مقتل القذافي إعدام بدم بارد
بقلم :رشيد شاهين
مع عدم هروبه إلى أي من البلدان التي نم الترويج انها تلك التي هرب إليها معمر القذافي، وإصراره على البقاء في ليبيا التي قال انها “بلده” وانه “ولد وعاش فيها وانه لن يغادرها”، ومع ما قاله ابنه سيف الإسلام حين خرج مهددا الليبيين بان بلدهم سوف تعود إلى ما كانت عليه قبل عقود خمسة، لم يكن مستغربا أن يموت القذافي محاولا استرجاع ما كان يعتقد بأنه أصبح حقا له، ألا وهو حكم ليبيا إلى الأبد وتوريثها إلى أبنائه من بعده.
موت معمر القذافي كان متوقعا في أية لحظة خاصة مع هذا الإصرار الذي أبداه الرجل في الاستمرار بالمقاومة ، لكن الحقيقة هي انه لم يكن أبدا من المتوقع أن تكون ميتته بتلك الطريقة، أمام عدسات الكاميرا، وبتلك الطريقة الوحشية التي شاهدها العالم.
القصص التي سيقت والروايات التي تم ترديدها عن الكيفية التي مات بها القذافي، تم دحضها من خلال الصور التي بثت على القنوات الفضائية العربية والأجنبية، فالرجل كان قادرا على الوقوف والمقاومة بشكل او بآخر، مما يدحض فرضية إصابته في الصدر كما حاول البعض من أعمدة النظام المرتبط بالناتو الترويج،لقد كان الرجل من القوة بحيث يدفع الأيادي العديدة التي تحاول إسكات صوته او تحاول جرجرته، ولكن في مقطع آخر وأخير تم تصوير الرجل وهو ملقى على الأرض وفي بركة من الدماء، في إشارة واضحة على انه تم قتل الرجل في ذات المكان، لا بل تم إعدامه من قبل آسريه.
إعدام القذافي لم يكن غريبا بعد كل الأفلام التي بثت ونشرت خلال الشبكة العنكبويتة على مدار الأشهر الماضية، فلقد تم بث العشرات إن لم يكن المئات وربما الآلاف من الأفلام التي تصور الوحشية التي كان “الثوار” يقومون بها ضد مناوئيهم، او ضد أنصار القذافي.
الطريقة التي تمت معاملة معمر القذافي، تنم عن عقلية لا تختلف كثيرا عن تلك لتي حكم فيها القذافي ليبيا على مدى عقود أربعة، وهي طريقة فيها الكثير من الشبه والتماهي مع ديكتاتورية الرجل، وهي وان استمرت – ومن الواضح انها سوف تستمر- فلسوف تكون وبالا على ما قيل انها ليبيا الجديدة.
لا احد يمكن أن يجادل في فردية نظام معمر القذافي ووحشيته وديكتاتوريته، فلقد حكم البلاد بالحديد والنار خلال ما يزيد على الأربعين عاما، لكن الطريقة البشعة التي تعامل بها من يدعون الثورة على الظلم والظالمين، ليست الطريقة التي يمكن أن تبشر بالخير او التي ستكون عنوانا للتغيير او أخذ البلد إلى مصاف الدول الديمقراطية او الحرية، فهذا الذي جرى ولا زال، لا علاقة له بالديمقراطية او الحرية او حقوق الإنسان.
إن ما ارتكبه النظام الليبي زمن معمر القذافي لا يمكن أن يكون مبررا للقيام بجرائم مماثلة، وهو لا يمكن أن يعطي الحق لمن أتوا إلى سدة الحكم الجديد القيام بإعدامات ميدانية مرفوضة من قبل التشريعات الأرضية والسماوية، وهو لا يعطي المبرر لهؤلاء أن يقوموا بسحل جثث القتلى في الشوارع لان هذا إنما يدلل على فعل لا يقل همجية عن أفعال القذافي وأزلام نظامه.
الادعاء بالإسلام وصيحات التكبير التي تم تردديها والتي سمعناها عند إلقاء القبض على القذافي، لا علاقة لها بتعاليم الإسلام التي تدعو إلى الحفاظ على الأسرى ومعاملتهم بشكل إنساني يليق بإنسانيتهم ويتساوق مع كل الديانات والأعراف والقوانين، هذه التكبيرات تصبح جوفاء مغلفة بكثير من النفاق والدجل والتدليس، عندما تقرن بمثل هذه الأعمال غير الإنسانية، والبعيدة كل البعد عن الإسلام.
ما حصل في ليبيا بعد القبض على معمر القذافي، كان قتلا عمدا،لا بل هو إعدام بدم بارد قل نظيره سوى ما قامت به قوات الاحتلال الصهيوني عندما أقدمت في أكثر من مرة على إعدام الأسرى او المقاومين بعد إلقاء القبض عليهم، وهذا ما لا يمكن قبوله ممن يدعون الثورة على من نعتقد وإياهم انه كان احد طغاة امة العرب واحد أسباب الأوضاع التي وصلت إليها ليس ليبيا فقط لا بل والأقطار العربية كافة.
مع إدراكنا بما في قلوب الليبيين من وجع وقهر يمتد إلى عقود من الزمن، إلا اننا نعتقد بان من يريد التغيير لا يمكن أن يبدأ بمثل هكذا بدايات من الواضح انها تؤشر على ما سيكون الحال عليه في ليبيا الجديدة.