الطريق إلى أيلول .. بقلم : محمد علوش
منذ قرار القيادة الفلسطينية التوجه إلى الأمم المتحدة بهدف الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس، وتقديم طلب قبول دولة فلسطين المستقلة عضواَ كامل العضوية في المنظمة الدولية على أساس ميثاق الأمم المتحدة ،والأصداء تتعالى وتتعاظم لهذا الخيار الفلسطيني ، حيث تشهد هذه المرحلة متغيرات عديدة في المواقف والطروحات السياسية عربيا ودوليا وعلى كافة المستويات ،إن كان على مستوى سلسلة الاعترافات بالدولة الفلسطينية من قبل دول ومؤسسات ومنظمات دولية وأحزاب سياسية وقوى نقابية مهمة عالميا ، أو على مستوى السياسية، والموقف المخزي للإدارة الأمريكية والابتزاز السياسي الرخيص ومحاولات مساومة القيادة الفلسطينية بالمساعدات المالية والاغاثية التي تتم على أساس الاتفاقيات التعاقدية التي تمت ضمن إطار عملية السلام لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي والتي تجسدت بالعديد من الاتفاقيات والتي تعهد من خلالها المجتمع الدولي ومعه الولايات المتحدة الأمريكية بدعم وتمويل المشاريع التنموية والتطويرية لمؤسسات السلطة الوطنية على طريق قيام الدولة الفلسطينية .
لكن ما يهما بهذا الاتجاه وأمام انسداد أفق العملية السياسية وتعثر مسار المفاوضات بفعل السياسات المتعنتة لحكومة نتنياهو وسياسات التنكر للحقوق الفلسطينية وللاتفاقيات الموقعة والتي كان آخرها التهديد الإسرائيلي بإعادة النظر باتفاق أوسلو ، متناسين أن أوسلو انتهى بانتهاء السنوات الخمس الانتقالية حتى عام 1999 وان كثير من الأشياء تغيرت بعد أوسلو وان استحقاق الدولة لا بد منه شاءت إرادة الاحتلال أم أبت .
فالشعب الفلسطيني لن يخسر الرهان وهو ماض في مسيرته الوطنية التحررية ملتفا حول قيادته الوطنية ، حول منظمة التحرير الفلسطينية ومشروعها الوطني ، والخيارات مفتوحة ومتعددة أمام شعبنا وقيادته من اجل تحقيق وتجسيد أماله وطموحاته بالحرية والعودة والاستقلال والدولة كاملة السيادة ، وعلى العالم ككل أن يعي ذلك جيدا ، أن الشعب الفلسطيني إرادته الوطنية لم ولن تقهر ، وانه مصمم على نيل حقوقه ، وعليه أن يتعاطى ايجابيا مع القضية الفلسطينية وجهود ومساعي القيادة الفلسطينية بتحكيم العقل والمنطق والموقف السياسي الواضح المستند للمرجعيات وقرارات الشرعية الدولية ، بعيدا عن تشنجات السياسية والتلاعب بالألفاظ نحو إنهاء الاحتلال الإسرائيلي العنصري وإلزام إسرائيل بقرارات الشرعية الدولية وبما يحقق رؤيا العالم الحر نحو قيام دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة وخالية من كل أشكال الاستيطان بنموه الطبيعي وغيره من أشكال انتشار هذا السرطان الاستيطاني العنصري على الأرض الفلسطينية .
في الطريق إلى أيلول واستحقاق أيلول يتطلب منا دعم قرار منظمة التحرير بلجنتها التنفيذية ومجلسيها الوطني والمركزي بالتوجه للأمم المتحدة من اجل نيل العضوية الكاملة والاعتراف بالدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس باعتبار ذلك حقاَ طبيعياَ للشعب الفلسطيني .
لا بد من توحيد وتكثيف كل الجهود لدعم خيار التوجه إلى الأمم المتحدة وتعزيز الآليات الكفيلة بتوضيح الموقف والتوجه الفلسطيني لكافة الدول مهما اقتربنا منها أو ابتعدنا عنها ، ومن المهم جدا متابعة التوصيات والقرارات التي خرجت عن اجتماع السفراء الفلسطينيين في اسطنبول ومراكمة الانجازات وصولا إلى اعتراف كافة الدول بالدولة الفلسطينية وبالحقوق الوطنية العادلة والمشروعة للشعب الفلسطيني ، ليصبح المجتمع الدولي طرفا أساسيا ليساعدنا على إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة المستقلة.
إن ما تقوم به حكومة الاحتلال من إجراءات عدوانية متواصلة لتهويد مدينة القدس وتواصل عمليات البناء الاستيطاني هو سلوك يتسم بفرض الأمر الواقع وهو تعبير حقيقي عن الإجراءات الأحادية الجانب والتي لا تحترم الالتزامات التعاقدية المترتبة على الحكومة الإسرائيلية تجاه الجانب الفلسطيني ، وهذا السلوك الإسرائيلي شكل من أشكال العقوبات الجماعية والتي تستهدف من خلالها الحكومة الإسرائيلية تعطيل وقطع الطريق أمام استحقاقات أيلول.
إذا كان نتنياهو يعتقد عبر هكذا إجراءات انه سوف يستطيع الضغط على الشعب الفلسطيني وقيادته وعلى أصدقاء وأنصار الحقوق الفلسطينية على مستوى العالم فهو خاطئ ، حيث أنه بذلك سيدفعنا إلى خطوات اكبر باتجاه إعادة النظر بالتزاماتنا التعاقدية تجاه إسرائيل وتصبح كافة الخيارات متاحة ومفتوحة أمام القيادة الفلسطينية.
في استحقاق أيلول ، نريد الانتقال إلى مرحلة سياسية مختلفة تتغير فيها قواعد اللعبة السياسية ، انطلاقاً من أن المرحلة السابقة لم يعد بالإمكان أن تنتج أكثر مما أنتجته لغاية اللحظة الراهنة ، وبالتالي الانتقال إلى نهج جديد يدخل المجتمع الدولي كطرف أساسي يساعدنا في إنهاء الاحتلال ، ولا ينبغي أبداَ التخوف من الذهاب إلى الأمم المتحدة أو تأجيله ، تحت ذرائع من قبيل عدم إثارة حفيظة الإدارة الأميركية ، أو خوض معركة ضدها ، وعلى الإدارة الأمريكية أن تكف عن سياسة الكيل بمكيالين وان تتوقف عن انحيازها المفضوح لدولة الاحتلال إن كانت معنية حقيقةَ بأمن واستقرار المنطقة وتحقيق عملية سلام شاملة وعادلة ومتوازنة .
الذهاب إلى الأمم المتحدة لا يمثل تصرفاً أحادي الجانب كما تردد الولايات المتحدة وإسرائيل في محاولاتها لقطع الطريق أمام استحقاق أيلول الذي انطلق أساساَ وفقا لأطروحة الرئيس الأمريكي أوباما ، بل بمثابة دعوة للمجتمع الدولي لتحمل مسؤولياته من أجل تمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه بتقرير المصير وإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة أسوة بكافة الشعوب والتي كان آخرها شعب جنوب السودان الذي حقق تقرير مصيره ونال اعتراف العالم وفي مقدمته الأمم المتحدة بدولته المستقلة .
إننا عندما نذهب إلى الأمم المتحدة لنؤكد الاعتراف بدولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران 1967 بعاصمتها القدس ، فإن هذا يشكل مقدمة لإدخال العامل الدولي كعامل رئيسي وضاغط في المعادلة التفاوضية ، لتتضمن قدرا من التوازن يجعلها مثمرة وذات جدوى .
بمقابل التوجه إلى تجسيد أيلول واستحقاقه على الأرض ينبغي أيضا تحقيق اتفاق المصالحة الوطنية وتنفيذه فورا بإعادة الاعتبار للوحدة الوطنية التي تشكل صمام أمان المشروع الوطني وتصفية حالة الانقسام السياسي والجغرافي من جذورها والتوحد في مواجهة الاحتلال وسياساته وإجراءاته بمقاومة شعبية فاعلة وموحدة وقادرة على تحقيق الغرض من إطلاقها لخدمة القضية الفلسطينية ومصالح الشعب الفلسطيني بعيداَ عن أية أجندات أخرى .
عضو اللجنة المركزية
لجبهة النضال الشعبي الفلسطيني