ربيع عربي…..شتاء حمضي..
بقلم : كمال هماش
دأب المستنسخون عربا وعجما مقروئين ومسموعين ومرئيين استخدام كلمة الربيع كمقدمة للتعبير عن رياح التغيير التي تعصف بهذا القطر او ذاك، فهناك ربيع مصري وأخر تونسي وليبي وسوري ويمني، بينما أقطار صحراء العروبة لا تكتفي بجفاف فصولها وجمود أنظمتها ، بل تكرس المال النفطي وإعلام وأقلام للغناء لربيع في غير بلادهم.
إن القراءة العابرة لما حدث في مصر متوجا بسيطرة العسكر على السلطة ،ومبهرجا بمواقف تترجمها آمالنا بعيدا عن جوهر حكم عسكري لمؤسسة عسكرية تعلمت وتدربت وتهيكلت برعاية مبارك وفي الحضن الأميركي، باعتباره تغير في السياسات الداخلية والخارجية ،ليس أكثر من قفز عن الوقائع والسياحة في عالم الأحلام بمصر جديدة.
وينطبق ذلك على النموذج التونسي السابق لمصر والذي تنحى فيه رأس النظام، لصالح مؤسسة أمنية تخرج كادرها من ذات المدرسة التي جاء منها زين العابدين بن علي.
وفي كلا البلدين لا نزال نرى قنابل الغاز المسيل للدموع، والرصاص يطلق على المتظاهرين الذين يدركون أن ما تم ليس أكثر من سرقة لثورتهم واحتيال على أحلامهم وشعاراتهم.
لقد هلل الكثيرون لتنحية الرئيس السادات عن منصة الحكم بالرصاص باعتبار ذلك عملا ثوريا سيؤدي بمصر إلى قيادة العمل القومي وينهي سياسات الانفتاح التي زادت الفقراء فقرا وحولت منظومة الحكم إلى عصبة حيتان مالية، كما هلل الكثيرون لانقلاب بن علي على سلفه بورقيبة ،بانتظار بشائر الإصلاح ومحاربة الفساد .
وقد أوضحت الأيام خيبة الأمل في دور قومي ايجابي لمصر،أو القضاء على طغمة المال الحاكمة،كما خابت آمال التونسيين في حياة ديمقراطية نقية من الفساد ،لعقود من الزمن .
ولم تكن خيبة الأمل لتكون لو تمت قراءة المتغيرات من عناوينها الطبقية والمؤسساتية التي أفرزت حكم مبارك أو زين العابدين بن علي ، والتي تتماهى بشكل مطلق مع ما جاء به الربيعين في المرحلة التي تسمى انتقالية .
ولعل استشراف المرحلة ما بعد الانتقالية يمثل المهمة الأصعب والتي تحمل في ثناياها كافة الاحتمالات والسيناريوهات الضعيفة والقوية الاحتمال ،ففي حين يقر الجميع بنتائج انتخابات مجلس الشعب المصري سلفا بأنها محسومة لصالح الإخوان المسلمين ومن يتحالف معهم .
وبالمقابل فان حركة النهضة التونسية تصعد من وسائل فرض منهجها الاجتماعي في شوارع الفقر والأزمة في تونس من جهة بينما يتلحف الأغنياء والرأسماليين بشعارت دينية تلائم المرحلة الجديدة وتتيح لهم بناء تحالف المال والدين مع الغنوشي.
إن السيناريو الرئيس في هذه التحولات هو هيمنة الجماعات الدينية وتحالفاتها مع أصحاب راس المال والمؤسسة الأمنية، على النظام القادم بغض النظر عن معايير النزاهة للانتخابات، التي لن تختلف عن استفتاء الدستور في مصر ، والذي حسمت نتيجته المنابر التي ترسل كل من يخالفها للنار وتكافئ الفقراء بتفاح الجنة .
وحيث أن المؤسسة الأمنية والمالية مرتبطة عضويا بالولايات المتحدة من كافة الجوانب ومتشابكة المصالح مع عملاء ووكلاء أميركا في الخليج العربي والشرق الأوسط عموما،يساعدهما في ذلك الرعاية السعودية للحركات الدينية .
الأمر الذي يضع الأخيرة في مثلث التحالف وبناء منظومة جديدة استبدل فيها الحاكم ، بفتوى القرضاوي أو الغنوشي ، مما يعني أننا على أبواب بناء الدولة التسلطية المستبدة باسم الدين، وبوسائل انتخاب ديمقراطي يضمن نتائجها، خطيب المسجد، وتضمن بدورها مصالح أميركا وحماية دويلات النفط وممالك الشرعية الدينية.
إن هذا الاستخلاص يمكن استجلاءه من لحظة تبني فضائيات تدعمها أنظمة قبائل النفط،لثورات اجتماعية تنادي بالديمقراطية وحقوق الإنسان،بينما تعتاش هذه الأنظمة على قمع شعوبها وتوارثهم كممتلكات لقبائلهم وتحالفاتها ،فتمنعهم من قيادة السيارة،أو تشكيل نقابة،أو تحرمهم من جنسيتهم ،ليصبحوا مهاجرين أو بدون.
مضافا لذلك تكريس الفضائيتين المذكورتين لبثهما لدعم الثورات ومحاربة الفساد،وفتح منابرهما لشيوخ مأفونين يفتون بالقتل والدم والفتنة الطائفية إلى جانب ثوريين ينظرون لتغيير أنظمة عميلة ومحاربة فسادها من وسط قاعدة عسكرية أميركية وعلى قناة يقودها (خنفر ويكيليكس)،لم يجعلهم أكثر من اراجوزات بدائية تعمل على الكاز.
قد تكون حاجة الشعوب العربية للثورة والتغيير حاجة موضوعية ملحة وصلت إلى مرحلة الانعطاف في منحنى المفاضلة بين القائم من الأنظمة وإمكانية التغيير ،ولكن ضعف الحركة الثورية العربية والتقاط عملاء أمريكا لهذه الثورات وتغذيتها من البداية بالمال والإعلام ،أوصلت الأمور إلى ما وصلت إليه، من تحول في الصراع ضد النظام إلى مدخل الصراع الطائفي في مصر تحديدا، كضرورة لتسليم القادمين الجدد مقاليد حكم مستبد.
ولعل الحال في ليبيا وسوريا واليمن …والتي هي جزء من محور المقاومة كما اعتبرتها فضائيات النفط قبل عام على الأكثر، وذلك في سياق هجمتها على القيادة الفلسطينية ،وصولا إلى ربيع فلسطيني حدث في غزة عام 2007 برعاية قطرية كاملة، وانتهى إلى ما انتهت إليه أمور الشعب الفلسطيني من انقلاب وانقسام وحصار .
إن نموذج (الثورة ) الليبية تحديدا والذي برز فيه استخدام السلاح في اليوم التالي لمظاهرات بنغازي، ينبئ بالتحضيرات السابقة إقليميا والتي تعززت بتدخل الناتو دوليا لتحقيق الديمقراطية بيد القوى الاستعمارية التي لا زالت ترفض منح الفلسطيني حق الدولة وتقرير المصير ،بينما التناقض الفاضح لمثقف ثوري يدعم التوجه في ليبيا ،ويرفضه في البحرين، ويتناسى أن ثورات كهذه ليس لها أجندات وطنية أو قومية على مستوى قيادتها.
ان الربيع العربي المزعوم لم ينبت بمطر الرحمة السماوي وإنما بأمطار التلوث النفطي الحمضية ،والتي لن تنجب سوى نبت شيطاني ستنسج منه الولايات المتحدة حاضنة شرق أوسط جديد ،بديهيته الأولى حماية امن إسرائيل ،و مدعوم بمظلة حكم الهي غير مباشر عبر من يدعون امتلاك الحقيقة…