وطن على وتر وحرية الرأي والتعبير
بقلم:رشيد شاهين
كنا نجلس على مائدة الإفطار نتابع تلفزيون فلسطين والمسلسل التلفزيوني “وطن على وتر” عندما قالت الممثلة منال عوض ما قالته عن زيارة ضريحي ياسر عرفات ومحمود درويش، عندها قلت لمن حولي، غدا ستكون هجمة على المسلسل، لم أكن أتوقع ان يتم إيقاف المسلسل، لان ذلك غير معقول أو مقبول ولا متوقع، إلا ان الأمر المفاجئ للجميع هو عندما صدر قرار النائب العام بإيقاف المسلسل.
قد نتفق أو نختلف فيما بالمستوى غير الجيد او الهابط او الجيد او الإبداعي لمسلسل “وطن على وتر”، هذا الموضوع قابل للنقاش حيث تتباين أذواق الجمهور المتلقي لأي عمل فني، سواء أكان عملا مسرحيا او فيلما او مسلسلا او أي عمل أدبي.
المسلسل في عامه الثالث لم يكن بالمستوى المطلوب، لا من حيث المضمون ولا من حيث الحوار، ويمكن إضافة أي شيء او أي توصيف إلى ذلك، فهو انحدر كثيرا عن العام الأول الذي انطلق به قبل ثلاثة أعوام، مسلسل فيه الكثير من “المسخرة” إن جاز التعبير، وفيه الكثير من الكلام والعبارات السوقية وغير اللائقة، خاصة والناس تجلس على مائدة الإفطار في رمضان، مسلسل فيه من الانحدار الكثير وفيه من التجني على الواقع الفلسطيني الكثير أيضا.
مسلسل انطلق بشكل جيد في المرة الأولى، ولم يحاول من قام عليه الاستمرار فيه بنفس الجودة، مسلسل كان يمكن أن يتم تطويره والارتقاء به كمسلسل اجتماعي، فيه الكثير من النقد الايجابي والجيد، لكن من الواضح ان هؤلاء لم يخرجوا عن قاعدة العمل في العالم الثالث بشكل عام والعربي بشكل خاص، فهم اطمئنوا إلى عملهم في العام الأول لكي يبثوا على الجمهور أي شيء، معتقدين انهم بما قاموا به في المرة الأولى جعل منهم نجوما وسيغفر لهم أي شيء يمكن ان يقدموه إلى العالم، وهنا كانت طامتهم الكبرى، فحيثما توجهت وأينما تحدثت عن المسلسل تجد الكثير من النقد والهجوم على ما يتم عرضه، لأنه “أي شيء” عدا العمل الجيد.
لكن وبرغم كل ما يمكن ان يقال بالإضافة إلى هذا الذي قلناه، فان هذا ليس مدعاة إلى إصدار قرار من النائب العام بوقف المسلسل، لان في ذلك تجن واضح وخرق غير مبرر لحرية الرأي والتعبير.ومحاولة تهدف فيما تهدف إلى تكميم الأفواه، والتسلط على الحريات، كما تتنافى بشكل صارخ مع ما كفله القانون الأساسي الفلسطيني للمواطن، ولا مبالغة في القول انها ترقى إلى الإرهاب الفكري، وان على المواطن ان يفكر مئات المرات قبل ان يعبر عن رأيه بشكل حقيقي صريح.
كان لنا ان نستوعب ان يتم رفع قضية من جهة تعتقد بان المسلسل أساء إليها او مس بها، وعند ذاك يمكن للعدالة ان تأخذ مجراها بشكل سلس وبشكل حضاري يتم خلاله التعامل مع المسلسل كما يحدث في كل الدنيا، لكن ان نكون تحت سيف النائب العام بهذا الشكل فهذا ما نعتقد انه يبعث على الدهشة والاستهجان.
ان الاستناد إلى ما قاله النائب العام حول المقامات وقذفها او التعرض لها، إنما يذكرنا ويعيدنا إلى أنظمة الحكم الملكية والشمولية التي كانت تروع الناس بالأحكام العرفية، والتي تضع صاحب الجلالة او صاحب الفخامة في منزلة الأنبياء وأحيانا الآلهة، وهي محاولة لإعادة الناس إلى خمسينيات القرن الماضي، حيث كان يزج بالمناضلين من أبناء الأمة في أقبية السجون على تهم مشابهه، وهذا ما يبعث على الاستهجان، خاصة في ظل ما بات يعرف بالربيع العربي الذي يهدف فيما يهدف إلى الانتقال بالشعوب العربية إلى التخلص من مثل هذا الإرث البغيض، الذي أصبح من الماضي كما أصبح سبة في جبين أنظمة الشمول العربية. وهو بالإضافة إلى ذلك محاولة للانقضاض على كفاح وعمل استمر لسنوات طويلة، ناضل خلالها الشعب الفلسطيني من اجل تكريس قيم الحرية والديمقراطية، ودفع خيرة أبناءه ثمنا باهظا من اجل ذلك.
نعتقد بأنه لن يكون معيبا بحق النائب العام فيما لو تراجع عن قراره في سبيل تجذير حرية التعبير والرأي، ومن كان لديه شيء ليقوله او يدعي به على التلفزيون او القائمين على العمل، فأمامه مؤسسات القضاء التي يمكن لها ان تفصل في الموضوع.