الجمعة, يوليو 18, 2025
No menu items!
spot_img
الرئيسيةزواياأقلام واراءالمصالحة الفلسطينية ... قناعات العقل وضعف الإرادة بقلم : كمال هماش

المصالحة الفلسطينية … قناعات العقل وضعف الإرادة بقلم : كمال هماش

 

المصالحة الفلسطينية … قناعات العقل وضعف الإرادة

بقلم : كمال هماش


مثلت الرياضيات النظرية عبر التاريخ الأساس المنطقي للخيال الإنساني القابل للتحقيق في تطور العلوم التطبيقية المختلفة،باعتبارها خارطة التفكير والمسار المنهجي للعمليات التي يجب أن يسقطها العقل البشري على اختباراته، وبدون هدا العلم فإن أي تقدم في تقنيات الإنتاج الإنساني سيبقى رهين الصدف التي لها مكان في الكثير من الاكتشافات، والتي تفككت طلاسم حدوثها بعد الحدث ذاته،بالتبرير الفلسفي للحدوث أولا ثم بإرساء الأسس الرياضية.

ومع تطور مناهج البحث العلمي وتوسع آفاق المعرفة الإنسانية ، تدخلت الرياضيات في مختلف العلوم ومن ضمنها الإنسانية كأداة لبحث العمليات وتتبعها والتنبؤ باتجاهاتها، مما فتح الباب أمام تدخل السياسات للتأثير في مسار هذه التنبؤات،وفقا للمصالح العليا لنخبة النفوذ في قطاع ما اقتصاديا أو سكانيا أو اجتماعيا.

ولعل هذا التمهيد يوضح أهمية حسابات العقل وقناعاته النظرية في أي مسالة من المسائل، إلا أن هذه القناعات تبقى قاصرة عن التجسد المادي ،ما لم تتوفر الإرادة الصلبة والعمل المنهجي الجاد القائم على مخطط منطقي،لدى صاحب القناعة لتحويلها إلى حقيقة واقعية متجسدة ماديا.
ومع علمنا بأن الديالكتيك الاجتماعي لا يمكن ضبطه في قوارير المختبر ،والتحكم في مفاعيله وديناميكيته الداخلية واتجاهات تطوره بشكل مطلق ، إلا أن هذه التفاعلات لا يمكن أن تخرج في نتائجها عن منطق العلم في أن المدخلات المحددة لأي تفاعل وفي ظروف وبيئة تفاعل متوقعة إجمالا، مما يجعل من الممكن استجلاء النتائج واستشرافها.

ومن هذا المنطلق تهتم الدول والمؤسسات المتقدمة بعلوم الدراسات المستقبلية والبحوث الاستشرافية في حركة الاجتماع السياسي والاقتصادي ،وتبني الأطر العامة لخططها وفقا لنتائج هذه الدراسات مع الاحتفاظ بهامش من المرونة للتصحيح والتغيير في ظروف اختلال البيئة المستهدفة ،ومخاطر التدخلات المؤثرة على اختلافها.

وإن غياب مراكز البحث ومجموعات التفكير الداعمة لصناع القرار في الدول والمؤسسات المتنفدة سيعكس نفسه على ارتجالية القرارات الهامة ،باعتبار معظم هده القرارات سيكون ضمن نظام رد الفعل والتدخل بدون ارتباط بمخطط كامل للعملية حتى وإن كان هذا التدخل يمتلك الأساس العقلي لضرورته كطريق لتحقيق أمر ما، لنكتشف لاحقا بأن القناعات لا ينفذها حسن النوايا وإنما خارطة طريق خاصة بالأمر ومسلحة بسلسلة من الإجراءات المنهجية التي تكفل حماية الهدف،من ارتجالات طارئة قد تودي بالجهد إلى العدم.

ولا شك بأن المصالحة الفلسطينية والتي تمت مؤخرا بين فتح وحماس، هي حاجة سياسية واجتماعية واقتصادية تمتلك كل مقومات القناعة العقلية لدى مختلف الأطراف، التي تجد وحدة المؤسسة السياسية الفلسطينية بمثابة ألف باء الضمانات الوطنية للسير نحو تحقيق أهداف الشعب الفلسطيني.
ولكن حسابات مختلف الفصائل والأطراف وخططها التفصيلية ذهبت بعيدا عن الهدف العام ،وتركزت حول الثمار التي يمكن أن تقطفها الأطراف في هده المرحلة أو مستقبلا ،مما عطل مسار انجاز وحدة المؤسسات، وجعل أحلامهم بقطف الثمار المرجوة على مسافة ابعد مما كان عليه الأمر،فحسابات حماس في توظيف عام من العمل لإرساء قواعد الاستفادة من فوزها في الانتخابات السابقة،بمقابل مساعي فتح لتثبيت ما قطفته عبر العقدين الأخيرين،ادخل حوارات المصالحة في ضائقة لا تبدو قريبة الانفراج .

إن بناء مسالة المصالحة بصيغة توحيد المؤسسة السياسية ،لتحقيق الهدف الوطني العام،اتخذ مند البدايات طريقا منحرفا قليلا عن المسار العلمي لتحقيق النتيجة ، مما سيؤدي إلى توسع وزيادة هذا الانحراف بتعاون عامل الزمن الخاص بالسرعة في تقليص المسافة للهدف،الأمر الذي سيتطور نحو فجوة شاسعة بين مواقف الطرفين، بما يوفر أسس الصراع وليس الوحدة المطلوبة .
ورغم تأكيد العلم بأن الخط المستقيم ليس اقصر مسافة بين نقطتين بالضرورة، فإن تجاهل الأطراف الرئيسة للمصالحة لأقصر الخطوط للوصول للهدف العام والانطلاق منه لتحقيق الأهداف الخاصة والفرعية، يجعل من تمام عملية المصالحة والتوحيد أمرا مستبعدا إن لم يكن نقيضا لها.
وبما أن وحدة المؤسسة السياسية لا يمكن صياغتها بغير انتخابات عامة في النموذج الفلسطيني، ينتج عنها برلمان فاعل موحد ،وحكومة موحدة ومؤسسات سيادية تحتكم لتشريع وقيادة واحدة، فان هذه الانتخابات تمثل عتبة الدخول إلى المصالحة الوطنية وانجاز الوحدة السياسية للوطن ولتبقى الخلافات الحزبية إلى ابد الآبدين.

وما يمنع البدء بهذه الأولوية هو حسابات المصالح الضيقة لدى الحركتين المتصارعتين واللتين يفصلهما بحر من التشكك وعدم الثقة ،الناشئة عن معرفة عميقة من جانب كل منهما للأخرى وثقافتها الاستحواذية والتي تصل إلى حد الشمولية، مما يساهم في تركيز إرادة كل منهما وجهوده على الأرض لضمان قطف ثمار شجرة لم تتم زراعتها بعد.

لقد كان بإمكان الحركتين- لو توفرت الإرادة- أن تنتهجا المنهج العلمي لانجاز الوحدة بالذهاب إلى انتخابات،توافقتا أصلا على نسبة الحسم فيها وبحيث لا تترك للكثير من الفصائل فرصة المشاركة السياسية، والانطلاق من نتائج هذه الانتخابات نحو تعزيز مواقعهما وحصصهما في السلطة والتي أصبحت أمرا مفروغا منه.

إن تغييب العقل الوطني ، والحضور المكثف للعقل الفئوي مدعوما بأحلام حيازة ثمار السلطة، قد أودى فعليا بفرص تاريخية أمام الشعب الفلسطيني لتحقيق أهدافه، وادخل الساحة الفلسطينية في فراغ القضية العامة ، وضجيج التفاعلات داخل الحركتين ، وبحيث أصبحت ملاسنة بين مشعل والزهار تحتل حيزا أكثر من المتغيرات الجارية في العالم العربي كما تحولت قضية دحلان إلى سؤال يتعلق بمستقبل الوطن ، وسط غياب إعلام وطني موضوعي.

وما يساهم في ضعف الحراك السياسي التوحيدي هو، انكفاء وسائل الإعلام المؤثرة عن الشأن والمصلحة الفلسطينية ،وتحول صقور الانقسام الإعلامي إلى حمائم لا تتحدث في الشأن الفلسطيني التصالحي إلا بما يروق لكهنة المعبد.

ورغم مخاطر ضياع الوقت الفلسطيني الذي ضاع منه جزءا مهما في جولات البحث عن الحصص، وغير المرشح للتوقف قريبا إلا أن الفرصة لا زالت سانحة للذهاب إلى انتخابات رئاسية وتشريعية للسلطة الفلسطينية،إذ أن ملف منظمة التحرير قد يأخذ مدة طويلة من البحث لوضع أسس إعادة بنائها،وهو وقت لا تتوفر إمكانية استهلاكه في ظل ما يجري من حولنا .

ولعل المخاطر الحقيقية تكمن في توقعات حصاني الرهان بان تكون المتغيرات الجارية عربيا لمصلحة طرف محدد وبما يمكنه من إقصاء الأخر، ومن ثم التفرد في الواقع الفلسطيني والدي سيكون الخاسر المؤكد فيه هو الشعب الفلسطيني وبغض النظر عمن يكسب الرهان.

ومن هنا فإن أمام الرئيس أبو مازن ومنظمة التحرير الفلسطينية وكل الحريصين على القضية الوطنية ،طريق واحد لا ثاني له لإعادة وحدة المؤسسة الفلسطينية ،ودلك من خلال صناعة توافق إقليمي وفلسطيني بمن يوافق على إجراء الانتخابات العامة .



 

مقالات ذات صلة
spot_img

أقلام واراء