صفقة الأسرى مبروك .. ولكن
بقلم :رشيد شاهين
ما أن أعلن السيد خالد مشعل عن إتمام صفقة الأسرى من خلال الفضائيات العديدة التي سارعت إلى بث خطابه الموجه إلى أبناء الشعب الفلسطيني، حتى سرت موجة من الفرح عارمة في صفوف المواطنين الفلسطينيين، وخاصة أولئك الذين يقبع واحد من أفراد عائلاتهم في سجون الاحتلال.
هذه الفرحة التي سادت على أثر خطاب السيد مشعل، بدأت تخبوا شيئا فشيئا مع تواتر الأنباء عن الصفقة وتفاصيلها، التي لم تكن كما بدت أو حاول تصويرها السيد مشعل، لا بل تحول الشعور بالبهجة إلى شعور بخيبة الأمل حتى لا نقول بالغضب، لأن الكثير من التفاصيل التي تبينت وانكشفت فيما بعد، أثبتت أن الصفقة وبرغم أنها انجاز يحسب لحركة حماس وللفصائل التي كانت وراء عملية أسر الجندي، لم تكن كما تم الاعتقاد بعد الخطاب مباشرة.
لا يعني هذا الحديث أننا نحاول التقليل من شأن الصفقة، إلا أنها محاولة لقراءة متأنية في الصفقة من خلال ما تسرب من معلومات حولها، وربما سيتبين خلال الأيام القادمة المزيد من المعلومات التي ستعزز مثل هذه القراءة أو تنفيها، كل ذلك يعتمد على الأيام القادمة.
إن إشارة السيد مشعل إلى أن صفقة التبادل أسقطت لأول مرة “التابو” الإسرائيلي على الإفراج عن معتقلين من القدس أو أراضي العام 1948 لم تكن دقيقة، حيث ان صفقة عام 1985، كانت قد سبقت في ذلك لا بل هي كانت سابقة على قيام حركة حماس نفسها، ولا زال العديد من هؤلاء الأسرى على قيد الحياة ولدينا الأسماء ونحن نعرفهم وتربطنا بالبعض منهم علاقات شخصية، وعليه فلقد كان من غير الضروري الخوض في هذه المسألة التي تتنافى والدقة أو الصحة.
أما فيما يتعلق بإسقاط “التابو” الآخر والذي يتعلق برفض إسرائيل الإفراج عمن تقول أن أيديهم ملطخة بالدماء، فهذه أيضا قضية أخرى انزلق السيد مشعل إليها ولم تكن دقيقة، ولا زال من تم الإفراج عنهم في صفقات سابقة يعيشون بين ظهرانينا وتربطنا بالبعض منهم علاقات متينة أو معرفة قريبة، وعليه كان حريا بالسيد مشعل التدقيق في مخاطبة الناس، وإن هو استطاع أن يحوز على التصفيق الحار في اللحظات الأولى للخطاب، إلا أن التدقيق في أقواله يجعل من الصعب على من صفق أن يستمر بالتصفيق.
وحول حجم الصفقة فنعتقد أن الصفقات السابقة لم تكن أقل حجما من هذه، فبحسب معلوماتنا كانت الصفقة التي أبرمتها الجبهة الشعبية القيادة العامة في العام 1985 قد شملت ما يزيد على 1100 أسيراً، علما بأن عدد هؤلاء في ذلك الوقت، كان إذا ما قيس بالعدد الإجمالي للأسرى في حينه، يعتبر كبيرا جدا قد يصل الى 25 إلى 30 في المائة من عدد السجناء، وعليه فإن هذه الصفقة لم تكن متميزة أو مميزة عن غيرها في هذا الإطار، وكان من الضروري أن يتحرى السيد مشعل الدقة في نقل المعلومات وعدم التقليل من انجازات الآخرين.
بالإضافة إلى ذلك، وفي الحديث عن الوحدة الوطنية التي كانت من السمات البارزة في خطاب السيد مشعل وغيره من قادة حركة حماس فيما بعد، فلقد خيل إلينا انه سيكون هنالك على الأقل 100 من الأسرى من الدفعة الأولى، سيكونون من بين فصائل المقاومة الفلسطينية الوطنية المختلفة، إلا ان التدقيق في الأرقام التي تسربت إلى وسائل الإعلام تشير إلى ان نسبة هؤلاء الأسرى قد لا تصل إلى 10 في المائة من جميع الفصائل الوطنية الفلسطينية، خاصة وأننا لا نعلم كم هو حجم الأسرى المفرج عنهم من حركة الجهاد الإسلامي.
بهذا فانه يمكن القول ان الصفقة كانت حمساوية أكثر منها وطنية أو تمثل كل الحديث عن الوحدة الوطنية الذي سمعناه من السيد مشعل، طبعا، هذا الحديث ربما لن يعجب البعض، إلا انه لا يجوز ان نبقي رؤوسنا في الرمل ونقول لم نسمع ولم نعرف، هذا الحديث متداول في الشارع سواء كتبناه أم لم نكتبه، وسواء أعجب البعض او اغضب البعض الآخر.
برغم اننا نرى ان هذه الصفقة كانت انجازا وطنيا مهما، الا ان هنالك من المسائل التي لا يمكن السكوت عليها او ان لا نتوقف لمناقشتها، لأنها ستكون سابقة لغيرها من المسائل، حيث من غير المقبول او المعقول ان توافق الفصائل الفلسطينية على قضية إبعاد الأسرى الى الخارج ولا حتى الى غزة، لان هذه تعتبر سابقة سوف تكون الأساس الذي سيتم البناء عليه في المستقبل، وهذا ما سوف يشرعن لدولة الاغتصاب موضوع الإبعاد عن الوطن، وسيعطيها الغطاء الذي طالما كان تبحث عنه وتتمناه، وبالمناسبة فان صفقة -القيادة العامة- لم يتم خلالها إبعاد أي من المناضلين الذين تم الإفراج عنهم، وبهذا تكون تلك الصفقة متقدمة على هذه في هذا الشأن.
وبرغم إدراكنا انه لا يمكن من خلال هذه الصفقة او غيرها من الصفقات، ان يتم الإفراج عن جميع الأسرى الفلسطينيين خاصة وان أعدادهم هائلة،الا اننا نعتقد بان عدم الإفراج عن القيادات الفلسطينية متمثلة في أحمد سعدات ومروان البرغوثي وعبد الله البرغوثي وغيرهم من قادة الصف الأول في الأسر، كان احد الهنات التي اتسمت بها، وحيث لم يكن ممكنا الإفراج عن جميع هؤلاء القادة، فانه كان يجب الإصرار على الإفراج عن بعضهم او على الأقل عن واحد او اثنين منهم.
بالإضافة إلى ذلك، فإن التسريبات تشير إلى أن أحدا ممن سيتم الإفراج عنهم سيكون بمنأى عن الخطر الصهيوني من الاعتقال أو الاغتيال، وأن ليس هنالك تعهدا إسرائيليا بعدم التعرض لهؤلاء، حتى لو افترضنا أن هنالك تعهدا ضمنيا من قبل إسرائيل بعدم التعرض لهؤلاء إلا في حالة “تورطهم ” في أعمال ضدها، فإن التجربة مع هذه الدول المارقة تشير إلى أنها ليست بحاجة إلى مبررات ولسوف تخترع الأكاذيب والاتهامات من أجل القيام بتصفية أو إعادة اعتقال أي من هؤلاء في المستقبل.
أما حول الدفعة الثانية التي قيل أن إسرائيل سوف تقوم بالإفراج عنهم، فالموقف الإسرائيلي واضح تماما، وقد كان أكثر وضوحا من خلال ما قاله أحد الصحفيين المقربين من المصادر الأمنية الإسرائيلية في مقابلة له على إحدى الفضائيات ليلة البارحة، حيث أشار إلى أنه لن يتم الإفراج ألا عمن لم يتبق له ألا أياما أو أشهر قليلة، وأن أحدا من ذوي الأحكام العالية لن يتم الإفراج عنه في الدفعة الثانية، وعلى هذا الأساس فإن هذا الجزء من الصفقة لا يعتبر انجازا هاما كما تم الترويج.
على أية حال، وبرغم كل هذه الملاحظات التي سيقت أعلاه، فأن هذا لا يعني أنها لم تكن هامة، خاصة وأنها خلصت العديد من المناضلين في سجون الاغتصاب من قيود السجان، وهي كانت حصيلة جهد بارع وشجاع قامت به مجموعة من البواسل الذين استطاعوا أسر الجندي شاليط ،كما أنها أثبتت أن المقاومة الفلسطينية استطاعت عل مدى أكثر من خمسة أعوام أن تضلل العدو بحيث اقر بعجزه عن إمكانية العثور على مكان الجندي الأسير برغم كل ما تملكه دولة العدوان من إمكانيات في مجال التجسس والاختراق والتكنولوجيا والعدد الكبير من العملاء، ولولا إعلان عجز إسرائيل بكل ما تملك لما كان لهذه الصفقة ان تتم.
كذلك، وفي ظل المعركة البطولية التي يخوضوها أبناء فلسطين من الأسرى في السجون الصهيونية، بهذا الإضراب عن الطعام، فإننا نتمنى أن لا تكون هذه الصفقة سببا أو داعيا لأي مجال من الإرباك او الإحباط للذين لن يتم الإفراج عنهم في هذه الصفقة، أو لأي تبعات نفسية على عائلاتهم او أصدقائهم أو رفاق دروبهم. ونتمنى على السلطة الفلسطينية وجميع المسؤولين فيها أن يولوا هذه المسالة جل اهتمامهم وأن يقوموا بفضح الممارسات الإسرائيلية بحق المناضلين الأسرى.
أخيرا تحية للأسرى في سجونهم، وأهلا وسهلا بالمناضلين الذين سيتم الإفراج عنهم، وهنيئا لهم ولعائلاتهم ولشعبهم بهم وبهذا الانجاز المهم في مسيرة العطاء والنضال الوطني الفلسطيني.