استحقاق أيلول بين التأييد و المعارضة
بقلم : أنور جمعة
على أعتاب شهر أيلول/سبتمبر، و مع اقتراب موعد انعقاد الدورة 66 للجمعية العامة للأمم المتحدة، يحتدم الجدل بين مؤيدي و معارضي القرار الفلسطيني بالتوجه للمنظمة الدولية، لاتنزاع الاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران عام 1967، كدولة كاملة العضوية أسوة ب 193 دولة العالم، و باعتباره حق من حقوق الشعب الفلسطيني، و واجب إنساني و قانوني ملزم للمجتمع الدولي.
ففي حين يتخوف معارضي التوجه للأمم المتحدة، لنيل الاعتراف الكامل بالدولة الفلسطينية، من احتمال المساس بمكانة منظمة التحرير الفلسطينية، كممثل شرعي و وحيد للشعب الفلسطيني في شتى أماكن تواجده، و فقدان الانجاز الوطني بالاعتراف الدولي بالمنظمة، و انتهاك حق العودة للاجئين الفلسطينيين، بحصر عودتهم للدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران عام 67.
فإن مؤيدي قرار التوجه للأمم المتحدة يرون أن الحصول على الاعتراف الكامل بالدولة الفلسطينية سيجعل من و جود قوات الاحتلال الإسرائيلي و المستوطنين على أرض الدولة الفلسطينية جريمة و انتهاك للقانون الدولي بإعتباره احتلال دولة لدولة لأخرى، مما سيترتب عليه ضغوط دولية و فرض عقوبات و عزلة سياسية على الحكومة الإسرائيلية.
و بعيداً عن لغة التشكيك في نوايا كل فريق، فإنني اعتقد أن موقف كلا الفريقين المؤيد و المعارض نابع من حرص على المصلحة الوطنية، و صدق في الانتماء للشعب و الوطن و القضية، و هذا يحتم على الجميع ضرورة مناقشة الأمر بعقل مفتوح، و بسعة صدر، و بعيداً عن إصدار الأحكام المسبقة، و على قاعدة رأيي صواب و يحتمل الخطأ و رأي غيري خطأ و يحتمل الصواب.
منذ توقيع منظمة التحرير الفلسطينية على اتفاقية أوسلو 13 سبتمبر 1993م، انتقلت المنظمة من مرحلة النضال العسكري المسلح، إلى مرحلة النضال السياسي، بإعتباره الشكل الأنسب في ظل المتغيرات الدولية في موازين القوى آنذاك و ما زالت ، و في ظل الظروف السياسية الحرجة التي تعيشها المنطقة و العالم ، و على قاعدة أن تغليب شكل نضالي معين في مرحلة زمنية معينة، لا يعني إسقاط أشكال النضال الأخرى ، و انطلاقاً من أن أهداف النضال ثابتة و لكن الأساليب متغيرة.
على أية حال سلكت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية طريق النضال السياسي، و خاضت غمار المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي، و لم يثبت طيلة الثماني عشرة سنة من المفاوضات السياسية، أن فرط الجانب الفلسطيني بأي حق من الحقوق الثابتة و المشروعة لشعبنا، و رغم التجربة المريرة في المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي، الذي لم يلتزم بالاتفاقيات الموقعة، و واصل سياسية العدوان، و التنكر و إدارة الظهر للحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، مستنداً في ذلك إلى دعم الإدارة الأمريكية و تواطئها معه، فإن القيادة الفلسطينية كانت دوماً تراهن على عدالة قضيتنا و صمود شعبناً أولاً، وعلى ثقتها بالمجتمع الدولي، و بحتمية انتصار قيم الحرية و العدالة و المساواة، و بالفعل فقد استطاعت الدبلوماسية الفلسطينية من استقطاب 126 دولة حتى تاريخه، لدعم الاعتراف بالدولة الفلسطينية، و لم يتبقى سوى اعتراف دولتين فقط، ليصل عدد الدول التي تعترف بفلسطين إلى ثلثي عدد الدول الأعضاء في هيئة الأمم المتحدة، و هو العدد المطلوب لإنجاح ما عُرف فلسطينياً باستحقاق أيلول.
إن هذا الإنجاز الوطني، و توالي النجاحات، و تزايد الإعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية، كان ثمرة جهد وطني كبير، و حركة دبلوماسية و سياسية نشطة، أربكت الحكومة الإسرائيلية و أزعجت الإدارة الأمريكية، فتوالت التهديدات للقيادة الفلسطينية، و تم التلويح بفرض العقوبات و وقف المعونات، لابتزاز السلطة الوطنية الفلسطينية، و إجبار القيادة الفلسطينية على التراجع عن قرارها بالتوجه للأمم المتحدة. و لكن كل تلك المحاولات و المخططات، لم و لن تفلح في ثني القيادة الفلسطينية عن الاستمرار في توجهها، و التمسك بموقفها، متسلحة في ذلك بإيمانها بقضية شعبنا العادلة، و برغبتها الحقيقية في تحقيق الأمن و السلام لكل شعوب المنطقة و العالم.
فإذا كان هذا هو موقف الحكومة الإسرائيلية، و من خلفها الإدارة الأمريكية، من القرار الفلسطيني بالتوجه للأمم المتحدة، فإننا كشعب فلسطيني مطالبون اليوم – أكثر من أي وقت مضى – بأن نلتف حول قيادتنا الشرعية، ممثلة بمنظمة التحرير الفلسطينية، و أن ندعمها في قرارها الوطني بالتوجه للأمم المتحدة، لانتزاع حقنا، و نيل الاعتراف بدولتنا الفلسطينية المستقلة، على حدود الرابع من حزيران عام 67، و عاصمتها القدس، و ضمان تمثيلها في هيئة الأمم المتحدة، كدولة كاملة العضوية أسوة بباقي دول العالم، و تمكين شعبنا من ممارسة حقه في الحرية و تقرير المصير.
إن الوقت يدركنا، و لم يعد يفصلنا عن استحقاق أيلول سوى أيام معدودة، و هذا يتطلب الشروع الفوري في ترتيب أوضاع البيت الفلسطيني الداخلي، و تطبيق إتفاق المصالحة بمشاركة الكل الوطني، و التوقف الفوري عن كل ما يشتت جهدنا، و يهدر طاقاتنا و إمكانياتنا في قضايا خلافية جانبية، و من أجل مصالح حزبية و فئوية ضيقة، فالتاريخ لن يرحم و الشعب لن ينسى، و على الجميع تحمل مسئؤلياته، و تغليب المصلحة الوطنية فوق كل اعتبار.
و بالنسبة للمتخوفين من أن يشكل قرار الاعتراف بالدولة الفلسطينية، خطراً على مكانة منظمة التحرير الفلسطينية، و على حق العودة، فإن الاعتراف بالدولة يعزز مكانة المنظمة، فالمنظمة كانت و ستظل هي المرجعية العليا لشعبنا في شتي أماكن تواجده، حتى تحقيق كامل أهدافه الوطنية في الحرية و العودة و الاستقلال، و هي مرجعية السلطة و الدولة، و إن الاعتراف بالدولة لا يعني بأي حال من الأحوال إلغاء الإعتراف بالمنظمة، أما حق العودة للاجئين فهو حق كفلته المواثيق و القوانين الدولية، و في مقدمتها القرار 194، الذي يكفل عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم و ممتلكاتهم التي شُردوا و طُردوا منها عام 1948، مع تعويضهم عن سنوات المعاناة، و عن خسائرهم المعنوية و المادية، و هذا يعني بكل وضوح أن حق العودة لا ينحصر في دولة الجنسية -أي الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران عام 67- و إنما تشمل محل الإقامة العادية أيضاً، و ما يعنيه ذلك من أن عودة اللاجئ الفلسطيني تتم فقط بعودته لنفس المكان الذي طُرد و شُرد منه، كما أن حق العودة بالإضافة لكونه حق جماعي، فهو أيضاً حق شخصي لا يسقط بالتقادم، و لا يملك أحد التنازل عنه، و بالتالي لا خوف عل حق العودة من التوجه للأمم المتحدة للحصول على الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
إن استحقاق أيلول معركة سياسية، و محطة نضالية، و منعطف تاريخي هام يتطلب توحيد الجهود، و استنفار كل قوى و طاقات شعبنا، لنجعل من يوم تقديم الطلب الفلسطيني في الأمم المتحدة يوماً وطنياً، ترفرف فيه أعلام فلسطين فوق كل مكان يوجد به الفلسطينيون، و يوماً كفاحياً تنطلق فيه الفعاليات الشعبية السلمية في كافة شوارع المخيمات و المدن الفلسطينية، لنقول و بصوت واحد: نعم للوحدة الوطنية … نعم لمنظمة التحرير الفلسطينية … نعم للدولة الفلسطينية… لا للانقسام … لا للاحتلال.
عضو اللجنة المركزية لجبهة النضال الشعبي الفلسطيني