخراط القوى الممارسة للكفاح الاجتماعي والتي لا زال بعض جمرها تحت الرماد، والقادرة على تنظيم وبرمجة معطيات هذه الثورات بحكمة لا يمتلكها الفيسبوك ، لتعيد ثروات الشعوب لها وتحقق بناء حضاريا مناهضا لوحشية الرأسمالية.
إن تهافت الكثير من الساسة والكتاب وبعض من يسمون أنفسهم بالمفكرين القوميين ،وعبر تنظيرهم للديمقراطية الليبرالية التابعة والمدعومة أميركيا ، بعد أن كانوا ديوكا في معاداتها ،إنما يتحولون لديوك تبيض سعيا لبيع بيضهم المشوه لمعبد روما.