رام الله / يصادف اليوم الثامن من كانون الأول، الذكرى الخامسة والعشرين لانطلاقة الانتفاضة الأولى أو كما أطلق عليها ‘انتفاضة الحجارة’.
بداية الانتفاضة كانت في الثامن من كانون الأول عام 1987 حينما كانت حافلات تقل العمال الفلسطينيين من أماكن عملهم ‘في إسرائيل’ العائدة مساءً إلى قطاع غزة المحتل، على وشك القيام بوقفتها اليومية المقيتة أمام الحاجز الإسرائيلي للتفتيش حينما داهمتها شاحنة عسكرية إسرائيلية، مما أدى إلى استشهاد أربعة عمال وجرح سبعة آخرين (من سكان مخيم جباليا في القطاع) ولاذ سائق الشاحنة العسكرية الإسرائيلية بالفرار على مرآى من جنود الحاجز، وعلى أثر ذلك اندلع بركان الغضب الشعبي صباح اليوم التالي من مخيم جباليا حيث يقطن أهالي الضحايا الأبرياء ليشمل قطاع غزة برمته وتتردد أصداءه بعنف أيضاً في الضفة الغربية المحتلة، وذلك لدى تشييع الشهداء الأربعة، وقد شاركت الطائرات المروحية قوات الاحتلال في قذف القنابل المسيلة للدموع والدخانية لتفريق المتظاهرين، وقد استشهد وأصيب في ذلك اليوم بعض المواطنين، وفرضت سلطات الاحتلال نظام منع التجول على بلدة ومخيم جباليا وبعض أحياء في قطاع غزة.
وفي ملف مفصل أورده مركز المعلومات التابع لوكالة وفا حول الانتفاضة، يظهر أنه في 10/12/87 تجددت المظاهرات والاشتباكات مع قوات الاحتلال، حيث عمت مختلف مدن وقرى ومخيمات الضفة الغربية وقطاع غزة في أكبر تحد لسلطات الاحتلال واجراءاتها التعسفية والقمعية ضد أبناء الشعب الفلسطيني، وقد واجه أبناء الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة رصاص قوات الاحتلال بصدورهم العارية، وأمطروا جنود الاحتلال الذين تمترسوا بسياراتهم المدرعة بالحجارة والزجاجات الفارغة وقنابل المولوتوف، مما أدى الى استشهاد وإصابة العديد من المواطنين برصاص جيش الاحتلال.
وفي قطاع غزة تحول الصدام بين الجماهير وقوات الاحتلال الى معركة حقيقية حيث كانت المدينة مغلقة تماماً، والطرق مسدودة بالمتاريس، وجميع المدارس والجامعات علقت الدراسة، والشوارع يملؤها الحطام، والدخان الأسود المنبعث من الإطارات المحترقة، ورفع المتظاهرون الأعلام الفلسطينية وصور الشهداء، وصور القائد أبو عمار، وتعالت الهتافات المنددة بالاحتلال وقمعه وبطشه وقد اعترف ناطق باسم جيش الاحتلال واصفاً ذلك اليوم المتأجج قائلاً: أن قنبلة مولوتوف القيت على عربة عسكرية وأن الأمور ساخنة جداً وتصاعدت الانتفاضة يوماً بعد يوم حيث تصدى الشعب الفلسطيني بأكمله بجسده ودمه لكل آلة القمع والوحشية الإسرائيلية، ويومياً سطرت الجماهير الفلسطينية آيات من المواجهة البطولية للمحتلين وسقط الآلاف من الشهداء والجرحى من أبناء فلسطين في أضخم انتفاضة جماهيرية عارمة شهدتها الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ سنوات طويلة بل شهدها العالم الحديث وأطولها حيث انتهت في الخامس من آيار 1994 وذلك مع دخول القوات الفلسطينية المحررة الى أرض الوطن بعد توقيع اتفاقية إعلان المبادئ الفلسطينية الاسرائيلية – أوسلو.
لقد طرحت الانتفاضة ومنذ لحظة تفجرها أنها قامت لتحقيق هدف جلاء قوات الاحتلال الاسرائيلي من أراضي فلسطين، وتمكين الشعب الفلسطيني من بناء دولته، وفق اختياره الحر للنظام الذي يريده فيها، وأن استمراريتها مرهونة بتحقيق هذا الشرط أولاً وقبل كل شيء. ولما كانت العدوانية هي جوهر الوعي الذي يحكم اسرائيل ويسود فيها، فإن قوات الاحتلال الاسرائيلي ردت على هذا المطلب العادل بتصعيد سياسة القبضة الحديدية بممارسة المزيد من الارهاب والقمع والتقتيل والإبعاد والعقوبات الجماعية للسكان الفلسطينيين في الأراضي المحتلة ظنناً منها بأنها ستتمكن من وأد الانتفاضة قبل أن تنمو ولكن الذي حدث هو العكس بفعل إرادة الصمود والاصرار الثوري الفلسطيني.
لقد كان ميدان الكفاح هو المدرسة الرئيسية الأولى للإعداد النضالي للكادر، وهو نفسه المعلم للأشكال الواجب استخدامها في خوضة، وللأدوات التي يجب استعمالها في كل موقعه، وفي ظروف كتلك التي تعيشها الأراضي الفلسطينية اقتضى الأمر أن يتعلم الشباب فن المقاومة بممارسة المقاومة في مختلف الأشكال المطلوبة وأن تستخدم الجماهير من امتلاكاتها الذاتية كل ما تعتقد أنه بالإمكان استخدامه سلاحاً ضد العدو الاسرائيلي مهما كان مستوى بدائيته، وتعلمت هذه العناصر أن التعبير الأصيل عن حالة النهوض الكفاحي الجماهيري والمضمون الحقيقي لفلسفة المقاومة الشعبية، هو يجدي القدرة على توسيع المشاركة الفعالة في توزيع المنشور السياسي وكتابة الشعارات الوطنية على الجدران، والمظاهرات، والاعتصامات، والاضرابات، وإقامة الحواجز، ورمي الحجارة، وإحراق الاطارات، ورمي حبات البطاطا الممسمرة أمام السيارات العسكرية ورفع العلم الفلسطيني فوق أسطح المنازل وعلى أعمدة الكهرباء، وحمل صور الزعيم أبو عمار وإجادة الهتاف والنشيد، ورفع صور الشهداء.
حرصت قيادة م.ت.ف عندما كانت تعد للانتفاضة، بواسطة الأطر التنظيمية لحركة فتح وفصائل العمل الوطني الفلسطيني الأخرى في الأراضي المحتلة وبواسطة المؤسسات والهيئات والمنظمات الجماهيرية والنقابية، والمهنية والأكاديمية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، على أن تضمن لكل مواطن فلسطيني حقه في المشاركة في الانتفاضة، ولذلك كانت هيكلية بنائها فضفاضة في تعددية الفعالية، تعطي حيزاً واسعاً لمبادرة الفرد أو المجموعة أو الهيئة، بدون أن تؤثر هذه الصفة على حديدية الانضباط في قبول المسؤولية وتحمل نتائج تنفيذها، وقد ساعد هذا التوجه على خلق بنى واطارات صحيحة أمكنها تعميم الانتفاضة بشكل سريع ومتواصل منذ لحظة تفجيرها الأمر الذي أضفى عليها بالإضافة الى صفة القوة، القدرة على الاستمرارية واكسبها ملامح الاتساع والشمولية.
واكبت م.ت.ف. باهتمام تطور وأحداث الانتفاضة الشعبية العارمة ضد الاحتلال الاسرائيلي، وشكلت قيادتها غرفة عمليات سياسية لمتابعة تفاصيل ويوميات الانتفاضة في كل مدينة وقرية ومخيم، للتحرك سياسياً وديبلوماسياً في كافة الاتجاهات وعلى مختلف الصعد لدعم هذه الانتفاضة وكشف أساليب الارهاب الرسمي الاسرائيلي ضد المواطنين الفلسطينيين العزل أمام العالم كله. ومع بداية الانتفاضة أهاب أبو عمار رئيس اللجنة التنفيذية ل م.ت.ف.القائد العام لقوات الثورة الفلسطينية بالجماهير الفلسطينية في الاراضي المحتلة بتصعيد انتفاضتهم ضد الغزاة المحتلين وجاء ذلك خلال النداء الذي وجهه يوم 10.12.87 من بغداد.
وفي اليوم التالي 11.12.87 وجه ابو عمار رسالة عاجلة الى الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران خلال استقبال السفير الفرنسي في الكويت، تتعلق بالتطورات الخطيرة في الاراضي الفلسطينية المحتلة والمتمثلة في ممارسات القوات الاسرائيلية ضد المواطنين الفلسطينيين في الوطن المحتل، وطالب أبو عمار الرئيس ميتران بتحرك فرنسي دفاعاً عن حقوق الانسان الفلسطيني في مواجهة الوحشية الاسرائيلية، وفي مقر اقامته في الكويت، أطلع القائد الفلسطيني السفير البوليفي لدى دولة الكويت على التطورات والمستجدات الخطيرة والممارسات اللا انسانية التي ترتكبها القوات الاسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني في الاراضي المحتلة.
وفي (13.12.87) عقدت اللجنة العليا لشئون الاراضي المحتلة في بغداد اجتماعاً برئاسة الاخ/ القائد أبو عمار، واتخذت اللجنة عدة قرارات هامة لدعم وتعزيز انتفاضة الشعب الفلسطيني في الداخل، ومنها الاعداد والتحضير لتنظيم اعتصامات في مكاتب م.ت.ف. في كل مكان والقيام بمظاهرات بالتعاون مع الهيئات الصديقة والمحلية وكذلك القيام باضرابات بالتعاون مع النقابات والهيئات المحلية. وفي تونس عقدت المنظمات الشعبية الفلسطينية اجتماعاً طارئاً في 14.12 لدراسة الوضع الخطير والمتفجر في الاراضي الفلسطينية المحتلة، من جراء قيام الحكم العسكري الاسرائيلي بانزال قوات عسكرية تقوم منذ خمس أيام بمهاجمة المخيمات الفلسطينية في الضفة والقطاع مما أدى الى سقوط 54 شهيداً و152 جريحاً في ذلك الوقت القصير من عمر الانتفاضة، وقد وجهت برقيات عاجلة الى الامين العام للامم المتحدة دي كويلار والى مجلس الامن الدولي والى السوق الاوروبية المشتركة والى الصليب الاحمر والى لجنة حقوق الانسان، شارحة من خلالها الوضع الخطير في الاراضي المحتلة، وكذلك ارسلت مذكرة الى الامين العام للحزب الشيوعي السوفياتي الرفيق غورباتشوف، وقادة الدول الاشتراكية تشرح العدوان الاسرائيلي ضد الجماهير الفلسطينية وتطالب بالتحرك الفوري لوقف الجريمة الاسرائيلية ضد شعبنا الصامد في وطنه.
وفي الامم المتحدة تحدث المندوب المناوب لـ م.ت.ف. لدى الهيئة الدولية في رابع يوم لمناقشات مجلس الامن الدولي للاوضاع في المناطق الفلسطينية واصفاً الموقف الخطير في الضفة الغربية وقطاع غزة، واعياً مجلس الامن الدولي الى اتخاذ قرار ينص على انسحاب القوات الاسرائيلية من المناطق المأهولة بالسكان وا، تحل محلها قوات حفظ سلام تابعة للامم المتحدة كوسيلة لتجنب التفجير الشامل، وتجنب الناس أي كوارث أخرى. و في بروكسل وجه ممثل م.ت.ف. في بلجيكا ولدى السوق الاوروبية المشتركة نداء الى مسئولي البلدان الاعضاء في السوق طالبهم فيه بادانة صريحة للقمع الاسرائيلي الوحشي ضد الشعب الفلسطيني في الاراضي المحتلة، كما وجه نداء مباشراً آخر الى المدراء السياسيين في وزارات خارجية دول السوق المجتمعين في كوبنهاغن لادانة جرائم العسكريين والمستوطنين الاسرائيليين ضد الشعب الفلسطيني في وطنه.
واستمرت م.ت.ف. بقيادة زعيمها ياسر عرفات بمواكبتها للانتفاضة وتوجيهها ودعمها سياسيا من خلال فضح الممارسات الاسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني في المحافل الدولية، واعلاميا من خلال مؤسساتها الاعلامية التي كانت تقوم بتغطية دقيقة وشاملة لاحداث الانتفاضة مما ساهم في خلق رأي عام عالمي متعاطف مع الانتفاضة الجماهيرية الفلسطينية وماديه من خلال ارسال الاموال لتغطية فعاليات الانتفاضة اليومية وصرف معونات مادية وعينية لاسر الشهداء والجرحى والاسرى والاسر المستورة واقامة بعض المشاريع الاقتصادية التي تساهم في خلق فرص عمل للمواطنين الفلسطينيين لرفع مستواهم الاقتصادي ولتقوية صمودهم في وجه البطش الاسرائيلي.
وكالة وفا .