أحمد دحبور: قالت رحاب ..بقلم :عادل الأسطة

2017/04/23
Updated 2017/04/23 at 7:45 صباحًا


قبل أعوام تتبّعت إهداءات الروائي الجزائري الطاهر وطار والشاعر الفلسطيني محمود درويش. لمن كان الكاتبان يهديان كتبهما؟ وهل اختلف الإهداء من فترة إلى فترة؟ (في ذكرى رحيلهما: أبي وأمي.. ووطار ودرويش، تموز 2013).
وأنا أُمعن النظر في عناوين مجموعات الشاعر أحمد دحبور خطر ببالي أيضاً أن أتتبّع هذه الظاهرة لديه. لمن كان الشاعر يهدي مجموعاته هو الذي اختار عبارة «جيل الذبيحة» عنواناً لإحدى مجموعاته (1999).
ولد أحمد دحبور في حيفا في 21/4/1946، وعاش في مخيم حمص، والتحق بعد العام 1967 بالمقاومة الفلسطينية، فقدم إلى الأردن، ثم غادرها في العام 1970، وظل في الشام قريباً من منظمة التحرير الفلسطينية، ليغادر الشام بعد خريف 1982 إلى تونس، حيث استقر فيها حتى تاريخ عودته إلى الجزء المتاح له من فلسطين.
ما سبق يعني أن الشاعر وعى النكبة، وعاش المدّ الثوري، وتأثّر بالخروج الفلسطيني من بيروت، فخرج من الشام، ثم عاد بعد اتفاقيات (أوسلو) إلى غزة. نكبة فنكسة فثورة فمعاهدة سلام فانقلاب فلسطيني فلسطيني في العام 2007، ثم على إثره غادر غزة إلى حمص ثانية، وما إن بدأت أحداث سورية في 2011 حتى عاد إلى رام الله.
من المؤكد أن هذا الجيل، جيل أحمد دحبور، هو جيل الذبيحة. إنه الجيل الذي ولد في النكبات وعاش حياتها، الجيل الذي عاش الثورة وانضم إليها وغدا جزءاً منها، وسار مجبراً على طرق وعرة. الجيل الذي حلم بالعودة إلى مدينته الأولى ليقيم فيها لا ليزورها وحسب. هل كان هذا الجيل، أيام المد الناصري، يتوقع أن يصل إلى ما وصل إليه؟
جيل أحمد دحبور هو الجيل الذي اندغم في الهمّ العام، وما كان ينظر إلى القضايا الشخصية، فكل شيء مسخر لقضية عامة هي قضية فلسطين، فلسطين الهوى، كما يقول عنوان إحدى قصائده. هل تعكس الثورة الفلسطينية في صعودها وهبوطها ما تقوله إهداءات دواوين أحمد دحبور؟
ربما أحتاج عاماً كاملاً أدرس فيه أشعار الشاعر وحدها حتى أصل إلى
خلاصة أصدر فيها أحكاماً أطمئن إليها. ربما، فالأمر لا يتعلق فقط بالإهداءات التي تظهر في صفحات الديوان الأولى، وإنما يتعلق أيضاً بالقصائد كلها. لمن كان الشاعر يهديها، وما علاقته بهؤلاء؟ وماذا تقول القصيدة أيضاً؟
نظرت في طبعة الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر (بيروت، دار العودة، 1983) وتوقفت أمام الإهداءات في الصفحات الأولى، ولاحظت أن أول أربع مجموعات وهي: الضواري وعيون الأطفال (1964) وحكاية الولد الفلسطيني (1971) وطائر الوحدات (1973) وبغير هذا جئت (1977) تخلو من أي إهداء، خلافاً لكثير من قصائدها، وأما الديوانان الخامس وهو اختلاط الليل والنهار (1979) وواحد وعشرون بحراً (1980) فقد أهداهما إلى «إلى أم مصطفى.. أمي ومعلمتي الأولى» و»إلى رحاب ويسار»، إلى أمه وإلى زوجته وابنه، وأما ديوانه السابع وهو شهادة بالأصابع الخمس (1982) فلم يظهر فيه إهداء.
في العام 1990 يصدر الشاعر ديوانه «هكذا» ويهديه إلى معلمه موريس قبق، وفي العام 1992 يصدر ديوانه «كسور عشرية» ويهديه «إلى ثكنة خالد بن الوليد.. مخيم أهلي في حمص، وإلى حمص مدينتي الثانية، وحي يصدر، في فلسطين، ديوانه العاشر «هنا.. هناك» يصدره بأشعار راشد حسين: «فقالوا: أنت مجنون/ ولن تشفى/ أمامك جنة الدنيا/ ولست ترى سوى حيفا».
الإهداء اللافت الذي يعبر عن وجع بارز وعن إنفاق الشاعر عمره في خدمة القضية العامة لدرجة نسيان أهله هو الإهداء الذي ظهر في ديوان «جيل الذبيحة» (1999). إنه إهداء يختصر حكاية هذا الجيل، بخاصة من سار في طريق الثورة مثل أحمد دحبور. نص الإهداء هو:
«إلى ذكرى أختي زينب/ إلى ذكرى أخي محمد. جاءني نبأ رحيله فور انتهائي من تصحيح آخر كلمة في هذا الكتاب./ لقد خطفتني التغريبة الفلسطينية من بين أهلي. ست عشرة سنة حتى الآن، لم أرَ خلالها، أياً منهما، مرة واحدة.. (غزة 24/2/1999). هذا يعني منذ 1983 حيث ترك الشاعر سورية والتحق بالمنظمة في تونس، وكان عليه أن يدفع ثمناً ما.
يعيد الإهداء السابق قارئ أشعار أحمد دحبور إلى قصيدة صدر بها ديوانه «واحد وعشرون بحراً» الذي أهداه إلى «رحاب ويسار». زوجته وابنه. عنوان القصيدة هو: «البيت» وتبدأ بالتالي: «قالت رحاب: أما كتبت قصيدة عنا؟/ وكنا عائدين من القصيدة،/ فالتمست بداية»، وكان قبل كتابة هذه القصيدة بسبع سنوات كتب قصيدة عنوانها «ولادة المرأة الصعبة» أتى فيها على ولادة رحاب ابنهما يسار.
إن سؤال رحاب زوجها هو المهم: أما كتبت قصيدة عنّا؟ وكانا عائدين من القصيدة، ومعهما يسار. لم تفصح القصيدة كثيراً عن المكان الذي كانوا فيه وعادوا منه، ولكن يُخيّل إليّ أنه مكان ألقى فيه الشاعر قصائده الوطنية، وأن زوجته لاحظت أنه لم يقرأ قصائد ذاتية تأتي على علاقته بزوجته، فسألته طالبة منه أن يخصهما، هي ويسار، بقصيدة، وكانت القصيدة، ولكن ما هو أهم من القصيدة هو القضية التي تثيرها ويثيرها سؤال رحاب: أما كتبت قصيدة عنّا؟
ينهي أحمد دحبور قصيدته «قهوة بأجيال جديدة» بالأسطر التالية: «أنا الذي لم يولد كما يريد/ أنا الممسوس بنسيان القهوة حتى تبرد/ أنا الذي أحتفظ بالسر في المرآة/ أعلن أني رأيت أبناء جيلي في الشارع/ ولكن كيف لي أن أثبت هذه الواقعة؟». يبدو أنني سأعود للشاعر مرّة ثالثة.
الايام

Share this Article
Leave a comment

اترك تعليقاً