هل الهجرة:هي الحل لإنسانية الفلسطيني؟!
بقلم:سليم النفار
هذا ما عبرت عنه رؤية-سامية عيسى-في روايتها الأولى “حليب التين”وقد تجلى هذا القصد من خلال,هجرة”صديقة وحماتها وابنها”إلى الدنمارك,بعد طول عناء,في المغامرات وسبل البحث المختلفة,من اجل حياة كريمة أرهقت إنسانية الفلسطيني,سواء في مخيم”اوزو”الرابض على أطراف مخيم عين الحلوة في لبنان,أو في مغامرة “دبي”حيث حاولت”صديقة”البحث عن عمل يقيها سوء الحال,فإذ بها تقع فريسة حال,واحتيال أكثر سوء.
رواية”حليب التين” والتي صدرت عن دار الآداب اللبنانية أواخر العام /2010/ تفتح المواجع الفلسطينية على أسئلة كثيرة,ذات صلة بالظرف الذاتي,والموضوعي للحالة الفلسطينية,بكل تداعياتها,فليس ثمة رافعة حقيقية حتى الآن,في المحيط العربي أو الفلسطيني,بكل تفصيلاته تستطيع دفع السوء الذي,يحيق بإنسانية الفلسطيني.
الشرط الذاتي للفلسطينيين خرب,والموضوعي كذلك أيضا,وكل محاولات الصمود-إن لم تغير شروطها ومعطياتها والياتها-تبدو زائفة وبلا جدوى ترجى,لان القيم التي تحلت بها المقاومة الفلسطينية في بداياتها,سرعان ما تغيرت في الشرط الإنساني,بين الثورة وأبنائها,وأصبحت تستخدم خلافا لما يجب أن تكون عليه,فأم الشهيد”فاطمة”لا تجد ما يقيها وأحفادها-أبناء الشهيد-الجوع,سوى الخدمة في بيوت “قادة المقاومة”أو سواهم من الأثرياء الفلسطينيين أو اللبنانيين,و”صديقة”زوجة الشهيد تضيع في غابة البحث,عن مستلزمات الحياة الضرورية,لها ولأولادها وحماتها,وبعض القيادات”الثورية”لا تجد لزوجة الشهيد طريقا نحو ذلك,بدون المرور على أحضانهم,ممتهنين بذلك حقها الطبيعي في الحياة,وشرف الانتماء لثورة,مطالبة بحماية شعبها ومنعه,من الوقوع في الرذيلة,تحت وطأة العوز,فهل هذا هو دور الثورة؟
سؤال استنكاري,في سياق جريء عبرت عنه الروائية”سامية عيسى” في سردها لوقائع روايتها الواقعية,وهذا السرد لا شك انه يستلزم:مراجعة حقيقية,ومحاسبة جادة للوضع الفلسطيني,الذي طال أمد مداراته وطبطبته,تحت ذرائع مختلفة لا اعتقد بجدواها.
فالإهمال في إدارة القضايا الإنسانية,والذي بلغ مبلغ الجريمة,في حق الذات الفلسطينية,مازال موجود,ومزاجية الفرد”القائد”لهذا الموقع أو ذاك,ما تزال تنعكس سلبا أو إيجابا,على حياة وأمور الناس,وربما رواية-سامية عيسى-هي جرس الإنذار,أو عريضة احتجاجية -على سلوك ساد-مطالبة المؤسسة الوطنية بالاعتذار عنه,قبل كل شيء لروح الشهداء والأهل الأحياء,الذين كانوا فريسة الإهمال بكل أشكاله.
صحيح أن –سامية عيسى-تحاول التوثيق للحياة الفلسطينية البائسة,في مخيمات لبنان,وهذا التوثيق أوقع الرواية في المباشرة,واللغة الجاهزة أحيانا,غير أن هذه اللغة اخفت تحت جلدها الشفيف,عمقا نقديا ورؤيا مريرا,للحالة الفلسطينية أينما كانت.
لان الوهم بأنه لدينا “دولة”سلطة ليس صحيحا,فنحن مازلنا تحت سنابك الاحتلال,ولكن رغم ذلك فان أدوات إدارتنا للواقع الفلسطيني,بكل الإيديولوجيات المختلفة,ماتزال قاصرة,ولم تضع المخططات أو الرؤى في حسبانها أو سلوكها,الإنسان الفلسطيني,وما يحتاجه من حياة كريمة,وما
يجب أن يتمتع به من قدرات ومؤسسات إنسانية وثقافية,تساعده باتجاه العمل لانجاز مشروعه الوطني.
فلا تزال تلك العقلية الفردية,السلبية كما أسلفت,ومازال الفساد يفرد أجنحته فيما بيننا,ومازالت بعض القيادات لا يعنيها الإنسان ولا تطوير المؤسسات الثقافية والمجتمعية,بقدر ما يعنيها حالها,وحال تابعيها,فهل هذه القيادات هي التي تسير بنا اتجاه الحرية والاستقلال؟
إن رصد البؤس الفلسطيني,واستحضار”اوزو”كعينة منه,للتدليل على الشرط الإنساني المنعدم,بكل مستوياته مطلوب,ولكن ذلك الوضع الذي يعانيه الفلسطيني أينما كان,وان بنسب مختلفة,ليس من غير الفلسطينيين الذين يناصبونه العداء وحسب,بل من بعض الفلسطينيين”القادة”كما قلنا والذين تاجروا بالمأساة الفلسطينية,فلم يكونوا على مستوى الأمانة الوطنية.
اعتقد أن-سامية عيسى-في روايتها هذه تسجل سبقا في تناول,هذه الجوانب الإنسانية المعتمة,وقد تسلحت بعين صافية,في رؤيتها للأشياء,وطرق رصدها ونقلها ونقدها,خلافا لما جرت عليه العادة,في تصوير المخيم كجزء من الحالة الوطنية الفلسطينية الناهضة.وهذا ما اكسب الرواية قدرة على لفت الانتباه,لتتبع ما لم يقل قبلا في هذا السياق,ولا نستطيع أن ننكر اللغة السلسة,التي استطاعت أن تلسعنا,فلا تستطيع المرور عليها,بدون أن تترك أثرها,وهذا كما اعتقد:شرط من أهم شروط جودة الأدب.
“حليب التين”تمتعت بجرأة عالية في الرصد وفي البوح,وفي تشكيل المفردات المؤدية إلى السياق,الذي تريد الكاتبة,وقد استطاعت أن تسمعنا الوجع الفلسطيني الإنساني,الطبيعي, بدون تزويق و شعارات تجافي طبيعة الاحتياج الإنساني أينما كان, ولكن نهاية الرواية التي أفضت إلى هجرة”صديقة وحماتها وابنها من قبل إلى الدنمارك تقول:إن هذا السلوك هو الخيار,أو هو الحل أمام الفلسطيني,للخلاص مما ينتهك إنسانيته,ومما يعانيه
في منفى طال زمنه,فهل يصح ذلك يا سامية؟