تمردوا….تمردوا
بقلم :محمود التعمري
يوم أن تنادى مليون مواطن فلسطيني في ساحات المحافظات الفلسطينية شمالها وجنوبها الضفة وغزة ، من أجل أن يعلنوا وحدتهم الوطنية، ومن أجل أن يقولوا لكل أولئك الذين يدعون القيادة والريادة والطلائعية والثورية وأصحاب السعادة والسماحة وغيرهم أن لا صوت يعلوا على صوت وحدة الوطن، ولا صوت يُسمع في كل الساحات غير صوت الشعب الفلسطيني المناضل والمكافح والأصيل،ولا راية ترفرف في الفضاء بسواعد الأبناء الحقيقيين لهذا الشعب غير راية فلسطين بألوانها الأربعة ذات المعاني الوطنية السامية، التي ترعرعنا على حبها وقدسيتها وسيادتها، يوم أن هتفت كل الحناجر.. أن الشعب يُريد إنهاء الانقسام..وإسقاط كل المبررات التي يدعيها الانقساميين والانفصاليين ومن لف لفهم.
إن شعباً واجه ويواجه كل القهر والظلم والطغيان وكل أشكال الاستعمار والاحتلال، وقدم كل هذا الحجم الهائل من التضحيات الكبيرة والكثيرة، لن يكون قادراً على الوقوف على الحياد متفرجاً على صراع حفنة من أصحاب المصالح الخاصة الضيقة، ومن ذوي الياقات والدشاديش المنشاة الذين لا يبحثون إلا عن تعبئة الجيوب وركوب الفارهات الأمريكية والألمانية وآخر ما أنتجه علم التكنولوجيا الحديث.
إن المتتبع لكل ما جرى في يوم الغضب الفلسطيني، سيدرك دون شك أية هاوية سقط فيها أصحاب شعارات التحرير والنفير ودق الطبول، وسيعلم أي منحدر تدحرج فيه أولئك الذين اشبعوا الدنيا صراخا وزعيقا على أنهم الأقدر والأكبر والأقوى ،وإنهم الأحق والأدق وأصحاب الرأي السديد،وأنهم انتزعوا بالقوة وقفا ليس لأحد الحق فيه سواهم.
ولكن يا لخيبة كذبتهم الكبرى حين ظهر إلى الملأ، المستور والمطمور والمُخبأ داخل القبور، يوم أن دكوا بهراواتهم وعصيهم المكهربة وأكعاب بنادقهم وقساوة بساطيرهم وقبضات أيديهم أجساد فتية وفتيات بعمر الورد، تهمتهم ،أنهم طالبوا بإنهاء الانقسام، وتوحيد كانتونات الوطن المُغتصب والمُحتل، ولأنهم قالوا نحن شعب واحد لا شعبين ووطن واحد لا وطنين،ولأنهم رفعوا راية فلسطين وحيدة دون سواها.
ليس هذا وحسب،فهناك الأسوأ بالتأكيد ، فتيات جامعيات يتدربن على فن التصوير وكتابة التقارير الميدانية ونقل الأحداث من أجل أن يقدمن مشاريع تخرجهن من الجامعات بعد سنوات من الدراسة والسهر وإشغال الفكر وضيق الحال، وصحافيون وإعلاميون وأصحاب وسائل أعلام يمارسون مهنتهم بأمانة الانتماء لهذا الوطن، ومن أجل نقل الحقيقة الخالصة لكل العالم الذي يرانا ويسمعنا عبر أقلامهم ووسائل أعلامهم المختلفة ،ينقض عليهم الجبابرة يحطمون أجسادهم تارة، وتارة يحطمون أدوات مهنتهم، وفي غفلة يستل أحد الفطاحل أداته الحادة ليغرزها في جسد فتاة فلسطينية تهمتها أنها تهتف للوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام.وصحافية فلسطينية أخرى “مديرة وكالة أسوار برس “يعتدون عليها بتهمة أنها تحمل فيها أداة لتصوير ما يجري في ساحة الجندي المجهول وساحة الكتيبة ،نتمنى للجميع السلامة والشفاء ، وحدث ولا حرج لأن كل شيء صار في العلن.
لقد صار شعبنا على دراية تامة لأسباب رفضهم للوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام والعودة إلى الشرعية الفلسطينية، ورفضهم الذهاب إلى صناديق الاقتراع التي سيكون لها القول الفصل، لأنهم ببساطة صاروا يدركون أنهم لن يحققوا حلم الإمارة مرة أخرى.
إن حالة القهر والظلم الذي يعيشها شعبنا،باتت تستحق وقفة جادة من قبل كل القوى والأفراد والجماعات والأحزاب والتنظيمات،لأن شعبنا لا يستحق أن يُنكل به ويُضرب ويُهان وتُداس كرامته بهذه الطريقة اللاإنسانية، فكفاه ما ذاقه على أيدي الجلادين الصهاينة على مدى عقود من الزمن والله كثير هيك..!!ليأتي بعض الأبناء والأحفاد والإخوة والأقارب والجيران لينكلوا به من جديد.
إن تجرد البعض من مسئولياته الوطنية تجاه شعبنا،لا يعني أننا نضع كل البيض في سلة واحدة،ولا يجعلنا نستخدم ذات المقاييس تجاه الجميع،وإذا كان البعض يعتقد أن استخدام القوة حيال مئات الآلاف ممن خرجوا يطالبون بإنهاء الانقسام هو عمل بطولي،فان هذا البعض واهم وحالم وخيالي ،لأنه سرعان ما يكتشف – هذا إذا كان لديه بقايا من ضمير ووطنية – أن ما اقترفه بحق المواطنين الفلسطينيين هو جريمة ما كان يجب لها أن تكون..
وفي هذا السياق،فان من الواجب الوطني، أن نقول لأولئك الشرفاء الذين ما زالوا يشكلون قواعد ضمان لبقاء الذين أهانوا شعبنا،أن الوقت قد حان لتقولوا كلمتكم الوطنية وتعلنوا موقفكم الوطني الرافض لاهانة أبائكم وأمهاتكم وخواتكم وإخوتكم وأبناء شعبكم،الذي ما زال يرى فيكم مستقبل فلسطين وقادة تحريرها واستقلالها، فقد يُخطئ المرء مرة بل ومرات ولكن من العار عليه أن يستمر في الخطأ إلى مالا نهاية – لان الأموات وحدهم لا يخطئون .
وخير الخطاءون التوابون.. لذا فهي دعوة لكل ذوي الضمائر الوطنية الحية بالتمرد والرفض وإعلان الموقف الوطني الصادق وعدم القبول بأن تكونوا أدوات قمع وقتل واهانة لأبناء شعبكم،وتذكروا المثل القائل ” لو دامت لغيرك ما وصلت إلك” لأننا في النهاية، أبناء شعب واحد.. ووطن واحد.. وقضية واحدة …وعلينا أن نكون فلسطينيون وطنيون حقيقيون…