رام الله- القدس دوت كوم- (الجزيرة)- “عزيزي اللورد روتشيلد، إنه لمن دواعي سروري أن أنقل إليكم نيابة عن حكومة صاحب الجلالة، إعلان التعاطف التالي مع التطلعات الصهيونية التي تقدمتهم بها وأقرتها الحكومة، إن حكومة صاحب الجلالة تدعم تأسيس وطن قومي لليهود في فلسطين”.
كانت هذه كلمات الرسالة التي وجهها وزير الخارجية البريطاني “آرثر جيمس بلفور” في الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني عام 1917 إلى “ليونيل وولتر دي روتشيلد”، يعده فيها بفلسطين وطنا لليهود، وعرفت هذه الرسالة تاريخيا باسم “وعد بلفور“.
ومنذ ذلك التاريخ، تواصَل وتعاظَم الدعم البريطاني للدولة اليهودية المقامة على أرض فلسطين.
وبعد عقود من سيادة الرواية الإسرائيلية على المشهد الأوروبي عموما والمشهد البريطاني خصوصا، يبدو أن ذكرى بلفور التي مرت مطلع الأسبوع جاءت مختلفة هذا العام.
لقد تغيرت المعادلة تماما في بريطانيا بلد بلفور، فبعد 97 عاما من ذلك الوعد المشؤوم أقرّ برلمان المملكة المتحدة الاعتراف بالدولة الفلسطينية عقب معركة دبلوماسية طويلة، ليبدأ عهد جديد تحول فيه الفلسطينيون من الدفاع إلى الهجوم، وانتقلت فيه أوروبا من صم الآذان إلى الإذعان لضغوط مواطنيها.
وفي هذا الإطار، قال رئيس المبادرة التي أفضت للاعتراف بفلسطين النائب العمالي ورئيس مجموعة أصدقاء فلسطين بحزب العمال “غراهام موريس”، إنه بعد الاعتداء الإسرائيلي على قطاع غزة هذا الصيف، ومع استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية؛ فإن الرأي العام البريطاني قد تغير، وانعكس هذا التغيير في التصويت الأخير لصالح الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
حقوق فلسطينية
وبحسب حديث موريس للجزيرة نت، فإن الاعتراف أرسل رسالة واضحة أن بريطانيا تعترف بالحقوق الفلسطينية وأن الاستيطان الإسرائيلي فاقد للشرعية ولابد أن ينتهي.
وحول المسؤولية التاريخية لبريطانيا بإنشاء إسرائيل، بيّن موريس أنه من الصحيح أن وعد بلفور تعهد بتأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، لكنه نصّ أيضا على عدم جواز أي ممارسات تنقص الحقوق المدنية والدينية للطوائف غير اليهودية الموجودة في فلسطين.
وأوضح أن الوعد بإنشاء دولة للشعب اليهودي في فلسطين لطالما تم الوفاء به، لكن من الواضح أن الشرط الموجود باحترام حقوق الفلسطينيين لم يتم أخذه بعين الاعتبار واحترامه، وبعد قرابة مائة عام لم يحصل الفلسطينيون على حقوقهم وما زالوا ينتظرون العدالة.
وانتهى النائب الذي قاد الاعتراف بفلسطين داخل البرلمان للقول إن عمل بريطانيا على تحقيق العدالة للفلسطينيين ليس بسبب مسؤوليتنا التاريخية، بل لأن تحقيق العدالة للفلسطينيين هو الشيء الصحيح الذي يجب فعله.
ويثير تأييد حزب العمال الاقتراح قلق إسرائيل لأنها تخشى أن يكون مقدمة لمجيء حكومة مستقبلية يتزعمها هذا الحزب، ومن ثم تعترف بفلسطين، الأمر الذي سيعد تغييرا دراماتيكيا خاصة مع تصويت رئيس الحزب وزعيم المعارضة “إد ميليبانند” لصالح الاعتراف
تراجيديا
من جهته، قال السفير الفلسطيني في بريطانيا مانويل حساسيان للجزيرة نت، إن وعد بلفور يذكر دوما بمأساة وتراجيديا الفلسطينيين، وهو الوعد الذي أنشأ الوطن القومي لليهود بطرد الفلسطينيين أصحاب الأرض الأصليين وإقامة دولة إسرائيل المزعومة.
واعتبر حساسيان أن هناك واجبا أخلاقيا وتاريخيا على بريطانيا تجاه قضية الشعب الفلسطيني لإقامة دولته، بسبب هذا الوعد المشؤوم، فالمملكة المتحدة حكومة وشعبا يتحملان مسؤولية هذه الجريمة.
ورأى أن هناك تحولا عميقا ودراماتيكيا في الموقف الشعبي وليس الرسمي البريطاني لصالح دعم الحقوق الفلسطينية، مؤكدا أن هناك رأيا عاما واسعا يساند الشعب الفلسطيني، وأن 70% من البريطانيين يدعمون فلسطين وعملية السلام وحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته، وهذه النسبة -بحسب حساسيان- موثقة بإحصاءات ومؤشرات رسمية واعترافات مسؤولين رسميين.
وشدد حساسيان على الأهمية البالغة لاعتراف البرلمان البريطاني الأخير بفلسطين، ورأى أنه وإن كان رمزيا فإنه يدلل بوضوح على دعم الرأي العام البريطاني، كما أن فيه رسالة مهمة ليس فقط للحكومة بل ولكل أوروبا التي توالت فيها حالات الاعتراف بدولة فلسطين.
عمل دؤوب
وقال إن هذا التطور سيفتح الباب للبرلمانات الأخرى لأن تنحو ذات المنحى. وأرجع السفير هذا الاعتراف إلى العمل الدؤوب للمنظمات الأهلية البريطانية والسفارة الفلسطينية ومختلف التنظيمات والجمعيات الفلسطينية في بريطانيا، لكنه أكد أن العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة هو الشعرة التي قصمت ظهر البعير، وهو الذي لعب الدور الأبرز والأساسي في تغيير الرأي العام البريطاني.
وتعهد السفير الفلسطيني بالعمل على ما سمّاه إكمال مشوار النضال بإقناع الحكومة وحزب المحافظين الحاكم، بضرورة الاعتراف الرسمي بالدولة الفلسطينية، موضحا أن هذا الاعتراف ليس بديلا عن المفاوضات ولكنه يقوي موقف الفلسطينيين، محذرا أنه في حال تعثر هذا المسار فإن الرئيس عباس والدبلوماسية الفلسطينية ستلجأ للمؤسسات الدولية، مؤكدا حق الفلسطينيين إذا تعثر السلام في المقاومة وكل الخيارات مفتوحة وقتها أمامهم.
وأيد النواب البريطانيون منتصف الشهر الماضي بأغلبية ساحقة الاعتراف بدولة فلسطين في تصويت غير ملزم، لكنه أثار غضب اللوبي الإسرائيلي في بريطانيا.