نوايا خبيثة لتقسيم ليبيا
رشيد شاهين
عندما أطلق الشعب التونسي انتفاضته المجيدة ضد احد الطغاة في العالم العربي، لم يكن بمقدور أي من أحرار العالم سوى الوقوف إلى جانب شباب تونس العزيزة، وكان ولما يزل ينظر إلى ثورة شباب تونس على انها مقدمة لتفجر ثورات وبراكين أكثر شدة في عالم العرب الذي امتلأ طغاة على امتداد رقعته، بحيث أصبح هؤلاء يتعاملون مع الأوطان وكأنما هي مزارع ورثوها عن آبائهم وأجدادهم، فما ان يتسلم احدهم منصب القيادة حتى لا يغادره إلا إلى القبر غير مأسوف عليه.
وتلت ثورة تونس ثورة شبابية ربما أكثر عنفوانا في ارض الكنانة، وكان لا بد لأحرار العرب والعالم ان يقفوا معها ويؤيدوها بكل السبل الممكنة والمتاحة، بغض النظر عن محاولات التشكيك في من يقف خلفها وما هي أهدافها وبكاء “البكائين” ونحيب الناحبين على مصير مصر والى أين ستؤول الأمور بعد زوال نظام دكتاتوري آخر يلحق بابن علي.
كان من الواضح ان ثورة تونس قد مهدت الطريق لثورات عديدة في العالم العربي، بشرنا بها كما بشر غيرنا غير آبهين بمن شكك ومن حاول تعميم “نظرية المؤامرة” حول تلك الثورات ومن يقف ورائها، فكانت الثورة في ليبيا، وكان من غير الممكن إلا الوقوف إلى جانب الثوار وخاصة في بداية انطلاقة الثورة بطريقة شعبية وسلمية.
يمكن القول هنا، أننا بدأنا نضع أيدينا على قلوبنا هلعا وخوفا على الثورة، بعد ان بدأ أول استعمال للسلاح من قبل الثوار في وجه القذافي وأنصاره، وقلنا ان استخدام السلاح من قبل الثوار لن يكون في مصلحة الثورة، وان هذا سوف يمنح النظام كل المبررات من اجل شن هجوم شرس لا رحمة فيه ضد الثوار، كما ان هذا سوف يعطي المبررات للجنود وقوات الأمن والمخابرات وغيرهم ممن يوالون النظام، وسوف يجعلهم يشعرون بكل الرضا إذا ما أمعنوا فتكا وتقتيلا في الثوار.
وحدث هذا الذي خشيناه على أبناء الشعب الليبي، واستأسد القذافي على شعبه، وصار يضرب بكل ما امتلكت يداه من قوة وأسلحة وكان من الواضح انه على استعداد ان يدمر ليبيا” بيت بيت، وزنكة زنكة، وشبر شبر، ودار دار”، كان جليا ان الرجل فقد توازنه لا بل فقد عقله، لأن من غير الممكن ان يقوم ريس أو قائد لشعبه بما يقوم به هذا القائد.
وفي ظل شلال الدم الذي بدا انه يتجه إلى المزيد من الدم، بدأت المواقف الغربية بالتحرك بشكل مريب، وبدأت بعض الدول في الغرب تتعامل مع قادة الثورة والمجلس الذي تم تشكيله وكأن نظام القذافي قد انتهى، الأمر الذي أثار القذافي واستثاره فصار يعمل على استخدام المزيد من القوة من اجل وضع حد لحالة الثورة في أسرع وقت ممكن، الأمر الذي دعا الغرب إلى اتخاذ مواقف تبدو في الظاهر إنسانية إلا انها في واقع الأمر مواقف خبيثة لا تمت إلى الإنسانية بصلة.
المواقف الغربية بدت واضحة في نفاقها وتغليب مصالحها على ما تدعيه من إنسانية وديمقراطية، وإلا ما هو سر سكوت الغرب عن كل ما قامت به دولة الاغتصاب في فلسطين على مدار عقود ستة من مجازر تقشعر لها الأبدان كان آخرها الحرب المجنونة على قطاع غزة، تلك الحرب التي لم يحرك احد في عالم “الإنسانية” إصبعا لإدانتها ولو في حدود الإدانة الدنيا، علما بان ما سقط في تلك الحرب الهمجية يفوق كثيرا أعداد من سقطوا في أحداث ليبيا على الأقل حتى اللحظة، وبعد ما يزيد على الشهر، برغم ان الحرب على غزة لم تدم أكثر من ثلاثة أسابيع.
باختصار وحتى لا نطيل، فإننا نقول بان ما يجري في ليبيا ليس له علاقة بحماية المدنيين، وما القصف الأولي الذي جرى بعد ساعات منن قرار الأمم المتحدة إلا الدليل على الكذب في قضية الحرص على حياة المدنين.
ما يجري في ليبيا هو سيناريو يشبه إلى حد كبير ذاك الذي تم إتباعه ضد النظام العراقي، وفرض منطقة الحظر الجوي على العراق خلال الأزمة العراقية الكويتية، وإذا كان لدى الغرب ما يبرر فرض تلك المنطقة على العراق لأسباب قد تبدو للبعض معقولة، فان هذا الذي يجري في ليبيا لا علاقة له بالمعقول لا من حيث الأسباب ولا من حيث ما سينتج عنه.
ان فرض منطقة حظر جوي بهذا الشكل، يعني ان قبضة النظام المركزي في طرابلس سوف تضعف تدريجيا على المناطق الخاضعة لهذا الحظر، تماما كما كان عليه الحال في المنطقة الشمالية من العراق، والتي بدأت تستقل شيئا فشيئا عن بغداد وصارت اقرب إلى مناطق مستقلة منها إلى مناطق للحكم الذاتي وبعيدة كل البعد عن التبعية للدولة العراقية في ظل الحظر الجوي.
لقد أثبتت التجربة العراقية انه ليس بالإمكان القضاء على النظام من خلال حظر جوي يتم فرضه لعشر أو لعشرات السنين، كما ان الهجمات الجوية التي شنت على العراق حتى ولو استمرت لفترات طويلة، لم تكن قادرة ولا كفيلة بإنهاء نظام الرئيس العراقي صدام حسين، وكان لهذا النظام ان يستمر إلى ما لا نهاية في ظل الحظر وفي ظل ضربات جوية بغض النظر عن قوتها وتدميرها.
من هنا فان ما يوجه إلى ليبيا من ضربات، لا يمكن ان ينهي نظام معمر القذافي، وفي ظل التصريحات المتتالية عن المسؤولين الغربيين التي تقول انها لا تنوي ولا
ترغب في إسقاط القذافي، فان السؤال إذن هو ما الغرض منها؟
القول “كما تمت الإشارة أعلاه” انها تأتي لحماية المدنيين ليس صحيحا، خاصة في ظل التجارب الاستعمارية العديدة في الشرق وفي الغرب، حيث لم تكن هذه القوى يوما حريصة على حياة الشعوب المستعمرة.
نعتقد بان الهدف لا بد ان يكون هو سلخ الأجزاء الشرقية من ليبيا عن المركز رويدا رويدا، من اجل هدف غير معلن سيأتي بشكل أوتوماتيكي ألا وهو تفكيك الدولة الليبية وتقسيمها إلى قسمين حتى لا نقول أكثر، وسوف لن يبدو العنصر أو العامل الغربي “ناصعا” أو جليا أو حاسما، فهو دور معلن على انه تدخل أنساني، وبالتالي فان المخطط الغربي الهادف إلى تقسيم المقسم سوف يتحقق في العالم العربي. وسوف تكون ليبيا الدولة الثانية التي يتم تقسيمها بعد السودان.
سؤال آخر ربما يكون على لسان كثيرين من الناس وهو، هل ما جرى للعراق وما جرى للسودان وما يجري في ليبيا وما سيجري في اليمن وربما السعودية لاحقا، وربما الجزائر أيضا، له علاقة بالأنظمة التي حكمت وتحكمت في رقاب الناس ورفضت الخروج من المناصب إلا إلى القبور – صدام حسين- أو كانت على استعداد لقسمة البلد – البشير-، أو إعادة تقسيمه كما هو الحال في اليمن -عبد الله صالح-، أو لتدمير البلد ولا باس لتقسيمه كما يبدوا الأمر في الحالة الليبية، أم ان له علاقة بمؤامرات تتم ومخططات تحاك في مراكز التخطيط الاستراتيجي في الدول الغربية، وفي كلتا الحالتين فأين نحن شعوب العربان من ذلك، هل نبقي على بقية الأنظمة والطغاة أم نستكين إلى الأجنبي ويتحول ذلك إلى اعتقاد راسخ بان هذا هو قدرنا.
زملاء الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، من القادة العرب، هددوا منذ فترة بأنهم سوف لن يترددوا بسحب جميع الاستثمارات وربما طرد جميع العمال المصريين في بلدان العرب، ان تمت محاكمة وملاحقة زميلهم حسني. فإذا كان هذا هو حال زعماء الأمة، يعملون عل حماية أنفسهم من خلال مثل هذه الحالة التضامنية، ألا يجدر بالشعوب العربية ان تكون أكثر تضامنا من اجل إلقاء هؤلاء إلى مزابل التاريخ من خلال ثورة لا تبقي ولا تذر، والانطلاق نحو الحرية التي لا يعدلها شيء في العالم، سؤال ربما يجيب عليه القادم من الأيام؟