مساهمة في النقاش حول الهوية الوطنية الفلسطينية ..
بقلم : المحامي أيمن عودة
الإدعاء الرئيس في هذه المقالة هو أن الحركة الصهيونية أجّلت بلورة هوية فلسطينية مستقلّة
تستدعي انتباهي مقالات بروفيسور مروان دويري لصبوِها تقديم الجديد، فكرًا وتحليلا، وكثيرًا ما أتفق معه، ولكن هذه المرّة لي اجتهاد آخر.
يقول بروفيسور دويري في مقالته الهامة (“الاتحاد” 29.04.2001) “وهكذا أيضا صُنع الشعب الفلسطيني من خلال سيرورة مواجهة مع الصهيونية، فتم تحشيد أناس من جذور إثنية وطائفية وجغرافية وراء رواية فلسطينية ومن أجل قضية ووطن.”
ورأي بروفيسور دويري هو رأي سائد بين مفكرين وباحثين فلسطينيين وإسرائيليين أمثال ماهر الشريف، عزمي بشارة، مئير بعيل. ومنهم من يعتبر الحركة الصهيونية هي المبلور الأساس للهوية الفلسطينية وأنه لم يكن هناك شعب فلسطيني، فيتعاملون مع هذه التحاليل كجُمل مبنية وتلقائية باعتبارها قاعدة ثابتة للكثير من التنظيرات التي تُبنى عليها. وأجدني موافقًا على أن الصهيونية أجّجت الهوية الفلسطينية في أبعاد عدّة من خلال المواجهة المستمرّة، وهكذا أيضًا صيغت الكثير من الهويات الوطنية والقومية في مرحلة الصراع مع الاستعمار/ العدو/ النقيض، ولكنّي أدّعي في مقالي هذا أن هذا التفاعل والتأجيج لا يمكنه أن يفسّر، وحده، نشوء وتطوّر الهوية الفلسطينية، بل أكثر من ذلك أدّعي أن الحركة الصهيونية ساهمت في تأجيل بلورتها.
بناء الهويات الوطنية.
الهوية القومية عمومًا هي هوية جديدة أنتجتها الحداثة وهي بدورها تعيد إنتاج الحداثة، ويشير الفكر الماركسي إلى مركزية البُعد الاقتصادي في ذلك ويرى أن عملية نشوء الأمم في أوروبا الشرقية بدأت قبل نشوء مرحلة الأسلوب الرأسمالي للإنتاج وارتبطت بالنضال ضد الظلم القومي بينما لم يكن الأمر هكذا في أوروبا الغربية. إذًا فالعملية الاقتصادية هي الأساس ويرفقها عمليات أُخرى، مثل تلاقي الرأسمالية وتكنولوجيا الطباعة وأهميتها الفائقة في تعزيز اللغات المحلية على حساب اللاتينية وهي التي أرست ضروب الوعي القومي الأوروبي كما يبيّن لنا بندكت أندرسن في كتابه الجدير “الجماعات المتخيَّلة”.
هوية فلسطينية تاريخية ودينامية.
الهوية الوطنية الفلسطينية بأبعادها الحالية تبلورت حديثًا، واسم فلسطين المنقوش في المسلّة المصرية (عام 3500 ق.م) يعبّر عن هويّة ما تموّجت وتعثّرت وتبلورت بأشكال عدّة مرورا بالفلسطينيين الشعراء والأدباء والمفكرين مثل أبي اسحق الغزّي وكشاجم والقيسراني والرملي والشافعي وغيرهم، حتى نهاية القرن الثامن عشر حيث بدايات بلورة الهوية الفلسطينية الحديثة ومركزها القدس كما يشير رشيد الخالدي، ولكنّها تعزّزت في القرن التاسع عشر، أي قبل عشرات السنين من المؤتمر الصهيوني الأوّل (1897) وأسوق هنا مثلا ردّ فيه محمد علي باشا في العام 1839 على ثورة الفلسطينيين ضدّه (1934) حيث خاطبهم: “يا أبنائي، إننا جميعًا أمة واحدة من الآن وصاعدًا يجب أن لا يقول أحد منا: أنا مصري، أو أنا فلسطيني. فلنا جميعًا عقيدة واحدة ورأس واحد، وتلزمنا الوحدة…” هنا محمد علي باشا الشخصية الأهم في تلك المرحلة والمطلع على حيثيات الأمور يريد استمالة الفلسطينيين فيخاطبهم بما يحبّون: “فلسطيني” وليس شاميّا أو جنوبَ سوريّ أو مقدسيّا ألخ…
والهوية الفلسطينية، كأي هوية، هي دينامية وليست مفهومًا جامدًا او ميكانيكيًا أبدًا، فقبل النكبة وإلى حدّ بعيد حتى يومنا هذا. أي ونحن في حدود دولة إسرائيل ومنقطعون عن دول عربية عديدة منذ 62 عامًا، ما زال الفلسطيني ابن الجليل أقرب، بمفاهيم هويّاتية عدّة إلى ابن الشام وبيروت منه إلى الفلسطيني ابن النقب. وكذلك ابن النقب بقربه، بمفاهيم عدّة، إلى ابن السعودية، من قربه إلى الفلسطيني ابن الجليل. ولو أن أي من سايكس وبيكو أخطأا عمدًا أو سهوًا فلربما كانت عشرات القرى في فلسطين أو في الدول المجاورة وطوّرت هويّة خاصّة بشكل تلقائي. (على فكرة، لأن قلم الرصاص الذي خطّ فيه اسحق رابين الحدود في رودوس كان غليظًا فلمس قرية صندلة فتقرّر لاحقًا أن تكون القرية داخل الخط الأخضر).
تزاحم بين الهوية الوطنية والقومية.
أدّعي أن الهوية الفلسطينية أخذت بالتبلور إلى أن اعترضت طريقها الحركة الصهيونية، فوجدت نخب فلسطين السياسية والثقافية أن الأفضل هو توسيع دائرة المواجهة مع الصهيونية من البُعد الوطني المحلي إلى البُعد القومي العربي، وقد تعزّز هذا التوجّه على أثر وعد بلفور (1917) واعتبار بريطانيا فلسطين “وضعًا خاصًا” فأرادها الفلسطينيون “وضعًا عامًا”. ففي المؤتمر القومي الفلسطيني الأول (1919) رفض المؤتمرون المقولة الرائجة “فلسطين للفلسطينيين” وقرروا بدلا منه شعار “فلسطين جنوب سوريا”. ولنقرأ ما يكتبه خليل السكاكيني في مذكراته: “قررنا في جلسة أمس أن نحيل اسم فلسطين إلى سوريا الجنوبية.. وبهذا نبطل مذهب “فلسطين للفلسطينيين”” (دعوة فلسطينية من كبار الساسة إلى تغيير اسم البلد!) وتجاوب مع هذا النداء المؤتمر السوري (1920) متخذًا قرارًا تاريخيا يعلن عن استقلال سوريا بحدود تشمل فلسطين”. ويكتب خليل السكاكيني في مذكراته اليومية: “في الطريق التقينا بشكري أفندي التاجي، وهو من الذين يدعون لأن تكون “فلسطين للفلسطينيين” فتناوله أبو الفضل (محمد إسعاف النشاشيبي) وقرّعه تقريعًا أليما، وقال إن فكرة “فلسطين للفلسطينيين” ليست إلا فكرة صهيونية!!” إلى هذا الحدّ كانت نُخب فلسطين تهرب من التعريف الفلسطيني وتؤكد الانتماء والبُعد السوري والعربي من أجل توسيع بيكار المواجهة مع الحركة الصهيونية.
إذًا فإن الحركة الصهيونية وإن كانت قد أجّجت الهوية الفلسطينية المحلية عبر الصراع معها وأذكر الثورات 1929 و1936 وإرهاصاتهما الاقتصادية والأدبية – وهذا ما أوافق عليه- إلى أنها في الوقت ذاته أدّت إلى التشديد الفلسطيني على البُعد القومي لا الوطني كسائر الهويات العربية الإقليمية. ونجد أن شعبنا، ورغم النكبة ومؤامرة الحكام العرب في الـ36 الذين أوقفوا الثورة مراعاة لـ”حليفتنا العظمى بريطانيا” (بهذا النصّ حرفيًا طلبت الأنظمة العربية من الفلسطينيين وقف الثورة) وكذلك مؤامرة الأنظمة العربية في العام 48، فقد ظلّ الفلسطينيون مرتبطين، كل الارتباط بهذا البُعد، إلى درجة أنه بعد مرور سنوات على النكبة لم يُقم الفلسطينيون إطارا سياسيا خاصًا بهم، بل انضم غالبيّة سياسييهم إلى الحركات القومية كـ”البعث” و”الناصرية” و”حركة القوميين العرب”، إلى هذه الدرجة أدّت الحركة الصهيونية إلى تأجيل بلورة الهوية الفلسطينية كهوية مستقلّة.
الدولة الوكيل الرئيس لبلورة الهوية
إن منع الحركة الصهيونية (وحلفائها الإمبرياليين والرجعية العربية) الشعب الفلسطيني من إقامة دولته هو أكبر الضربات للهوية الوطنية، فالدولة هي الوكيل الرئيس لبلورة الهوية الوطنية في كل الدول، فهي تنشر اللغة وتعمّق الذاكرة الوطنية عبر مناهج التعليم ووسائل الإعلام وهي تقرّر الرموز والأبطال والأحداث الفارقة.
إن من يدّعي مركزية وجود الحركة الصهيونية في بلورة الهويّة الفلسطينية كما يدّعي عدّة بحّاثة فلسطينيين فعليه تفسير صناعة الهويّات الوطنية الإقليمية الأخرى كاللبنانية والسورية والمصرية والتونسية وغيرها من الدول العربية التي حددت اتفاقية سايكس بيكو (1916) وسان ريمو (1920) حدودها.
قفزة في بلورة الهوية الفلسطينية في اللجوء.
حركة “فتح” كانت الوحيدة التي شقّت طريقها منذ نهاية الخمسينيات ببدايات متواضعة ومتعثّرة (يعود اجتماعها التأسيسي الأوّل إلى العام 1957) وفي اختلاف مع المشروع القومي الكلاسيكي، ومن تجليات ذلك رفعها شعارات مركزية تؤكد على الشخصية أو الكيانية (الهوية) الوطنية الفلسطينية، وعلى استقلالية القرار الوطني الفلسطيني مقابل السعي العربي الحميم للهيمنة والسيطرة وحتى الإلغاء. بقي دورها متواضعًا حتى الانطلاقة في العام 1965 ثمّ أخذت مداها مع انتكاسة المشروع القومي 1967 ومعركة الكرامة 1968 ودورها المركزي في منظمة التحرير الفلسطينية (منذ العام 69) التي أقامها الحكام العرب 1964. وفي العام 74 حققت قفزة بالاعتراف العربي والعالمي بها ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني.
إذًا فانتكاسة المشروع القومي كانت من أسباب تميّز البُعد الفلسطيني الوطني، وكذلك ظلم ذوي القُربى الذين وصلهم الفلسطينيون مهجرين وهم مقتنعون أن إخوتهم سيتعاملون معهم بما يليق بالانتماء القومي الجامع، فإذا بهم يعاملونهم كما تعامل العائلة ابنتهم المغتصبة، تارة بالشفقة وطورا بالازدراء، وفي تعالٍ في كلتا الحالتين.
الهوية الفلسطينية لدى الفلسطينيين في إسرائيل.
وبخلاف الفلسطينيين اللاجئين الذين أطلقوا على أنفسهم وعلى هيئاتهم اسم “فلسطين” كاتحاد الطلاب الفلسطينيين على سبيل المثال، ولم يحمل بعدًا اكبر بكثير من تميّزهم الإسمي عن سائر العرب، لأن الجميع عربٌ فيُطلق اسم فلسطينيون للتمييز عن اللبنانيين والسوريين والأردنيين والمصريين. وبخلافهم فقد أطلق الفلسطينيون الذين بقوا في وطنهم داخل حدود دولة إسرائيل اسم العرب على أنفسهم، وهذا تفرّد عربي، فهم الجماعة الوحيدة التي أطلقت على أنفسها اسم عرب لا غير، وكان هذا كافيًا للتميّز عن سائر المواطنين اليهود. بل ودافعوا بقوّة عن هذا الانتماء، فيتحدّى محمود درويش: “سجّل أنا عربي” ويتحدّى أكثر: “نعم عرب ولا نخجل ونعرف كيف نمسك قبضة المنجل..”[1]
إن الانتماء العربي العام جعل الوحدة الأولى بين الشيوعيين والقوميين (الجبهة العربية التي سميّت لاحقًا بالجبهة الشعبية) تنقسم على ذاتها (1959) ليس لسبب فلسطيني محلّي أو فلسطيني عام، وإنما بسبب الخلاف بين عبد الناصر في مصر وعبد الكريم قاسم في بغداد، وقد كان خطاب من عبد الناصر يزيد او يُنقص بشكل حاد من مقاعد التي تحصل عليها الأحزاب في الانتخابات، إلى هذا الحدّ كان البُعد العربي مؤثرًا.
لم تذكر كلمة “فلسطيني” إلا لماما طيلة عقدين كاملين (1948- 1968) وإن كانت كلمة فلسطين (وليس فلسطينيين) قد ذُكرت في الشعر، مثالا على ذلك قصيدة توفيق زيّاد:
“أجيبيني!!أنادي جرحك المملوء ملحًا، يا فلسطيني!”
الحزب الشيوعي هو أوّل من ذكر هذا الانتماء ابتداء من المؤتمر الثالث عشر (1957 في الصيغة المثيرة التالية: “حقّ تقرير المصير حتى الانفصال للشعب العربيّ الفلسطينيّ بما في ذلك القسم الكائن في إسرائيل.” ولينتبه القارئ إلى كلمات فؤاد خوري رئيس الكتلة الشيوعية في جلسة رسمية للمجلس البلدي في بلدية الناصرة لمناقشة الاحتفال بالذكرى العاشرة للاستقلال: إن الجماهير العربية تذكر في هذه المناسبة المآسي الدموية التي أحاقت بالشعب العربي الفلسطيني سنة 1948.. إن سوق هذه الجماهير العربية للاحتفال والابتهاج ليس إلا سوقها إلى الرياء والكذب، فكيف تستطيع تجريد نفسها من الواقع المر والرقص على قبور ضحاياها وأنقاض حقوقها المهضومة” (“الاتحاد” 28/2/1958) هنا فؤاد خوري يقول “الجماهير العربية” ولكنّه يعتبرها جزءًا من ضحايا وأنقاض الشعب الفلسطيني.
وفقط في نهاية الستينيات – الأمر الذي ترافق مع انتكاسة المشروع القومي وسطوع نجم “فتح” ومنظمة التحرير- كتب محمود درويش ديوان “عاشق من فلسطين” واعتبر محبوبته:
“فلسطينية العينين والوشمفلسطينية الاسمفلسطينية الاحلام و الهم..”
في سنوات السبعينيات سَمّى العرب الفلسطينيون في إسرائيل أُطرهم الوحدوية بالتعريف “عرب” وليس “فلسطينيين” مثل لجنة الرؤساء العرب والجامعيين العرب والثانويين العرب ولاحقًا: لجنة المتابعة العُليا لشؤون المواطنين العرب”.
ومن الجدير أن “حركة الأرض” قومية الانتماء همّشت البُعد الفلسطيني كامتداد لفكرها القومي الصاعد الذي خطّه عبد الناصر، ولفت نظري أن صحف حركة الأرض :الأرض، هذه الأرض، شذى الأرض، صدى الأرض….” لم تُعرّف العرب في إسرائيل كفلسطينيين أبدًا.
ونتيجة لهذا التطوّر الذي لعبت فيه م.ت.ف دورًا مركزيًا، والالتقاء مع الفلسطينيين من سكّان الضفة وغزّة، ومع المدّ الوطني بُعَيد يوم الأرض 1976 أجري استطلاع لعيّنة كبيرة من العرب البالغين في إسرائيل، حيث وجد أن حوالي 59% من المشتركين قد أجابوا أن أكثر التعابير ملائمة لتحديد انتمائهم هو تعبير “فلسطينيين”. نتائج أكثر وضوحًا حققها تسلر (tessler, 1977) سنة 1975، حيث وجد أن 85% من المشاركين في استطلاعه قد أجابوا بأن التعبير “فلسطيني” يصفهم بصورة جيدة أو كافية. هذه الاستطلاعات وردت في دراسة أعدّها بروفيسور رمزي سليمان، وهو الباحث الفلسطيني الجادّ في موضوع الهوية.
لقد أبرزت الكثير من الدراسات (إيان لوستك- أساليب السيطرة والضبط، توم سيغف- الإسرائيليون الأوائل) أن المؤسسة الحاكمة لم تكن حيادية في قضية الهوية الفلسطينية، بل سعت إلى حجب تعليم الثقافة الفلسطينية والوطنية في معاهد التعليم المختلفة وساهمت في تسعير الفئويات من عائلية وطائفية على حساب الانتماء الفلسطيني الجامع. وعلى كل حال فالفلسطينيون في إسرائيل ليسوا بحاجة للإشارة إلى أي مرجع أكاديمي لأن هذه السياسة كانت جزءًا من حياتهم.
تلخيص:
من غير الصحيح إقران الهوية الفلسطينية بالحركة الصهيونية بشكل مركزي كما يحدث كثيرًا، وذلك للأسباب التالية:
* تبلورت الهوية الفلسطينية قبل قدوم الحركة الصهيونية إلى بلادنا.
* مقولة إن الهوية الفلسطينية تبلورت عبر الصراع مع الصهيونية لا يعطي جوابًا لبلورة هويات عربية مثل اللبنانية والسورية والمصرية ألخ..
* الحركة الصهيونية أجّجت الهوية الوطنية الفلسطينية وأدت إلى صياغة العديد من تعبيراتها، ولكنّها أجّلت بلورتها بشكل مستقلّ إلى درجة أنها أرغمت الفلسطينيين في حالات متطرّفة إلى تغيير اسم البلد من فلسطين إلى “سورية الجنوبية”، كما أن منع إقامة الدولة الفلسطينية منع عن الشعب الفلسطيني الوكيل الرئيس في بلورة الهوية الوطنية وهو الدولة- إن الحركة الصهيونية أجلت بلورة الهوية الفلسطينية بشكل مستقلّ هو إدعائي الأساسي في هذه المقالة.
* انتكاسة المشروع القومي العربي (خاصة في الـ67 ولاحقًا في كامب ديفيد 1978 وحرب الخليج الأولى 1991) ساهم في بلورة الهوية الفلسطينية.
* دولة إسرائيل عملت جاهدة لمنع بلورة هوية فلسطينية وحدوية للعرب الفلسطينيين في إسرائيل.
إن إعطاء وزن زائد لدور الحركة الصهيونية في بلورة الهوية الفلسطينية (والحقيقة التاريخية والعلمية أنها أجّلت بلورتها كما بيّنت) أو القول “صُنع الشعب الفلسطيني من خلال سيرورة مواجهة مع الصهيونية” هو أمر خطير سياسيًا وثقافيًا لأنه يتفق مع الرواية الصهيونية الرسمية بأنه لا يوجد شعب فلسطيني وتاليًا لا يحقّ لهم تقرير المصير.
هامش
[1] وللننظر إلى كلمات توفيق زيّاد في قصيدة “كفر قاسم”:
“ولكن .. أقلية نحن ؟
كلا …
ومليون ، كلا !!
فنحن هنا الأكثرية
نسير شعوبًا تخوض المنون
وتبني سعادتها الأبدية
ففي مصر نحرق جيش الطغاة
ونغرقه في مياه القناة
وفي كل شبر بأرض الجزائر
تدور بأعداء شعبي الدوائر
وتلتهب الأرض ذات السرائر
وتنطق بالنصر أحلى البشائر
ونكتب تاريخنا في العراق
بسيل دم للحياة مراق”
لا يُطاَلَب الشاعر بالموقف السياسي الصارم، ولكنّ توفيق زيّاد هو أبرز الشعراء المسيّسين والمحزبين وقصائده تُترجم الموقف السياسي الصارم إلى لوحة شعرية جمالية، وهو أكثر الشعراء ارتباطًا بالقضية الفلسطينية خاصّة النكبة وقضية اللاجئين. ومن المثير أنه لا يرى بنفسه “أقلية” فهو ينتمي إلى هذا المدى الشعبي العربي الثائر الكبير، وربّما ينبع ذلك بأن الناصرة وغالبية الجليل كانت تتبع الدولة العربية وفق قرار التقسيم، والحزب الشيوعي كان أشدّ المطالبين بين العرب واليهود بتطبيق قرار التقسيم، خاصّة بعد النكبة وحتى العام 1967.
أمين عام الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة