احتمالات ضرب إيران في الأزمة الحالية غير قائمة
بقلم :رشيد شاهين
منذ سنوات عديدة وتحديدا منذ بدا ان إيران ترغب في الحصول على التكنولوجيا النووية قبل حوالي عقد من الزمن، لم تتوقف التهديدات الغربية، وفي الصدارة تلك التي كانت وما زالت تصدر عن أركان الإدارة الأمريكية، هذه التهديدات كانت تتبعها وتتناغم معها تهديدات مماثلة من الجانب الإسرائيلي الذي يعتقد بان الغرض الإيراني من الحصول على تلك التكنولوجيا، هو الوصول إلى القنبلة النووية، والتي بحسب دولة كيان الاغتصاب، تستهدف بشكل رئيس هذا الكيان، خاصة في ظل تلميحات أحيانا وتصريحات في أحايين أخرى من القادة الإيرانيين تدعو إلى مسح دولة الكيان عن الوجود.
تهديدات بذات المضامين ومحاولات للترويج تتكرر منذئذ وحتى الآن تقول بأن ايران باتت اقرب ما يكون للوصول إلى القنبلة النووية، وإنها سوف تتمكن من صناعة هذه القنبلة خلال سنتين أو ثلاثة، هذه التصريحات التي تتكرر اليوم هي نفسها التي سمعناها قبل سنوات، ويمكن لمن يشاء العودة إلى الخلف ليجد مثل هذه التصريحات في كل مرة كان الموضوع الإيراني يتربع على صدارة الأحداث. حيث كان يشار منذ العام 2005 وما قبل ذلك ان ايران سوف تمتلك القوة النووية حلال سنة او سنتين او ثلاثة سنوات، وهاهي نفس التقديرات تتكرر هذه الأيام.
برغم أن إيران أعلنت في أكثر من مناسبة لا بل ظلت دائما تقول، إنها لا ترغب في الحصول على القنبلة النووية، وان برنامجها إنما يهدف إلى الحصول على هذه التكنولوجيا للأغراض السلمية، إلا أن أحدا لا يصدق الرواية الإيرانية. ويعتقد على نطاق واسع ان إيران تسعى بشكل محموم للحصول عل القنبلة النووية، وهي على أية حال وبحسب الكثير من المراقبين تعتقد بأن لديها الحق في الحصول على مثل هذا السلاح، خاصة في ظل وجود أسلحة نووية في دول المنطقة مثل باكستان والهند وإسرائيل.
ما الذي تغير خلال الأزمة الحالية؟
الأزمة الحالية بين إيران والمجتمع الدولي بقيادة أميركا ودولة الكيان، ربما كان لها من الضجيج أكثر مما كان عليه الحال خلال الأزمات السابقة، وهذا بحد ذاته يعود إلى محاولات الإيحاء ان الغرب جاد أكثر من أي وقت مضى في توجيه ضربة عسكرية إلى إيران من اجل القضاء على برنامجها النووي وإحباط محاولاتها الحصول على السلاح النووي،وبالتالي فان من الأفضل لإيران ان تتجاوب مع المجتمع الدولي هذا من جانب.
أما من جانب آخر، فان الظروف التي كانت سائدة خلال السنوات القليلة الماضية، لم تعد هي ذاتها، حيث ان المنطقة العربية تتجه نحو تغيير لم تتبلور صورته بعد، وهي لن تتبلور إلا بعد مرور فترة من الوقت كافية لمعرفة ما الذي ستتمخض عنه الثورات العربية الجارية على سبيل المثال في سوريا وحتى في مصر، حيث من غير المنطقي المطالبة بإحداث تغييرات دراماتيكية لمواقف الدول التي تشهد مثل هذا الربيع خلال أشهر معدودة، في ظل مؤامرات عالمية وثورات مضادة لا يمكن إلا ان تتحرك بكل قوتها ضد ربيع العرب.
متغير آخر خلال الأزمة الحالية
هنالك أزمة اقتصادية عالمية تعصف بالعديد من دول العالم وعلى رأسها مجموعة من دول حوض المتوسط الأوروبية في مقدمتها اليونان وايطاليا واسبانيا والبرتغال، دول تترنح تحت ثقل أزمة تكاد تعصف باقتصاداتها بشكل لم يحدث منذ عقود، ولسوف تقود إلى تغييرات في الحكومات التي تقود تلك الدول، وقد شهدنا ما جرى في اليونان وكذلك في ايطاليا، وسوف تجري اليوم انتخابات في اسبانيا سوف تأتي بحزب يميني قد يحكم البلاد على مدار سنوات عديدة، بعد ان كان الحزب الاشتراكي سيد الموقف خلال سنوات طويلة، علما بأن هنالك دولا أخرى في منطقة اليورو لا تزال مرشحة إلى مواجهة أزمات ومشاكل اقتصادية كبرى، في هذا السياق فان دولا مثل فرنسا وغيرها لن تكون بعيدة عن مثل هذه الأزمات.
القدرات العسكرية لإيران
بحسب المعطيات المتوفرة فان إيران لديها قدرات عسكرية مهولة، وهي تتطور بشكل كبير بين سنة وأخرى، فإذا كان لديها من القوة العسكرية ما منع إسرائيل وأميركا قبل سنوات من توجيه ضربة عسكرية لإيران، فان من المتوقع ان لدى إيران من الأسلحة الآن ما يجعل توجيه ضربة أكثر صعوبة وفيه من الخطورة ما هو اشد مرات عديدة مما كان عليه الأمر قبل سنوات.
ومن ذلك ان إيران تستطيع ان توجه ضربات ساحقة إلى معظم ان لم يكن إلى جميع القواعد العسكرية الأمريكية في منطقة الخليج، والمنطق يقول أن هذه القواعد سوف تكون الهدف الأول لردة الفعل الإيرانية، وهذا باعتقادنا ما تدركه الإدارة الأمريكية بشكل جيد، وإذا ما أقدمت إيران على مثل هذا الفعل، فهذا يعني ان سعر برميل النفط سوف يقفز على الأقل 50 دولارا منذ اللحظة الأولى للحرب.
كما ان بمقدور إيران ان تقدم في لحظة من لحظات الحرب، وقد تكون هذه اللحظة مباشرة بعد تلقيها أية ضربة، ان تهدد حركة السفن في بحر العرب وهي لن تتردد في إغلاق مضيق هرمز، الذي يعتبر احد أهم الممرات المائية في العالم، بعض الإحصائيات تشير انه يمر من خلاله سفينة محملة بالنفط كل 4 دقائق، وبحسب ويكيبديا فانه يمر سفينة محملة بالنفط كل 6 دقائق.
وهذا بحد ذاته سيكون سببا رئيسا لكي تقفز أسعار النفط بشكل غير مسبوق وقد يصل سعر البرميل إلى ما يزيد على 300 دولار، ان لم يكن أكثر، حيث ان دول الخليج العربي تعتبر المزود الرئيس لما يقارب 50% من النفط العالمي، هذه الحقيقة التي تدركها إيران سوف تجعلها لن تتردد لحظة واحدة في استعمال هذا السلاح الذي سوف يعني ان أوروبا ستكون أكثر معاناة من دول مثل أميركا وكندا اللتان تعتمدان على مصادر للنفط غير المصادر العربية.
حزب الله وسوريا والقوى الفلسطينية
من المعروف ان هنالك حلف استراتيجي بين ايران من جهة وبين كل من سوريا وحزب الله وحركتي حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين، وحيث لا يمكن الاعتماد على الحلفاء في فلسطين بسبب ضعف الإمكانيات العسكرية لدى هؤلاء مقابل ما تمتلكه دولة العدوان فان أي اعتبار لهؤلاء الحلفاء سوف لن يكون إلا من باب المبالغة في زيادة أعداد حلفاء ايران والتهويل بالخطر المحدق بإسرائيل.
أما فيما يتعلق بالحليف السوري، فلقد أثبتت التجارب العديدة انه حليف غير مضمون ولا يعول عليه عندما تكون إسرائيل طرفا في المواجهة، وقد كانت التجربة الأخيرة لحزب الله في حربه في العام 2006 خير دليل على ان سوريا لن تحرك ساكنا إذا ما تعرضت ايران الى ضربة عسكرية، هذا عدا عن الوضع الداخلي السوري الذي يشير الى ان النظام وكل منظومته الأمنية والعسكرية والدفاعية تنصب على محاولات لا تزال تشهد فشلا ذريعا من اجل إعادة الاستقرار الى هذا البلد، إلا إذا اعتبر النظام في سوريا ان في مشاركته بإسناد ايران فرصة للمزايدة على الثورة السورية وانزلق في حرب ربما غير محسوبة لصالح ايران برغم استبعاد هذه الفرضية.
في الواقع، هنالك حليف واحد وحيد يبقى مرشحا أكثر من سواه لخوض غمار حرب إسناد للأب الروحي لحزب الله، وهو إذا ما شارك في مثل هذه الحرب سوف يستطيع ان يوجه ضربات موجعة وربما قاتلة في العمق الإسرائيلي، برغم اننا لا نزال نستذكر ما قاله السيد حسن نصر الله بعد ان سكتت مدافع الحرب في لبنان، حيث أشار الى انه لو كان يعرف ان أسر الجنود الصهاينة سيؤدي الى ما أدى إليه لما أقدم على فعل ذلك.
في هذا السياق، لا بد من التذكير ان هنالك تراجعا ملموسا وربما حادا في شعبية حزب الله وقائده السيد حسن نصر الله بسبب انزلاقه الى تأييد النظام القمعي في سوريا، وهذا بالتالي قد يكون سببا في عدم تأييد جماهيري واسع لأية عمليات قد يقوم بها الحزب في أية مواجهة مقبلة، وهذا ما على حزب الله ان يدركه تماما وان عليه مراجعة حساباته في هذا الإطار، خاصة وان النظام في سوريا يتهاوى وان سقوطه من على سدة الحكم بات مسالة وقت ليس إلا، ولا زالت الفرصة مهيأة أمام الحزب للتراجع عن دعمه للنظام قبل ان يتهاوى نهائيا، وذلك إذا ما أراد ان يستبقي على البقية الباقية له من جماهيرية في قلوب ملايين العرب. لكن وعلى افتراض ان الحزب سوف يشارك بتلك الحرب، فهل لديه استعداد لتحمل تبعات ما سينتج عنها من دمار في لبنان.
ان عملية ضرب ايران عملية لها حسابات عديدة معقدة وغير سهلة ولا مضمونة النتائج، خاصة في ظل اتساع مساحة ايران وما قد ينتج عن ذلك من نتائج كارثية على المنطقة، هذا بالإضافة الى النتائج الأخرى التي سوف تترتب على الاقتصاد العالمي إذا ما قفزت أسعار النفط بشكل جنوني كما اشرنا سابقا.
على أية حال، يبقى السؤال المنطقي والمهم مشرعا أمام قادة دولة الكيان، وهو هل لدى إسرائيل القدرة على أن تتحمل كل ما يمكن ان تتسببه مشاركة حزب الله في تلك الحرب فيما لو نشبت، وهل تستطيع تحمل آلاف الصواريخ التي ستتساقط على العمق الإسرائيلي بصورة أشد وأكثر خطورة ودقة ودمارا مما حصل في الحرب عام 2006؟ وهل تستحق مغامرة إسرائيلية في ضرب ايران مع عدم ضمان تدمير القدرة الإيرانية ما سوف تتعرض له من خسائر عبر صواريخ إيرانية طويلة المدة التي سوف تدك العمق الإسرائيلي، وهل سيسمح العالم لدولة مارقة مثل إسرائيل ان تجره الى كوارث اقتصادية وعسكرية ومزيدا من عمليات “الإرهاب والانتقام” التي سيقوم بها أنصار ايران في المنطقة والعالم؟
كل هذه الاحتمالات تجعل من الصعب حتى لا نقول استحالة توجيه ضربات عسكرية الى المواقع الإيرانية النووية، وتجعل من إمكانيات محاولات اللجوء الى طرق أخرى “سلمية” قد تكون على شكل عقوبات تجارية دبلوماسية واقتصادية، أكثر جدوى، هذا مع العلم ان حصول ايران على السلاح النووي لا يعني بالضرورة انها سوف تقدم على استعماله ضد أي كان، خاصة وان صدى الحديث عن قنبلة باكستان الإسلامية لا زال ماثلا في الأذهان، ومن هنا فان الوصول الى اتفاق من تحت الطاولة “كما حدث في الوضع بالعراق حيث هنالك تناغما وتعاونا غريبا في السيطرة على هذا البلد من قبل ايران وأمريكا” او “من فوقها” مع الجانب الإيراني سوف يكون أكثر جدوى من أية مغامرات إسرائيلية او أمريكية، مثل هذه الاتفاقات التي قد يكون إحداها التوافق على تقاسم النفوذ في المنطقة بين دولتي “الفرس والصهاينة”، وهذا ما يوجب على امة العربان ان تبحث عن مكان لها تحت الشمس حتى لا تظل “مطية” للأمم من حولها، في ظل تصاعد نهم الدولة التركية التي لا شك ترغب في التشارك مع الآخرين على تقاسم للنفوذ وانها لن تقبل ان تبقى في مقاعد النظارة.