نعتذر لفيتوريو وعائلته وللشعب الايطالي ولكل المتضامنين الأجانب
بقلم :رشيد شاهين
شعور بالصدمة والذهول وعدم التصديق والكثير من الألم، عم الأوساط الشعبية والرسمية الفلسطينية بعد أن تناقلت وكالات الأنباء مقتل المتضامن الايطالي فيتوريو اريغوني المعروف باسم فيكتور، على أيدي مجموعة ضالة تدعي الانتماء إلى الإسلام والعروبة وفلسطين، وفلسطين والعروبة والإسلام براء مما ترتكب أيدي أمثال هؤلاء القتلة من جرائم وحشية لا يمكن أن تخدم سوى أعداء الشعب والقضية الفلسطينية.
شاءت الظروف أن يتصادف مقتل “فيكتور”، بوفاة شقيقي في ايطاليا، وهذا ما أتاح لي اللقاء بالمئات من الاخوة والأصدقاء والطيبين من الناس الذين حضروا للتعزية والمواساة، وقد لامست بدون لبس بأن الجميع كان يتحدث بكثير من الألم والغضب والاستنكار والتنديد بهذا الفعل الجبان.
جلس إلى جانبي شاب من المعروف أنه لا يهتم كثيراً بالسياسة، ولا اعتقد بأنه منتم لأي من الأحزاب أو التنظيمات السياسية في البلد، لا بل هنالك اعتقاد بأن هذا الشاب رجل عادي جدا، أو كما يقال ” على باب الله” وسألني بكل سذاجة وعفوية، لماذا قتلوا المتضامن الايطالي؟ ثم أتبع ذلك بسؤالين آخرين، لكن من الذي قتله؟ وهل تم اعتقالهم؟ أسوق هذه الكلام للتدليل على المزاج العام في الشارع الفلسطيني بعد الجريمة البشعة التي ارتكبت بحق فيتوريو.
هذه الأسئلة التي اشرنا إليها،كانت على مدار اليومين الماضيين ولا تزال، واعتقد بأنها ستظل كذلك إلى أن يتم الوصول الى خيط يدلنا على من قتل فيكتور، ولماذا قتل ولمصلحة من؟ هذا اذا ما فكرنا بحسن نية، أما اذا فكرنا بسوء نية، فإننا نعتقد بان الجريمة قد تسجل ضد مجهول كما كان الحال في العديد من الجرائم التي روعت القطاع منذ أعوام أربعة أو يزيد.
لماذ يقتل فيكتور ومن المستفيد؟
إذا أردنا أن نفكر بعقلانية وبمنطق، فإن الطرف الوحيد الذي يمكن أن يستفيد من هذه الجريمة هي دولة الاحتلال، خاصة في ظل ما ورد إلينا من محاولات استغلال رخيصة من قبل وسائل الإعلام واللوبيات المناصرة لإسرائيل، وهي التي ما فتئت تقتل من المتضامنين، وكان آخر من قتلت أولئك الذين أتوا على السفينة التركية، لكن هل يمكن أن تكون إسرائيل قد نجحت باختراق إحدى التنظيمات السلفية وزرعت مجموعة تعمل لصالح المخابرات الإسرائيلية من أجل تنفيذ مثل هذه العمليات بهدف الحد من حركة التضامن العالمية مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة؟
مثل هذا التساؤل قد لا يكون مفيداً في ظل المعطيات الموجودة ، حيث أن فيكتور قتل في أرض فلسطينية والقتلة هم مجموعة من الظلاميين الفلسطينيين، لكن منطقيا، الجهة الوحيدة المستفيدة هي إسرائيل، ترى هل بالإمكان إثبات ذلك، هذا الاحتمال يبقى بغير إجابة حتى تنتهي التحقيقات.
أما لماذا يقتل فيتوريو، فيمكن الإجابة على التساؤل من خلال قراءة موضوعية للأوضاع في القطاع منذ قامت حركة حماس بفرض سيطرتها عليه، ومن خلال كل ما قامت به من ممارسات من أجل “فرض” حكم إسلامي وبناء إمارة إسلامية على نمط طالبان في أفغانستان، وتوفيرها الملاذ لكل عصابات التطرف، حيث خلقت المناخ والبيئة المناسبة لهؤلاء القتلة والمجرمين، وأصبحت حاضنة لكل العصابات المتشددة والتي ترى في الآخرين مجموعات من الكفار والضالين الذين لا بد من التخلص منهم ومحاربتهم بكل السبل.
حماس في الحقيقة لم تعمل على منع بروز مثل هذه المجموعات، بل سهلت عملها وتوالدها وتكاثرها، وها هم أبناء الشعب الفلسطيني يحصدون ما زرعت حماس، وعليهم أن يعملوا لسنوات طويلة من أجل مسح آثار هذه الجريمة التي تذكرنا بجريمة قتل راشيل كوري التي سحقتها جرافة إسرائيلية والتي ما زالت ماثلة في أذهان العالم منذ سنوات عديدة.
بعد مقتل فيكتور اتصل بي صديق – صحفي – ايطالي وكان شديد الحزن والاستياء والغضب مما حصل، وتحدثنا مطولا عن الموضوع، وكنا متفقين بان مثل هذه الزمرة من المجرمين لا تمثل الشعب الفلسطيني، واخبرني أنه تحدث مع بعض أصدقائه، وكان منهم من جاء سابقا في رحلات تضامنية، وابلغه البعض بأنهم لن يأتوا الى فلسطين ثانية بعد هذه الجريمة، وكان يحاول ان يوضح لهؤلاء بان هذه المجموعة من القتلة لا تمثل الشعب الفلسطيني، وأنه لا يجوز الحكم على شعب بأكمله من خلال عمل مجنون تقوم به فئة ضالة.
نحن نعلم بأن الكلمات لن تعيد لنا فيكتور، ولن تعيده إلى الحياة ولا إلى حضن أمه وحبيبته وأصدقاؤه، إلا أننا هنا لا يسعنا إلا أن نعتذر بكل صدق ومودة وإخلاص لوالدته التي كانت بانتظار عودته، كما نود أن نقدم اعتذارنا لكل الشعب الايطالي الصديق، ولكل المتضامنين في العالم، آملين أن يتفهم هؤلاء أننا فجعنا كما فجعوا، وأن حزننا لا يقل عن حزنهم، لأننا فقدنا صديقا عزيزا مخلصا ناضل من أجل قيمه ومبادئه التي آمن بها، ومن أجل فلسطين كما لو أنه أحد أبناء فلسطين، وكل ما نرجوه أن تقبلوا اعتذارنا عما فعلته ثلة مجرمة لا علاقة لها بعروبتنا ولا بفلسطيننا.