حكومةٌ أكثرُ يمينيَّةً في إسرائيل… بقلم :د أسامة عثمان

2013/01/22
Updated 2013/01/22 at 11:45 مساءً

تشير استطلاعات الرأي إلى أن اليمين المتطرف، سيحقق تقدما ملحوظا في انتخابات الكنيست المقررة في 22 من الشهر الجاري، والأغلب أنْ تنحاز الحكومة التي سيشكلها نتنياهو إلى اليمين، والمتطرف منه، وفي ظل مزايدات اليمين على نتنياهو فإن المناخ الغالب، شعبيا، في إسرائيل، هو مناخ التشدد.

فقد ادعى موقع « تيك ديبكا» العبري حصولَه على نتائج استطلاعات الرأي السرية، ووفقا للاستطلاعات حصل حزب «الليكود بيتنا» برئاسة نتنياهو على 37 مقعدا برلمانيا مقابل حصول حزب « العمل» على 15 مقعدا و 14 مقعدا لكل من حزب البيت اليهودي برئاسة “نفتالي بينيت وحزب « يش عتيد» برئاسة يائير لبيد.

وحصلت حركة «شاس» المتدينة على 11 مقعدا فيما تراجع حزب «هتنوعاه» برئاسة تسيفي ليفني إلى 6 مقاعد فقط و 6 أخرى حصلت عليها حركة «ميرتس».
وسواء أصابت هذه الاستطلاعات الدقة، أم لا، فإن من شبه المؤكد أنَّ الاتجاه الغالب هو الاتجاه اليميني، والمتطرف.

وترغب الولايات المتحدة في اشتمال الحكومة على بعض الأحزاب غير اليمينية من يسارية، أو من الوسط، كحزب وزيرة الخارجية السابقة، ليفني،«الحركة».
الاتجاه نحو التطرف:
لم يكن هذا المنحنى في عقلية الناخب الإسرائيلية مفاجئا، فهي متدرجة نحو التصعيد في المواقف التي تماهى، أو حاول نتنياهو، التماهي معها، من خلال الإسراع في وتيرة الاستيطان، والوقوف في وجه العالم كله، وعلى رأسه أمريكا، في سبيل الاستمرار فيه، وكان آخر تصريحاته أنه لن يأبه برأي العالم في موضوع الاستيطان؛ لأنه يبني في أرض إسرائيل؛ فلا يحتاج إلى إذن أحد.

وكانت اشتراطاته، من أجل التقدم في الحل مع الفلسطينيين، شهدت تعجيزا أكبر، بضرورة اعترافهم بيهودية إسرائيل؛ ما يعني شطب «حق العودة» مسبقا، بل، وتهديد مستقبل الفلسطينيين العرب، داخل إسرائيل.

قد يكون من المفيد التساؤل عن المؤثرات في صوت الناخب الإسرائيلي، هل تغلب عليها الاعتباراتُ الداخلية، أم التي تُسمى بالقومية الدينية؟

كانت فترة نتنياهو شهدت خروجا جماهيريا واسعا؛ للاحتجاج على الأوضاع الاقتصادية التي تردّت في عهده، من حيث البطالة، وارتفاع الأسعار، وما إلى ذلك، حتى شهدنا مظاهر من «الربيع العربي» تنتقل إلى الإسرائيليين، وأبرزُها إقدامُ بعض المحتجين على حرق أنفسهم..وأشارت استطلاعات الرأي، حينها، إلى تراجع شعبية الليكود ونتنياهو.

لكن تلك المظاهر لم تستمر، أو أنها لم تقْوَ، إلى درجة الطغيان، على قطاعات متنوعة، فقد غلب عليها اليسار، وتغلَّبتْ عليها إفرازاتُ الصراع مع الفلسطينيين، السياسية، والحربية، وأبرز الميادين كانت غزة التي أرّقت، مؤخرا مضاجع المدنيين في مدن مهمة، كتل أبيب، وحتى القدس، وغيرهما…

ما العوامل الغالبة؟
لا يزال الخطرُ الوجودي هو المُسْتحكِم في العقلية الإسرائيلية، وهذا نابعٌ من ظروف تشكُّل إسرائيل، حيث لم تنشأ نشوءا طبيعيا، وإنما أُقيمت بدعم، ورعاية دولية تامة، ولا تزال، كما أنها قامت على أنقاض شعب آخر تشتت قسمٌ كبير منه، ودُمِّرتْ مدنُه، وقراه..فالإسرائيليون _ ما لم يُتوصل إلى اتفاق نهائي للصراع _ في توجس أمني ردعي مستمر…

وكان أحد المحللين الإسرائيليين قد سمَّى العمليات الحربية التي تشنها إسرائيل، كلَّ فترة، على قطاع غزة، بعملية «قصّ العشب»، أي إضعاف مكامن القوة في الطرف الفلسطيني، هذا التعامل يكشف عن غياب حل نهائي حاسم يمكن لصاحب القرار الإسرائيلي التعويلُ عليه.

وهذه الحروب المحدودة التي تخوضها إسرائيل، وحكومة نتنياهو في ظل غياب أي أفق جدي للحل السلمي، من العوامل التي تشحذ اليمينية في الناخبين.

كما أن الظرف العربي والإقليمي يعزز حاجةَ إسرائيل إلى زعامة قوية، حيث تتراجع فرصُ الحل النهائي، في ظل غياب الوضوح فيما ستؤول إليه التغيراتُ العميقة التي تمر بها المجتمعاتُ ونظمُ الحكم العربية، حيث تتصاعد قوى (جهادية) في الجوار، كما في سورية، ولبنان، وبصفة عامة تمر المنطقة بحالة من فقدان السيطرة، والانفتاح على المجهول.

صحيح، أن الخطر الطائفي يهدد تشكُّلَ قوى سياسية مركزية، ولكن هذه اللامركزية، ليست دون خطر، فقد كان النظامُ في دمشق، على رغم أنه لا يروق لعتاة الصهاينة، ومؤيديهم، في الكونغرس الأمريكي، إلا أنه في أسوأ التقديرات يبقى (عدوا عاقلا)، يلتزم بالاتفاقات معه، كاتفاقية «فك الاشتباك»، منذ 1974م. ويُسهم في ضبط التفاهمات والاتفاقات مع «حزب الله» في لبنان. ويمنع توتير الحدود مع الجولان المحتل، مهما تعرَّض لاستفزازات واعتداءات إسرائيلية تمس (كرامته وسيادة البلد).

الخطر الإيراني:
وتتقدم إيران بخطر مشروعها النووي، على سائر الأخطار والتحديات، ويدخل الموقف الإسرائيلي؛ بسببه، (بالإضافة إلى الشأن الفلسطيني) في تأزُّم مع سيد البيت الأبيض، أوباما، الفائز بولاية ثانية، وبأغلبية عالية؛ وإذ يتحمس نتنياهو لضربة عسكرية تضع حدا للقدرات النووية في طهران، فإنَّ إدارة أوباما الكارهة لأية حرب، والمستندة في ذلك إلى رأي عام، وقناعات نُخبوية داعمة، تفضل الاستمرارَ في العقوبات التي بدأت تعطي نتائجَ قد تضعف المستوى السياسي في طهران، أو تضغط عليه، للرضوخ للحوار بالشروط التي تريدها واشنطن والدول الخمس الأخرى.

وفي المجمل، يقف على رأس الإدارة الأمريكية قادةٌ يفضلون الحوار( وشَغَلَ مِساحةً مهمةً في خطاب أوباما الأخير في مراسيم الاحتفال بالولاية الثانية) والأساليب الدبلوماسية، وتجنُّب المواجهات، ولا سيما العسكرية؛ بسبب الأزمة المالية الجدية، والمتواصل خطرُها، في حين ينحشر نتنياهو في رؤيته الضيقة، وخياراته المحدودة.

المواجهة مع أوباما:
وأما الخلاف الذي طفا على السطح بين أوباما ونتنياهو، مؤخرا؛ فقد وصل إلى نقطة حساسة، وهي التشكيك بجدارة نتنياهو لحكم إسرائيل، وقدرته على المعرفة الحقيقية بمصلحتها، حتى قيل إن أوباما اتهمه بالجبن السياسي، وأنه يسعى للتدمير الذاتي لإسرائيل؛ فهو بذلك_ بحسب ما سربه الصحفي المقرب من البيت الأبيض، جيفري جولدبرغ _ أخطرُ على إسرائيل، من إيران، وحزب الله.

وهذه المواقف حرص نتنياهو على استثارة الجانب الحساس فيها، وهو الافتئات على الإسرائيليين، والتشكيك الضمني، بقدرتهم على اختيار حكامهم؛ فقال إن الإسرائيليين، وحدَهم، من يعرفون من هو الأفضل لهم.

وبذلك فإن نتنياهو يستثير في هذه المرحلة الروحَ الاستقلاليةَ في شعبه، برغم أنه يدرك، كما كل السياسيين، والكثيرون من غيرهم، أنه لا غنى عن الدعم الأمريكي الحيوي في المجالات العسكرية التي تأتي على شكل دعم مقداره 3 بلايين دولار سنويا، وقطع غيار وتسليح، وشتى أشكال الدعم.

كما يدرك حاجة إسرائيل الضرورية، ولا سيما في هذا الوقت، للغطاء الأمريكي السياسي، والدبلوماسي، في قضية إيران؛ إذا ما رغب في الدفع نحو الخيار العسكري.

وفي الغطاء الدبلوماسي؛ إذا ما قررت، أو نجحت، السلطة الفلسطينيةُ، في التصعيد القانوني، ضد إسرائيل، على خلفية جرائم الاحتلال، والاستيطان، في المحاكم الدولية، بعد أن اجتازت عقبة «الدولة المراقب».

وقد يعوِّل نتنياهو على اللوبي الإسرائيلي، والرأي العام الأمريكي الذي لا يسنح بخذلان إسرائيل، بحال.
كما قد يعول على انشغالات الإدارة الأمريكية بأمور وملفات أكثر أهمية، داخليا، وخارجيا.
وقد يأنس إلى النزعة الانكفائية التي بدأت تزداد في العقلية الحاكمة في واشنطن.

لكن الظن أن نتنياهو، وإن كان يغامر، إلا أنه يتجاوب أكثر مع السيكولوجية الإسرائيلية المُعتدّة بنفسها، والمتطلعة إلى التَّفلُّت، أو حتى التمرد، على الضغوط الخارجية، حتى لو كانت أمريكية، وهو ما ذكَّر به نتنياهو الذي يرغب بالتربع على « عرش إسرائيل» كأقوى ملوكها، حين قال: إنه سَبَقَ لإسرائيل التعرضُ إلى ضغوط كثيرة، (ولعله يلمح إلى المعركة التي خاضها مع أوباما في موضوع الاستيطان) ولكنها صمدت.

إيلاف.

Share this Article
Leave a comment

اترك تعليقاً