أمد/ رام الله: افتتح الفلسطينيون عام 2022، بشرعنة الاحتلال لإجراءاته ضد المحتوى الفلسطيني، من خلال مصادقة “اللجنة الوزارية للتشريعات” في حكومة الاحتلال، على مشروع “قانون فيسبوك”؛ لمحاربة المحتوى الرقمي الفلسطيني، ووقف حالة التضامن والدعم مع القضية الفلسطينية، حيث يمنح القانون النيابة العامة الإسرائيلية صلاحيات لحذف مضامين منشورة في شبكات التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية، ويمكّن مزودي خدمة الانترنت من صلاحية حجب المواقع وإحالة أصحابها للتحقيق وتقديمهم للمحاكمة.
وقد انعكس هذا الإجراء بشكلٍ واضحٍ على ملاحقة المحتوى الفلسطيني على منصات التواصل الاجتماعي، حيث رصد مركز صدى سوشال أكثر من 425 انتهاكًا رقميًا بحق المحتوى الفلسطيني على مواقع التواصل الاجتماعي خلال النصف الأول من عام 2022، تزامن معها محاولات “إسرائيلية” على المستوى الرسمي بتشريع محاربة الصوت الفلسطيني رقميًا وملاحقته.
وتوزعت الانتهاكات التي رصدها المركز على منصات التواصل الاجتماعي المختلفة، وجاء الموقع الأزرق “فيسبوك” في مقدمة المواقع الأكثر انتهاكًا بواقع 273 انتهاكًا، وواتساب بواقع 60 انتهاكًا، بينما سجل انستغرام 30 انتهاكًا، وتيك توك 21 انتهاكًا، ويوتيوب 14 انتهاكًا، وتويتر 12انتهاكًا، ولأول مرة يدخل كلوب هاوس لمشهد الانتهاكات، حيث تلقى مركز صدى سوشال 10 شكاوى لمحاولة إغلاق الغرف الصوتية لنشطاء، خاصة أثناء تغطيتهم لما يجري في القدس خلال شهر رمضان.
وتمثلت ثلث الانتهاكات (33% منها) بحق الصحفيين والمؤسسات الإعلامية، بواقع 140 انتهاكًا سجله مركز صدى سوشال خلال الأشهر الستة، تنوعت ما بين حذف الحسابات بشكلٍ كامل، أو فرض التقييدات على النشر، خاصة عند استعمال العديد من المصطلحات والأسماء المرتبطة بالحالة السياسية والتي تصنف معظمها ضمن خوارزمية الحظر مثل “الاحتلال، مخيم جنين، شهيد، مقاومة” وغيرها من الكلمات، وهو ما يدل على عدم مراعاة لخصوصية القضية الفلسطينية، واعتبار مجرد نقل الخبر هو “تحريض على العنف” والذي بدوره يعيق نشر المعلومات والأخبار.
في ذات السياق، يشير استطلاع رأي نفذه صدى سوشال، شمل 195 ناشطًا وصحفيًا لمواقع التواصل الاجتماعي إلى تعرض 97% منهم لانتهاكاتٍ رقمية بسبب محتوى مرتبط بالقضية الفلسطينية نشروه عبر حساباتهم، 29% منهم تعرضوا لانتهاكات متكررة لأكثر 11 مرة، و12% منهم تعرضوا لانتهاكات تكررت من 6 – 10 مرات، و 43% منهم تعرضت حساباتهم للانتهاكات من قبل إدارات منصات التواصل لـ 3 – 5 مرات.
وتنوعت أساليب الانتهاك التي مارستها بحقهم إدارات منصات التواصل الاجتماعي (فيسبوك وانستغرام وواتس أب وتيك توك وتويتر ويوتيوب وكلوب هاوس)، حيث تم حذف منشورات 68% من الصحفيين والنشطاء المستطلعة آراؤهم، و59% منهم قيّدت منصات التواصل وصول حسابهم، فيما 58% من الصحفيين والنشطاء منعوا من النشر لفترة معينة، فيما تعرض 33% لحذف حسابهم بشكل كامل، وفي جهة مقابلة رأى 54% من المستطلعة آراؤهم أن منصة تلغرام كانت البديل الآمن لنشر محتواهم دون التعرض لانتهاكات، تبعها تويتر بنسبة 45%.
وحول طبيعة المحتوى الذي تعرض للانتهاك، فقد جاءت النتائج كما يلي 80% من الصحفيين والنشطاء تعرضوا للانتهاك بسبب نشرهم صورًا كالشهداء والأسرى والمقاومة، و75% منهم جاء الانتهاك بسبب نشرهم مقاطع مصورة متعلقة بجنائز الشهداء أو الفصائل العسكرية، فيما تعرض 72% منهم للانتهاك بسبب نشرهم كلمات مرتبطة بالقضية الفلسطينية مثل (مقاومة، احتلال، شهداء، حماس، السنوار، زكريا الزبيدي، حي الشيخ جراح، الجهاد الإسلامي، عملية).
وأشار الاستطلاع إلى 12% من الصحفيين والنشطاء تعرضوا لانتهاكات حكومية بسبب نشرهم محتوى فلسطيني على مواقع التواصل الاجتماعي، وحيث تعرض 62% منهم للتهديد بسبب المحتوى المنشور، و29% منهم تعرضوا للاعتقال، كما أشار الصحفيون والنشطاء إلى تعرض 52% لحملات تحريض وتشهير رافقت نشرهم محتوى سياسي أو وطني فلسطيني.
وكان من اللافت أن أرقام الانتهاكات بحق المحتوى الفلسطيني تضاعفت بنسبة 3 أضعافٍ بعد تهديد وزير الحرب الإسرائيلي حينها بيني غانتس بملاحقة المحتوى الفلسطيني، والإعلان عن تشكيل قسم خاص لمحاربة المحتوى الفلسطيني على صفحات التواصل الاجتماعي بمشاركة كلا من ممثلين عن الجيش والشاباك وشرطة الاحتلال بادعاء أن هذه الوسيلة “تساهم في خفض حالة التوتر ومنع التحريض على تنفيذ العمليات”، وتقديم الاحتلال طلبًا لإدارتي ميتا والتيك توك لمساعدتها في الكشف عن “محرضين وتشويش عملهم”، في الإشارة إلى مزيد من القمع للمحتوى الفلسطيني.
وفي خطوة مفاجئة وإمعانًا لتقييد الوصول للمعلومات للمستخدم الفلسطيني، قامت شركة ميتا على منصة فيسبوك بتصنيف الأسير “زكريا الزبيدي” كشخص خطير، ووجهت تحذيرات للمستخدم الذي يبحث عن اسم الأسير على المنصة، كما صنّفت ميتا عددًا من الشخصيات والمجموعات الفلسطينية بوصف “الأفراد أو المنظمات الخطيرة”.
خلال شهر رمضان 2022، استمرت حملة الانتهاكات الرقمية بحق المحتوى الفلسطيني، وقد تصدر حجب المحتوى المقدسي تحديدًا المشهد في حجم الانتهاكات خلال شهر رمضان، حيث صعّدت إدارة ميتا من هجومها ضد الصفحات الإخبارية والحسابات الفلسطينية بسبب تغطيتها الأحداث الرمضانية بالقدس المحتلة، والمسجد الأقصى فيما يتعلق باعتداءات قوات الاحتلال على المصلين أثناء أدائهم صلاة فجر الجمعة الثانية من رمضان، حيث رصد المركز عددًا من الانتهاكات بحق المحتوى الفلسطيني بسبب نشرهم لأحداثٍ مقدسية لا تخالف سياسات إدارة فيسبوك، ومجرد محتوى إخباري.
وأوضح النصف الأول من هذا العام، ازدواجية في تعامل إدارة ميتا ما بين محتوى الأزمة الروسية والأوكرانية المندلعة في أواخر فبراير\ شباط والمحتوى الفلسطيني، حيث ازدحمت المساحات الرقمية بصورٍ ومقاطع مصورة من الأزمة الروسية والأوكرانية، احتوت على أسلحة ومظاهر عنيفة ومقاطع حشد المقاتلين وتعليمهم على تصنيع السلاح، ولم تتخذ إدارة ميتا أي إجراءات لمنع هذا المحتوى أو الحد من وصوله على منصاتها المختلفة، في الوقت الذي تصنّف فيه مقاومة الفلسطينيين ضد الاحتلال الإسرائيلي بالمحتوى الإرهابي، وتقوم بتقييد وحذف الحسابات الفلسطينية،ما يؤكد أن إزالة وحجب المحتوى الفلسطيني يرتبط اساسًا بموقف سياسي منحاز للاحتلال تتبناه مواقع التواصل الاجتماعي.وعليه، يتمسك مركز صدى سوشال برؤيته لضرورة الدفاع عن الحقوق الرقمية الفلسطينية، باعتبار ذلك جزء من السعي لأجل استخدام أفضل للتقدم التكنولوجي في صياغة فضاء رقمي أكثر عدالة وتعدد وأمن، تغلب فيه الديمقراطية والشراكة والتعاون على العدوانية والإقصاء والكراهية.