شكراً من الأعماق للفصائل الفلسطينية الستة، وهي حركة فدا وجبهة النضال الشعبي، والجبهة العربية، والجبهة العربية الفلسطينية، وجبهة التحرير الفلسطينية وحركة فتح، التي امتلكت القرار الصائب والشجاع بعدم حضور الاجتماع «الفصائلي» الذي عقد يوم السبت الماضي في غزة، حتى لا تصبح نسخة كربونية باهتة ومتآكلة من فصائل دمشق التي تعاني الآن من الغيبوبة السياسية بسبب الزلزال الذي يضرب الآن النظام السوري، ولا يجد هذا النظام من يتهمه سوى المخيمات الفلسطينية الصغيرة البائسة في درعا في أقصى الجنوب، وفي مخيم اللاذقية في الشمال الغربي، بينما فصائل دمشق مصابة بالخرس، ولا تدري ماذا تقول، فهي ان دافعت ضد تلك التهم المضحكة الموجهة لشعبها تتعرض لغضب النظام السوري، وما أدراكم ما غضب النظام السوري، فالشهداء في درعا، والصنمين، والمعظمية وغيرها الذين قتلوا بالرصاص الحي المباشر والمتعمد من قبل قوات «ماهر الأسد» وجيش الشعب، وبقية الأجهزة الأمنية الأخرى، رسموا لنا بدمائهم الحقيقية التي لا يستطيع أن ينكرها أحد سوى بثينة شعبان المتحدثة باسم النظام السوري والتي لديها رد واحد وحيد بأن الشهداء، القتلى، انما سقطوا برصاص «المشاغبين» الذين هاجموا مراكز رجال الأمن «الطيبين» واستولوا على أسلحتهم وقتلوا بها المحتجين لكي يثيروا الفتنة!!! من الآن وحتى اشعار آخر، لا نسمع عن لقاء أو اجتماع له قيمة تعقده فصائل دمشق – ساعدها الله على ما هي عليه من حرج – لأنه مطلوب منها أن تؤيد اتهام المخيمات الفلسطينية التي خرج منها «الأشرار»!!! لكي يقوموا بكل ما نراه الآن من حلب الى درعا، ولولاهم، فان الشعب السوري يدخل في ثياب الأمان والسعادة والهدوء، وليس هناك ما يعكر صفوه على الاطلاق، أما هذه المعارضة الواسعة جداً التي يقف على رأسها الدكتور رفعت الأسد، وعبد الحليم خدام، والآلاف من ألمع الحقوقيين والنشطاء السياسيين والمفكرين والكتاب والفنانين، والجنرالات السابقين، والأحزاب من كل الألوان ابتداءً من البعثيين أنفسهم الى الإخوان المسلمين، فكل أولئك ليسوا شيئاً لولا هؤلاء «الأشرار» الخارجين من المخيمات الفلسطينية!!! و أخشى ما أخشاه، أن ينتقل دور «المحلل» أو دور «شاهد الزور» من فصائل دمشق الى فصائل غزة، والا ما هو التفسير الذي ذهبت استناداً اليه الجبهة الشعبية والديمقراطية وحزب الشعب والمبادرة الوطنية للمشاركة في اجتماع مع حركة حماس وحركة الجهاد الاسلامي. الموضوع الأصلي الذي عقد من أجله الاجتماع ليست هذه الفصائل طرفاً فيه، فالموضوع يتعلق بوقف اطلاق الصواريخ، وهذه الفصائل لا تطلق صواريخ!!! وحين تقوم حركة الجهاد باطلاق الصواريخ فانها لا تستشير هذه الفصائل، سواء كان مطلقو الصواريخ بعلم من قياداتهم أم متمردين تم اختراقهم من جهات أخرى!!! وكذلك الحال عندما تقوم حماس باطلاق عشرات القذائف – كما جرى في بداية موجة العنف الحالية – أو حتى اطلاق الصواريخ، فانها لا تستشير هذه الفصائل، فهي وحدها تعرف متى ولماذا وكيف؟؟؟ بل ان هذه الفصائل لديها منظومة كلامية معروفة اعتمدتها منذ بداية الانقسام، وهي منظومة «يلعن أبو كل الناس» حتى تعفي نفسها من تحميل المسؤولية لطرف بعينه!!! ثم ان هذه الفصائل ورغم أخلاقها «الحميدة» ورغم «حيادها» الايجابي، ورغم اتقانها الشديد لدور «المحلل» أو دور «شاهد الزور» الا أنها محظورة، محظورة بالفعل، محظورة موضوعياً، فلماذا تحضر اجتماعاً ليس لها فيه رأي، ولا قيمة، ولا ناقة ولا جمل؟! الفصائل الفلسطينية لا تستطيع أن تعيش بهذه الطريقة، هذه الطريقة هي الموت نفسه، واذا كان بعضها يؤمن ويعتقد أن الموت السياسي هو نهايتها المحتومة مهما فعلت، فالموت بكرامة أفضل من الموت على هذه الطريقة المهينة، طريقة «حمار العرس» أو طريقة «شاهد ما شافش حاجة»، فلكي تعيش يجب أن تبتكر طريقة لكي تعيد نفسها الى وعاء الزمن، ولكي تصبح داخل وعاء الزمن يجب أن تفتح عينيها لترى ما يحدث بالضبط، وتتفق على رؤية، رؤية حقيقية وليس رؤية وهمية، رؤية منبثقة من نفس الواقع الحقيقي الراهن الذي انطلق هديره وسوف يصوغ المرحلة المقبلة سياسياً وجيوبولتيكياً وفكرياً وثقافياً واقتصاديا، يجب أن تفكر هذه الفصائل بشكل جدي كيف تحجز لنفسها موقعاً في الآتي، لأن الأناشيد القديمة لن يستمع اليها أحد، والأنظمة القديمة وعلاقات الاستقطاب القائمة حولها لن تجد لها مأوى تهرب اليه، وهذه اللافتات الكبرى المرفوعة حول الممانعة والمقاومة والقبول والاعتدال مزقتها عواصف الشتاء في شهوره الأربعة وسوف تحرقها شمس الصيف الحارقة!!! أما الحضور في أي عرس، والابتسام أمام أي كاميرا، والتصريح لأي فضائية، والرقص على أية حبال، والجلوس على أي خازوق، والقبول بأي شيء، فهذه كلها ليست مفردات الذاكرة المشوشة، وألاعيب الزمن المنقرض، وشاهد جنون التعاسة!!! مرة أخرى: شكراً من الأعماق للفصائل الستة التي لم تحضر الاجتماع، فهي على الأقل صدقت مع نفسها حين لم تذهب الى اجتماع هي ليست طرفاً موضوعياً فيه، لكي توافق على شيء لا تقرره هي أو غيرها، بل الذين يقررون هم هناك خارج الساحة الفلسطينية كلها، لا فصائل دمشق، ولا فصائل غزة، ولا فصائل رام الله، والا فلماذا تخترق التهدئة بعد كل اتفاق، ولماذا تفشل المصالحة بعد كل مبادرة، ولماذا يستمر الانقسام رغم خسائره الكارثية، ولماذا ننتظر من لا يأتون أبداً؟؟؟ انتبهوا: ان دور شاهد الزور لم يعد مثلما كان في الماضي، دورا مهيمنا ولكنه يدر بعض الدخل والمنافع!!! لا… لقد أصبح الآن دوراً خطيراً يدفع أصحابه أفدح الخسائر. Yehia_rabah2009@yahoo. com Yhya_rabah@hotmail. com
|